صورة موضوعية
صورة موضوعية


«الصحة العالمية» تحذر: «مضادات الميكروبات‌».. الوباء القادم!

إيمان طعيمه

الأربعاء، 22 نوفمبر 2023 - 06:06 م

مضادات الميكروبات من أهم الاكتشافات الطبية التى وصلت إليها البشرية للتمكن من معالجة الكثير من حالات العدوى التي يمكن أن تكون فتاكة فى حالة عدم توافر علاج لها، لكن للأسف الشديد لم يعِ البشر أهمية الأمر وأصبح تناول هذه الأدوية يحدث بدون أى حسابات، ما أعطى فرصة للبكتريا أن تتعرف على جميع أنواع أدوية المضادات، وتشكل مناعة ضدها وتقاومها بأقصى قوة ليشكل ذلك تهديدا صريحا للحياة فى السنوات المقبلة، ومن هنا تبرز أهمية سن قانون لمنع صرف المضادات بدون روشتة ووقف التسيب فى سوق الدواء وهو ما يطالب به بعض المتخصصين فى هذا التحقيق..

◄ 10 ملايين شخص يتوَّقع وفاتهم بحلول 2050

◄ الإفراط في المضادات الحيوية واسعة المجال جعلت البكتريا أكثر شراسة

نظراً لخطورة الأمر تم تحديد أسبوع عالمي فى الفترة من 18 - 24 نوفمبر من كل عام، للتوعية بضرورة التصدى لمقاومة مضادات الميكروبات وتحسين فهمها من خلال أنشطة الاتصال والتعليم والتدريب الفعالة، والتشجيع على اتباع أفضل الممارسات فى مكافحتها بين صفوف الجمهور وأصحاب المصلحة فى نهج الصحة الواحدة.. وقد ناقشت «آخرساعة» كل ما يتعلق بهذا الموضوع مع عدد من الخبراء والمختصين للتعرف على أهم الخطط التى تضعها الدولة للحد من هذا الخطر الذى تم وصفه من قبل المنظمات العالمية بأنه «الوباء القادم».

◄ تسونامي صامت
يقول الدكتور أحمد المنظرى، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم الشرق المتوسط: على مدار الأعوام الخمسين الماضية، شهدت النظم الصحية فى إقليم شرق المتوسط تحولًا أدى إلى تحسين الحصائل الصحية. وقد أسهمت القدرة على الوقاية من العدوى وعلاجها بنجاح وبتكلفة معقولة، وانخفضت وفيات الأطفال إلى أكثر من النصف، كما أن النظم الصحية القوية تحد بفعالية من انتشار الأمراض السارية، وتعمل على القضاء عليها. فيمكن الآن إجراء العمليات الجراحية وعلاج السرطان بأمان وباستخدام مضادات حيوية فعالة لإدارة خطر العدوى. 

ولكن الصدمة التى تنهال علينا كالصاعقة أن كل هذه المكاسب مُعرضة للخطر، إذا أصبحت الأدوية غير فعالة فى مكافحة الميكروبات المسببة للعدوى. فمقاومة مضادات الميكروبات ليست تهديدًا مستقبليا، بل بدأت بالفعل تتسبب فى أضرار جسيمة للصحة. وعندما لا نتمكن من إدارة خطر العدوى، يموت مزيد من الأشخاص، ويتعرض مزيد منهم للعدوى المزمنة والمعاناة، وترتفع تكاليف الرعاية الصحية. ومضادات الميكروبات يشار إليها بأنها «تسونامى صامت»، فنادرًا ما تُسجل مباشرة على أنها سبب من أسباب الوفاة، ولكن تشير تقديرات العبء العالمى للأمراض إلى أن إقليم شرق المتوسط فى عام 2019 شهد 431 ألف حالة وفاة ناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية، وأن 115 ألف حالة منها تُعزى مباشرةً إلى المقاومة الجرثومية. 

■ الدكتور إسلام عنان

◄ الوباء القادم
فيما يؤكد الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة والسياسات الصحية وانتشار الأوبئة بجامعة مصر الدولية، أن الاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات أصبح موضوعا مهما وشائكا على مستوى العالم، فقد وصلت نسبة الوفيات الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات إلى 1.27 مليون عام  2019، وقد زادت هذه الإحصائية 15% خلال موجة كوفيد 2020، لذلك أصبح مقاومة مضادات الميكروبات هو «الوباء القادم» كما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية، وإذا لم يتخذ إجراء فعلى سيتكلف العالم 100 تريليون دولار للرعاية الصحية بحلول عام 2050.

ويشير إلى أن الهدف الذى تسعى إليه وزارة الصحة المصرية لتحقيق رؤية الدولة وأهداف التنمية المستدامة 2030 هو التخطيط الاستراتيجى لتطوير جودة الرعاية الصيدلية والاستخدام الرشيد للدواء والاستراتيجية الوطنية للاستخدام الرشيد لمضادات الميكروبات، وإسهاماً فى الحد من المشكلة العالمية الناتجة عن الاستخدام غير الرشيد للمضادات الحيوية، وتحقيقا للرعاية الصيدلية الشاملة لجميع المواطنين، بمعايير عالمية تواكب التطور الذى تشهده جمهورية مصر العربية. 

◄ اقرأ أيضًا | «هيئة الدواء» تنصح بتناول جرعة المضادات الحيوية كاملة.. لهذا السبب

◄ منصات إلكترونية
ويوضح أن الإدارة المركزية للرعاية الصيدلية بوزارة الصحة والسكان تعمل على دعم نظام الرعاية الصحية للمرضى بمستشفيات وزارة الصحة وتطويره من خلال تقييم الاستراتيجيات الوطنية للاستخدام الأمثل لمضادات الميكروبات. كما تم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للاستخدم الرشيد لمضادات الميكروبات بقيادة الدكتورة غادة على يونس رئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة والسكان، للعمل بموجب البروتوكول على توفير المعلومات والبيانات وبيئة العمل المناسبة اللازمة لفريق العمل، والمشاركة فى متابعة وعرض التقارير الخاصة بالبرنامج الوطنى لترشيد استخدام مضادات الميكروبات، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات والدراسات المتعلقة بالاستراتيجية، وتطبيق نموذج تدريب المدربين والصيادلة، حرصًا على بناء قدرات الصيادلة لمواكبة التطورات العالمية الملحة لترشيد استخدام مضادات الميكروبات.

وشدد الدكتور إسلام عنان على ضرورة تسجيل المستشفيات غير المشاركة فى الاستراتيجية للاستفادة منها فى تحسين جودة الرعاية الصحية، وترشيد استخدام المضادات الحيوية، من خلال رصد المشكلة بشكل متكامل للوصول إلى سياسات صحية مناسبة. وأضاف أن منصات الترصد الإلكترونية تعمل على ترشيد استهلاك وصرف المضادات الحيوية دون روشتة مختومة وتدقيق صحى كامل، بالإضافة لإدخال البيانات من المستشفيات المشتركة فى الاستراتيجية وتحليلها وإصدار تقارير بصددها.

■ الدكتورة إنجي حامد

◄ الأكثر خطورة
من جانبها، تحدثت الدكتورة إنجي حامد، مسئولة مكافحة البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية بمنظمة الصحة العالمية، عن أن الفرق بين المضادات الحيوية ومضادات الميكروبات، فالأخيرة تعد هى المصطلح الأشمل الذى يضم مختلف أنواع المضادات سواء الحيوية أو الفيروسات أو الطفيليات أو الفطريات، وظاهرة المقاومة تتواجد فى جميع الأنواع، ولكن المضادات الحيوية هى الأكثر عرضة للمقاومة كونها الأكثر انتشارا وشيوعا، خاصة فى مصر بسبب عدم وجود قانون يمنع استخدام المضادات الحيوية بدون وصفة طبية، وبالأخص المضادات الحيوية واسعة المجال والإفراط فى استخدامها، مما جعل المقاومة أكثر شراسة وأصبح عدد منها فاقد الفاعلية ولا يحقق نتيجة علاجية خاصة مع الحالات الحرجة فى المستشفيات التى غالبا تنتهى بالوفاة وفقا لنوع العدوى وشراستها، كل ذلك أدى إلى زيادة معدلات المقاومة تجاه المضادات الحيوية سنويا وما ترتب عليه من زيادة العبء الأكبر على الدولة.

وأثبتت الدراسات أن عددا كبيرا من حالات الوفاة التى حدثت جراء الإصابة بفيروس كورونا لم يكن معظمها بسبب الإصابة بالفيروس وإنما بسبب التعرض لعدوى ثانوية ببكتريا شرسة مقاومة للمضادات الحيوية ما بين عدوى مجرى الدم أو الالتهاب التنفسى والرئوى التى تسبب فى النهاية الوفاة. وقد أثبتت دراسة عالمية حديثة أخرى أن هذه المقاومة للمضادات تسببت فى وفاة مليون و200 ألف شخص على مستوى العالم ومتوقع وفاة 10 ملايين شخص بحلول عام 2050. منوهة إلى أنه يجرى حاليا العديد من التجارب من قبل العلماء وبعض شركات الأدوية لإنتاج أدوية جديدة من مضادات الميكروبات لمحاربة البكتريا الشرسة، ولكن هذا لا يعنى حل المشكلة طالما مازال هناك استعمال خاطئ يجعل البكتريا تقاوم العلاج مرة أخرى وتتأقلم مع البيئة المحيطة بها.

◄ حلول فعالة
وأضافت: لذلك يجب أن تكون هناك حلول فعالة تحد من تفاقم المشكلة فى كل دول العالم، ولعل أهمها هو التقليل من استخدام المضادات الحيوية وتجريم صرفها من الصيدليات إلا عن طريق وصفة طبية أو روشتة، كما يجب إصدار لوائح وإرشادات من وزارة الصحة للأطباء تؤكد على أهمية تحسين التشخيص لتفادى الاستخدام العشوائى لمضادات الميكروبات، واتباع نهج سريرى جيد لتحديد الحالات اللازمة بالفعل لتناول أدوية المضادات، فضلا عن زيادة وعى المواطنين حول هذا الأمر بالإضافة للمحافظة على النظافة الشخصية للوقاية من العدوى وخاصة غسيل الأيدى الذى أصبح للأسف الشديد من الممارسات المفقودة بعد جائحة كورونا.

ونوهت إلى أنه من وسائل الخطر الإضافى هو عدم استخدام المضادات الحيوية فى مجال الصحة العامة فحسب، وإنما أيضا فى قطاع الثروة الحيوانية والداجنة، هذا النهج الذى يشمل قطاعات صحة الإنسان وصحة الحيوان والزراعة والبيئة ويُسمى بـ»نهج الصحة الواحدة». وقد شهدت جميع هذه القطاعات إساءة استعمال المضادات الحيوية على نطاق واسع.

فقد يلجأ بعض المربين للدواجن والماشية إلى استخدام المضادات الحيوية للحيوانات ليس بغرض العلاج وإنما للتسمين وسرعة النمو، الأمر الذى يؤدى للتسريع من معدلات مقاومة البكتريا لهذه الأدوية، التى بطبيعة الحال يمكنها نقلها للإنسان إما عن طريق التلامس أو من خلال بكتريا التربة أو من خلال تناولها فى شكل وجبات غذائية علما بأن المضاد الحيوى لا يتأثر بجودة الطهى ويتبقى كما هو فى الطعام، وهذا يستدعى ضرورة علم المربين بعدم ذبح الحيوان قبل أن يمر بالفترة المحددة للتخلص من آثار المضاد الحيوى التى غالبا تكون من 7 - 10 أيام حسب نوع الحيوان، وعلى وزارة الزراعة وضع اللوائح التى تنص على ذلك وتشدد على ضرورة تقنين استخدام المضادات الحيوية فى الثروة الحيوانية والداجنة وأن يقتصر تناولها على العلاج فقط.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة