أيمن موسى
أيمن موسى


أيمن موسى يكتب: لا تنخدعوا أبدًا بـ«الأقنعة».. الوجه الحقيقي لـ«إنسانية الغرب»

آخر ساعة

الأربعاء، 22 نوفمبر 2023 - 05:46 م

■ بقلم: أيمن موسى

قد ينساق البعض وراء الأكاذيب والأوهام التى يروجها الغرب باسم الحرية وحقوق الإنسان والإنسانية، ولكنه فى حقيقة الأمر لا يعرف سوى لغة واحدة فقط وهى «المكسب» و«الهيمنة»، أما كل ما يتصل بالقيم الإنسانية والأخلاقية فليست سوى أدوات يستخدمها الغرب بشكل أو بآخر لتحقيق أهدافه المغرضة حتى ولو تكلف ذلك أرواح فليست الآلاف بل ومئات الآلاف والملايين من الأبرياء من شعوب العالم .

◄ لقد ظلت الدول الغربية تتشدق بحقوق الإنسان إلا أن ذلك لم يمنعها من قتل الملايين

◄ كلما مر الغرب بأزمات اقتصادية أو كساد يختلق النزاعات ويزرع الفتن بين الشعوب

■ الوحشية الأمريكية في فيتنام

وقد أثبت التاريخ على مدار عصوره هذه الحقيقة التى ندركها جميعا إلا أن البعض إما يريد ألا يراها اعترافا بضعفه وعدم القدرة على التصدى لها، ولذلك فهو يفضل التسليم بالأمر الواقع والنظر إلى الأكاذيب على أنها حقائق، أو لأنه يرى أنه يستفيد من هذا الوضع ويجهل أن هذه الفائدة مؤقتة وأنه سيحين عليه الدور ليذوق بنفسه طعم الإنسانية الغربية.

اعتبر البعض لفترة طويلة أن الولايات المتحدة هى منارة الحرية وحقوق الإنسان منذ أن أعلنت عن تحرير العبيد وتبنى سياسة الديمقراطية وحقوق الإنسان بل والعمل على نشر هذه القيم وفقا لرؤيتها بطبيعة الحال في العالم، ولكن يتناسى هؤلاء البعض من أصحاب الفكر السطحى والمنخدعين بالشعارات الغربية البراقة والجوفاء أن الولايات المتحدة كانت فى آخر مصاف الدول التى حررت العبيد، وأن المرأة لم تحصل على حقوقها الانتخابية فى الولايات المتحدة إلا فى عام 1920 وهو ما يعنى أن دولا مثل النرويج وفنلندا وإنجلترا وكندا وبولندا سبقتها فى هذا المجال بسنوات طويلة.

■ نجازاكي بعد القصف الأمريكي بالقنبلة الذرية

◄ قتل الملايين
لقد ظلت دول الغرب لعقود طويلة تتشدق بحقوق الإنسان وحرياته إلا أن ذلك لم يمنعها من نهب مقدرات الدول الأفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية ولم يمنعها من قتل الملايين من أبناء الشعوب البسيطة ولم يمنعها من تقليب الدول ضد بعضها البعض لكى تحتفظ بسيادتها وسيطرتها عليها، وحتى عندما كانت تهب لمناصرة الإنسان المغلوب على أمره لم يكن ذلك من منطلقات إخلاقية أو تحقيقا للعدالة والإنسانية وإنما فى إطار المطامع والأهواء وبغرض الحفاظ على الهيمنة.

والأمس ليس ببعيد عن اليوم فقد حشد الغرب خيرة قواته وعتاده من أجل اجتياح العراق ويوغسلافيا السابقة وبعد ذلك بفترة طويلة سوريا وليبيا وغيرهم من الدول ـ كل ذلك باسم الحرية وحقوق الإنسان ومواجهة الطغاة ونجدة الشعوب المضطهدة، ولكنه فى نفس الوقت لم يتألم ولم تتحرك له شعرة واحدة أمام مشاهد المجاعات والإبادة الجماعية فى الكثير من الدول الأفريقية.

■ نجازاكي بعد القصف الأمريكي بالقنبلة الذرية

التاريخ الطويل لتجاهل الغرب لآلام ومعاناة الشعوب المختلفة بل واستغلال هذه المعاناة فى مصلحته وتحقيق الأرباح والمكاسب من ورائها يجعلنا نفهم جيدا تقبل الغرب ببساطة للوحشية التى تمارسها إسرائيل اليوم على الفلسطينيين، وهى وحشية ليست جديدة عليها فقد مارستها من قبل عشرات المرات وقامت بالمجازر التى يندى لها الجبين والتى تتناقض نصا وموضوعا مع كافة قواعد القانون الدولى والإنساني، وتقبل الغرب لهذه المجازر إنما يأتى لأنها لا تتناقض مع ما اعتاد عليه من ممارسات فى مواجهة مختلف شعوب العالم.

مما يثير السخرية أنه عندما تتصدى سلطات أية دولة للمتعريات من مجموعة «بوسى رايوت» اللائى يتخذن من تعرية صدورهن رمزا للاحتجاج نجد الإعلام والساسة الغربيين يتعالون بالصراخ والتنديد، ولكن عندما تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسحل وتعرية الفتيات الفلسطينيات فذلك لا يحرك لهم شعرة من شهامة أو كرامة.

◄ الهيمنة والاحتكار
والصحافة والإعلام الغربى الذين يمارسون ذات هواية الهيمنة والاحتكار وهذه المرة بالنسبة لصفة حرية التعبير عن الرأى والوصول للمعلومات لديهم مهارة فائقة فى تتبع أفعال من يرون أنهم من الإرهابيين ومريقى دماء الأبرياء، ولكن عندما تتعرض مستشفى أو مدرسة أو دار حضانة للقصف الوحشى نجدهم يتناولون الموضوع من زاوية التعرض للقصف دون تحديد من قام بذلك ودون الخوض فى توصيف ذلك.

الحقيقة أنه لا يمكن القول بأن الغرب يتغافل حقوق الإنسان ولا الاعتبارات الإنسانية بل على العكس من ذلك أنه يدرك أهميتها بشكل كبير للغاية ففى الكثير من الأحداث التى عاشتها البشرية فى القرن الأخير وبصفة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية كان الغرب يتصيد الأخطاء وربما يخلق لها المقدمات بما يوحى للعالم بوقوع جريمة ضد الإنسانية فى هذا أو ذاك من البلدان ثم يبدأ إعلامه (الحر) فى إذكاء نار المشاعر والانفعالات وبعد ذلك تهب القوى الديمقراطية الحرة لنجدة المعذبين عن طريق قوافل الإغاثة أو القوات الدولية، وبذلك يكون قد حصل على رخصة دولية بالتدخل وعمل كل ما يريده فى مختلف الدول، وفى غضون ذلك يرتع فى ثروات ومقدرات هذه الدول وفى أرواح شعوبها .

وبطبيعة الحال يفضل الغرب فى مسيرته الاستعمارية الجديدة الاستناد إلى قوى محلية تعينه على كشف الطريق وإضفاء نوع من الشرعية فى عمله الاستغلالى حبذا لو كان ذلك برضاء الشعب الذى يعتزم الوثوب عليه، وذلك من خلال ما يشكله من مجموعات تحت مسميات مختلفة مثل جماعات حقوق الإنسان أو المرأة أو الطفل أو دعاة الديمقراطية والتحرر، وكلها مسميات براقة تخفى فى طيات معظمها نهما للربح السريع من خلال المساعدات الخارجية التى هى فى حقيقة الأمر ثمن بخس لدماء الشعوب.

◄ الدمار الشامل
عندما اجتاح الغرب العراق كان ذلك بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وهو ما لم يتمكن من إثباته فيما بعد ليخرج الرئيس الأمريكي بكل وقاحة ليعلن أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن هى سبب التدخل ولكن إنقاذ الشعب العراقي من النظام الظالم، ثم نفاجأ بعد ذلك بممارسات شاذة للقوات الأمريكية وإمعان القتل والإبادة فى الكثير من مدنه وقراه وفى غضون ذلك لم يكن أحد يدرى ما الذى يجرى مع بترول العراق وأين اختفت ثرواته، ونفس الأمر تكرر مع ليبيا وذاته فى سوريا ومالى والكثير من الدول الأفريقية، حيث كان القاسم المشترك بين كافة هذه الدول هو أنه لديها ثروات تصلح للنهب وبالتالى ينبغى اختلاق الأعذار للتدخل تحت ستار القانون الدولى والاعتبارات الإنسانية.

والحقيقة أنه يوجد رابط آخر بين كافة عمليات (صيانة حقوق الإنسان وحمايته) وبين المشاكل فى دول الغرب، حيث يلاحظ أنه كلما مر الغرب بأزمة اقتصادية أو مرحلة كساد يختلق النزاعات هنا وهناك ويخلق المشاكل ويزرع الفتن بين الشعوب بما يبرر تدخله ونهب ثروات الشعوب أو على الأقل تشغيل مصانعه للسلاح ووسائل الفتك.

المثير للسخرية هو أن تدخل دول الغرب لإنقاذ الناس كان دائما ما يؤدى لهلاكهم، ففى فيتنام ووفقا للدراسات المختلفة وصل عدد ضحايا الحرب هناك والتى شملت فيتنام ولاوس وكمبوديا ما بين 1٫2 مليون إلى 1٫4 مليون نسمة ناهيك عن الضحايا الذين سقطوا فيما بعد بسبب الألغام.

أما فى العراق فقد أدى التدخل الغربى لمقتل ما بين 900 ألف إلى 1٫2 مليون عراقى مدني، وفى أفغانستان تتضارب الأرقام من 175 ألفا وحتى أكثر من 350 ألفاً، وفى ليبيا أدت المغامرة الغربية للتسبب فى مقتل نحو الخمسين ألف فرد، أما فى سوريا فالعدد يزيد كثيرا عن 310 آلاف وغيرها الكثير من الأمثلة على التدخل الإنسانى للغرب والذى فى نهاية الأمر لم يؤدِ إلى أى تحسن فى الأوضاع وإنما إلى المزيد من التدهور وإراقة الدماء وضياع مستقبل العديد من الأجيال المتعاقبة، وفى غضون ذلك تزداد خزائن الغرب تخمة.

◄ دماء الشعوب
ومع نجاح كل تجربة فى إهدار دماء الشعوب يتزايد سعار الغرب سعيا وراء المزيد من الثراء وامتصاص دماء الشعوب التى يتعين عليها إدراك أنه لا فكاك من دائرة الهلاك هذه سوى سبيل واحد وهو توحيد جهودها للخروج بنظام عالمى جديد تفرضه هى ولا يفرض عليها، ويتيح لها الحرية الحقيقية فى تنمية اقتصادياتها من خلال استثمار ثرواتها والتكامل بين بعضها البعض، نظام عالمى تحدد وترسم قيمه العليا التى تقوم على أساس العدالة والمساواة الحقة والاحترام المتبادل وقبل كل شيء إتاحة الفرص المتساوية للجميع فى النهوض والتنمية والتقدم نحو مستقبل أفضل.

لقد ذاقت دول أفريقيا ويلات الاستعمار القديم ومازالت تعانى مرارة الاستعمار الجديد، تلك المرارة التى تحاول بعض دول أفريقيا التخلص منها من خلال التخلص والتحرر الحقيقى من الصور المزيفة الجديدة  لذات الاستعمار، ومصر لا تختلف عن شقيقاتها سواء الأفريقية أو العربية فى هذه التجارب حيث ظلت دائما هدفا لمؤامرات الغرب ولكن بفضل تماسك شعبها وإيمانه الراسخ كانت تتخطى المؤامرات الواحدة تلو الأخرى، واليوم ونحن فى مواجهة مؤامرة خسيسة جديدة مطلوب من الشعب المصرى التراص حول قيادته لإفشال المؤامرات الشيطانية التى تتحالف فيها القوى الصهيونية مع القوى الاستعمارية الجديدة لكى تخرج مصر منتصرة من جديدة لتقود المسيرة الأفريقية والعربية نحو المستقبل ونحو النظام العالمى الجديد. 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة