دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية


حكم وقوع طلاق مريض الوسواس القهري

ناريمان محمد

الجمعة، 24 نوفمبر 2023 - 08:05 م

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عبر الموقع الإلكتروني، نصه: "ما مدى وقوع طلاق مريض الوسواس القهري؟ وهل يشترط لوقوعه التوثيق؟

وعن هذه المسألة أجابت دار الإفتاء، بأن "لا يقع طلاق الموسوس، ولا يُكَلَّف بتوثيق الطلاق بدعوى الاطمئنان وتبرئة نفسه من احتمالية وقوع الطلاق، وذلك حفاظًا على حياته الزوجية والأسرية التي يتشوف الشرع الشريف إلى استقرارها والحفاظ عليها وحمايتها، وهو في حاجة إلى صبرٍ وتحملٍ في مقاومة هذا المرض وآثاره، وعليه أن يذهب إلى الطبيب المختص بحثًا عن العلاج وتخلصًا من هذا المرض."

قالت "مريض الوسواس مغلوب على عقله، ولا يقع له طلاق إذا طلَّق والحالة هذه على ما ذكره جمهور الفقهاء، قال الإمام أبو الليث السَّمَرْقَنْدِي الحنفي: [ لا يجوز طلاق الموسوس، يعني: المغلوب في عقله] اهـ، نقلا عن "البحر الرائق" للعلامة ابن نُجَيْم (5/ 51، ط. دار الكتاب الإسلامي)، وجاء في "الأم" للإمام الشافعي (5/ 270، ط. دار الفكر): [ومن غُلِب على عقله بفطرةِ خِلْقَةٍ أو حادثِ علةٍ لم يكن سببًا لاجتلابها على نفسه بمعصية: لم يلزمه الطلاق.. وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمُبَرْسَم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبًا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك.. وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه] اهـ".

  اقرأ أيضا| أحد أشهر قُرّاء القرآن الكريم.. ذكرى وفاة الشيخ محمود خليل الحصري  

تابعت "وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية): [والموسوس إن عَقَلَ الطلاق لزمه] اهـ، ومفهومه أنه إن غُلب على عَقْله ولم يعقل الطلاق لم يلزمه، وظاهر ما سبق من عبارات الفقهاء من إطلاق كلمة "الموسوس" أنها تشمل جميع أحواله التي تُغلب فيها على عقله بإطلاق، بينما عَنَى المالكية بـ"الموسوس" المُسْتَنْكَح، وهو الذي لازمه الشَّك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه، أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه، كما في "مواهب الجليل" للعلامة الحطَّاب (1/ 301، ط. دار الفكر) ، و قال الإمام أبو الوليد ابن رشد في "البيان والتحصيل" (6/ 161، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال -أي ابن القاسم-: في رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده، أو يشككه؛ فقال: يضرب عن ذلك، ويقول للخبيث -أي الشيطان-: صدقت. ولا شيء عليه. قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في "المدونة": أنَّ الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو ممَّا لا اختلاف فيه؛ لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه؛ كالمستنكح في الوضوء والصلاة، فإنه إذا فعل ذلك أيأس الشيطان منه، فكان ذلك سببًا لانقطاعه عنه إن شاء الله] اهـ.

واضافت "حالة الوسواس القهرية ينعدم معها إملاك الزوج لأنه يغلب عليه الاضطراب والخلل في أقواله وأفعاله، فيسبق اللـفظُ منه بلا قصد لـه إليه، أو من غير تفكيرٍ في معناه، أو استيعابٍ لمآل ما يقول، أو يسيطر عليه الحال فلا يستطيع منع نفسه من التلفظ بالطلاق، فيخرج منه رغمًا عنه، ومن ثَمَّ فهذه الأوصاف المذكورة تجعل المصاب بهذا المرض فيما قرره العلَّامة ابنُ عابدين بقوله في "رد المحتار" (3/ 244، ط. دار الفكر) بحثًا واستخلاصًا: [الذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه: إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها؛ لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن الإدراك صحيح، كما لا تعتبر من الصبي العاقل] اهـ.

وقد جاء في قضاء النقض المصري الطعن رقم (28) لسنة 48 قضائية (جلسة: 13 فبراير 1980م) أن: [طلاق الغضبان لا يقع إذا بلغ به الغضبُ مبلغًا لا يدري منه ما يقول، أو يفعل، أو وصل به إلى حالة من الهذيان يغلب عليه فيها الاضطراب في أقواله أو أفعاله، وذلك لافتقاده الإرادة والإدراك الصحيحين] اهـ.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة