جرائم الاحتلال في غزة
جرائم الاحتلال في غزة


العربية لحقوق الإنسان: دعم حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي

مروة العدوي

الإثنين، 30 أكتوبر 2023 - 06:12 م

قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن المرحلة الراهنة تشكل أصعب امتحان يتعرض له صمود الشعب الفلسطيني منذ النكبة قبل 75 عاماً، و أصعب امتحان للحاضنة العربية بشكل عام ولدول المواجهة بشكل خاص، ويشكل الانتصار للقانون الدولي في التحركات حجر الزاوية الأساسي في الصراع الراهن، ففضلاً عن كون القانون بطبيعته واجب التطبيق، فإنه في الحالة الفلسطينية يعد جزء جوهري في الصراع بأبعاده السياسية والأمنية والمعيشية.

وتابعت: إذا أفلتت إسرائيل بعدوانها هذه المرة سترتد المنطقة ٥١ سنة الى الوراء، الى ما قبل ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وسيكون هذا الحدث شر مطلق، حيث سيسمح بتكريس للاحتلال والعدوان لآجال بعيدة، وسيؤدي بداية لعودة الاحتلال إلى تبني منهج التوسع العدواني الاستيطاني (خريطة نتنياهو في الجمعية العامة الشهر الماضي) بدلاً من الانكفاء الذي حققته اتفاقات التسوية السلمية بين إسرائيل ودول المواجهة.
    ولهذا يعد عملنا نحو إنفاذ القانون وجلب العدالة أمراً محورياً، يستدعي منا جميعا الاهتمام والدقة، على ثلاثة أصعدة: (1) السردية، (2) المهنية في فضح الانتهاكات، (3) الدقة المتناهية في الملاحقة الجنائية لمرتكبي الانتهاكات.

(1) السردية
    مع إدراكنا المشترك لتحدي اختلال المعايير فيما يتعلق بقضايا الحقوق العربية بشكل عام، وحقوق الشعب الفلسطيني بشكل خاص، من الضروري التركيز على ضبط المفاهيم والمصطلحات، على غرار ما يلي:
•    الاحتلال يبقى أصل الأزمة، والقانون الدولي يفترض أنه مؤقت، وتحقيق مطلبه في الأمن لا يتحقق دون إنهاء الاحتلال
•    الاحتلال طويل الأمد هو جريمة عدوان مستمر (وفقاً للأمم المتحدة)
•    أنه لا يمكن للاحتلال أو لحلفائه التعامل مع قرارات الشرعية الدولية باحتقار، لأنه يعد بالتالي احتقاراً للمجتمع الدولي والأسرة الإنسانية ذاتها
•    أن ازدواجية المعايير التي تمارسها الحكومات الغربية لا تخولها لعب أدوار وصاية في مجال احترام حقوق الإنسان، ولن يُسمح لها مستقبلاً بذلك
•    عدم الاستسلام لإدانة جماعات فلسطينية بالإرهاب، فمع التسليم بتحفظنا على حركات بعينها (حركة حماس) فإن أنشطتها ضد الاحتلال لا تشكل إرهاباً ولو شملت خروقات، فكل نشاط لحركات المقاومة ضد الاحتلال جرى اتهامه بالإرهاب (حركة فتح – الجبهة الشعبية – الجبهة الديمقراطية)، ولدينا أمثلة عالمية لمقاتلي الحرية جرى اتهامهم بالإرهاب (جورج واشنطن – نيلسون مانديلا – المقاومة الأوروبية ضد النازي)
•    ما يجري حالياً هو جريمة عدوان، وليس حرباً، وليس صراعاً، وليس عملاً عسكرياً
•    ضرورة الإلمام الجيد بمفاهيم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية في سياق انخراطنا في الجدال الدولي
•    إيلاء الاهتمام بتأكيد جريمة الإبادة الجماعية في هذه المرحلة التي توافرت فيها أركانها دون لبس، وخاصة مع قطع الإمدادات وسبل الحياة عن السكان وقصف مناطقهم التي تمثل أعلى كثافة سكانية في العالم
•    التأكيد على دور المحكمة الجنائية الدولية

ويمكن للخطاب المساند للحقوق الفلسطينية بلورة المطالب في عدد من النقاط التي تبقى بحاجة للتفعيل وتشكل حزمة مجتمعة ذات تأثير متوقع، وذلك بالبناء على خبرة 40 عاماً من العمل في مجال حقوق الإنسان والعمل في الملف الفلسطيني، ومن أبرز هذه المطالب:
1-    دعوة مجلس الأمن الدولي بالاضطلاع بواجباته في حفظ السلم والأمن الدوليين وإصدار قرار ملزم بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة، وضمان العودة السلمية للنازحين لمساكنهم التي نجت من القصف وتجهيز ملاجيء لمن فقدوا منازلهم لحين إعادة الإعمار، وقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتولي معالجة أزمة الأسرى والرهائن والإشراف على الممرات الآمنة لوصول المساعدات
2-    دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالانعقاد بشكل عاجل – وقبل نهاية يوم 28 أكتوبر/تشرين أول الجاري – لمناقشة تداعيات استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض "الفيتو" للمرة رقم 46 لتقويض دور مجلس الأمن ومهامه الواجبة
3-    الجمعية العامة للأمم المتحدة بعقد اجتماعها الطارئ بموجب صيغة "الاتحاد من أجل السلم" لاتخاذ قرار ملزم في حال الفشل المتوقع من مجلس الأمن بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة، وضمان العودة السلمية للنازحين لمساكنهم التي نجت من القصف وتجهيز ملاجيء لمن فقدوا منازلهم لحين إعادة الإعمار، وقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتولي معالجة أزمة الأسرى والرهائن والإشراف على الممرات الآمنة لوصول المساعدات
4-    دعوة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بعقد جلسة طارئة للنظر في الأوضاع الراهنة في فلسطين المحتلة، وتلقي تقرير أولي من لجنة التحقيق التابعة له عن الوضع القائم وأنماط الانتهاكات المرتكبة والتوصيات العاجلة
5-    دعوة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لإنهاء الجمود الراهن في ملف التحقيقات والاضطلاع بمسئولياته بموجب أحكام نظام روما الأساسي
6-    دعوة الحكومة السويسرية باعتبارها جهة الإيداع لاتفاقية جنيف الرابعة بدعوة الأطراف السامية المتعاقدة للاضطلاع بمسئولياتها وضمان إنفاذ الاتفاقية وفرض الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال
7-    دعوة جامعة الدول العربية بالتحرك الفوري لدفع الأجهزة الأممية والآليات الدولية للنهوض بمهامها وعقد الجلسات الطارئة المذكورة أعلاه
8-    دعوة جامعة الدول العربية لتوفير حاضنة لضمان توفير الدعم اللازم للشعب الفلسطيني في محنته وتوفير المساعدات الضرورية، والتمهيد لإعادة الإعمار

(2) المهنية في فضح الانتهاكات
    أخذاً في الاعتبار المخاطر الجمة لأي فشل مهني في التصدي للانتهاكات الإسرائيلية، لأنه سيكون له ارتداداته العكسية التي سيتم توظيفها من الخصم بالمعنى السياسي، فيجب إدراك أن التوثيق المهني الاحترافي للانتهاكات بكافة أنواعها (حقوق الإنسان – قانون إنساني – قانون جنائي) يتم بالأساس في الميدان، وتنهض به جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية، ومن المهم لأي جهد خارج الأرض المحتلة أن يدعم الجهد الميداني، وخاصة عبر توفير كافة أشكال الدعم الممكنة، والتحرك المشترك المخطط على المستوى الدولي وفق خطة منسقة سلفاً لضمان إحداث التأثير الواجب لما يتم إنتاجه على الأرض.
    ويأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار أن الطريق لإدانة مفتوحا عبر (1) الجمعية العامة، و(2) مجلس حقوق الانسان بالامم المتحدة، و(3) لجان معاهدات حقوق الانسان، و(4) المقررين الخاصين بالأمم المتحدة.
علماً بأنه يمكن القيام بعدد من حملات التضامن والمناصرة، ويمكن أيضاً المساهمة في فضح الانتهاكات عبر الزيارات الميدانية التي يمكن أن تقوم بها المنظمات الحقوقية غير الحكومية وغيرها من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان.

(3) الملاحقة الجنائية لمرتكبي الانتهاكات
من الضروري في البداية أن نقفز فوق المجاملات المهنية إزاء وضع يستدعي تدخلاً مدروساً ومعمقاً، لأنه بقدر ما يتعلق بتوظيف القانون، يتعلق أيضاً بتوظيف القانون في الصراع ذاته، ولهذا فمن المهم توجيه الحماس صوب تحقيق نتائج مثمرة، خاصة لأن أي فشل في التحرك دولياً يؤدي حتماً إلى إحراز الخصوم نصراً على حساب حقوق الضحايا.
    من المعروف أن الطريق لملاحقة الجناة يتم عبر عدد من المسارات، وبعضها يواجه إنسداداً بحكم اختلال المعايير، من قبيل
(1) الطريق للمحاسبة وملاحقة الجناة وانفاذ القانون عبر مجلس الأمن لا يزال مغلقا 
(2) الطريق عبر مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة يبقى رهينًا باستجابة مجلس الأمن 

    لكن ذلك لا يعني انسداد الأفق تماماً، من قبيل:
(1) الطريق بات معبداً عبر المحكمة الجنائية الدولية، خاصة بعد قرار فتح التحقيقات في 3/3/2021
(2) الطريق يبقى مفتوحاً عبر محاكم الاختصاص القضائي الجنائي العالمي في الدول التي يسمح تشريعها الجنائي بذلك (55 دولة)
وهذا الطريق يستند بالأساس على جهود التوثيق المهني الميداني، فما قبل مارس 2021، ومنذ العام 2002، عملت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية على تقديم ملفات جنائية إلى محاكم الدول التي تقر قوانينها بالاختصاص الجنائي العالمي (Universal Jurisdiction)، وقدمت 25 قضية في 23 دولة، وصدرت مذكرات توقيف لاعتقال 87 مسؤولاً سياسياً وعسكرياً إسرائيلياً. 


وقد ساهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بقدر ما استطاعت في هذه الجهود (المنفردة والمجتمعة)، أخذاً في الاعتبار أن جهود التوثيق المهني وإعداد ملفات الملاحقة الجنائية يعتمد بالأساس على جهود الباحثين الميدانيين العاملين في المؤسسات الحقوقية الفلسطينية على الأرض وفي الميدان، بما يشمله ذلك من: 
-    جمع المعلومات المؤكدة 
-    أخذ الإفادات والشهادات تحت القسم
-    إعداد التقارير الأولية 
-    جمع الأدلة والقرائن
-    تفريغ التشريعات العسكرية الإسرائيلية والتسلسل القيادي للجيش ومستوى منح الأوامر لتحديد المشتبه فيهم
-    الاستعانة بأفضل الخبراء الدوليين لمراجعة هذه النتائج والملفات
-    الحصول على وكالات قانونية لتمثيل الضحايا
-    التقدم ببلاغات أمام سلطات الاحتلال التي بطبيعة الحال لا تحقق العدالة لتأمين أهداف تلبية شرط استنفاذ آليات الانتصاف الداخلي
-    التوجه للدول الأخرى التي وفقاً لقوانينها تُعنى بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب حالما تتوافر الأسانيد الجنائية الكافية.


وهذا كما يتضح عمل مضني وشاق، وفضلاً عن الصعوبات التقليدية، وخاصة صعوبات التدريب وإعداد الكوادر وتنسيق الخطط وتدبير التمويل والمعدات اللوجستية، تزايدت القيود حيث تضغط سلطات الاحتلال باضطراد على حلفائها الغربيين لقطع الدعم عن المنظمات الحقوقية الفلسطينية التي تقوم بالدور الأساسي في إنتاج التقارير المهنية والترتيب للملاحقات الجنائية، أخذاً في الاعتبار غياب الدعم العربي عن هذا العمل المهم.


وهو ما دفع المنظمة العربية والشركاء الفلسطينيين للعمل على تطوير الجهود مستفيدين من عدوان صيف 2014 الذي راح ضحيته 2200 مدني فلسطيني، والتوجه إلى الرئيس الفلسطيني – وبدعم مهم من الجامعة العربية أيضاً - وتبنت القيادة الفسطينية اقتراح المنظمة العربية لحقوق الإنسان وشركائها من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية (الحق – الميزان – المركز الفلسطيني – الهيئة المستقلة)، وانضمت دولة فلسطين بالفعل إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في يناير 2015، ومنحت القيادة الفلسطينية للمحكمة الاختصاص بالنظر في الجرائم بداية من يوم 23 يونيو 2014، وبالتالي صار للمحكمة ولاية على أراضي فلسطين المحتلة.


وفي 5 فبراير 2021، قررت الغرفة الابتدائية بالمحكمة الجنائية الدولية صلاحيتها في النظر في الجرائم في فلسطين المحتلة، وأطلقت المدعية السابقة التحقيقات في 3 مارس 2021.


وهناك مساعي أمريكية لتقويض التحرك، فالمدعي العام الحالي (الذي يزور القاهرة حالياً) والذي تولى في يونيو 2021 لم يحرك ساكناً في التحقيقات رغم ما استمر فريقه في تلقيه من توثيق جنائي محترف وتأصيل قانون راقي، وقال قبل شهرين بأنه لا ميزانية لدى المحكمة لمباشرة التحقيقات، وقد أثار تصريحه التساؤلات، خاصة في الوقت الذي يقوم فريق من مكتبه بالتحقيق في أوكرانيا بداية من مارس 2022.


وجاري في الوقت الحالي تطوير آليات عمل التحالف القائم بين المنظمة العربية لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الفلسطينية بما يحقق أفضل النتائج ويرتقي للتحدي الراهن، وهناك متسع لكل مؤيدي حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الإنسان بالانضمام إلى هذا التحالف.

توصيات
    التضامن أمر مهم للغاية، والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية بحاجة ماسة للشعور بالاحتضان، وخاصة من جانب المجتمع المصري، وفي القلب منه الزملاء في الحركة الحقوقية المصرية.


هناك حاجة ماسة لما يلي:
1-    تنظيم عدد من الفعاليات التضامنية بالقاهرة، والاستهداف النوعي لإشراك ممثلي المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية.
2-    تبني واحتضان المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، والعمل على نشر وتعميم مواقفها وتقاريرها والتنسيق معها في التحركات على المستوى الدولي.
3-    العمل على توفير الدعم المالي والفني الضروري للمؤسسات الحقوقية الفلسطينية في مواجهة تراجع التمويل التقليدي الغربي نتيجة ضغوط الاحتلال.
4-    العمل على توفير دعم مالي موجه لتفعيل قرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق. 
5-    الإعداد لزيارة ميدانية لقطاع غزة المنكوب – حالما تتسنى الإمكانية لذلك.
6-    تشكيل ائتلاف حقوقي مصري داعم لحماية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتحقيق ما سبق من توصيات، ويمكن للمنظمة العربية أن تلعب دور نقطة الارتكاز للتنسيق بين الائتلاف والمنظمات الفلسطينية.
7-    العمل مع السلطات المختصة في مصر على إنشاء حساب مصرفي باسم الائتلاف لجمع التبرعات وتوجيهها للمؤسسات الحقوقية الفلسطينية والمحكمة الجنائية الدولية.

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة