يعقوب الشارونى
يعقوب الشارونى


الشارونى.. إنسان فريد .. ومشروع استثنائى

أخبار الأدب

الأحد، 03 ديسمبر 2023 - 01:16 م

د. شريف الجيار

 يمثل الأستاذ «يعقوب الشارونى» (1931- 2023م) أيقونة إبداعية استثنائية، فى مجال التخييل السَّردى، الخاص بالطفل المصرى والعربى، فهو رائد من رواد العطاء والإنجاز الفنى، طيلة ما يزيد على نصف قرن من الزمان؛ حيث استطاع بذائقة المبدع المتميز، أن يطرح نصوصًا سردية جاذبة،

ومنخرطة فى التاريخ والأساطير والحكايات الشعبية والمعارف المتنوعة، فضلًا عن الراهن السياسى والاجتماعى والنفسى، عبر أسلوب شائق للطفل والأسرة، ومعجم لفظى يلائم ثقافة الطفل المصرى والعربى، فى مراحل عمره المختلفة. ويعد الشارونى واحدًا من القلائل، الذين أبدعوا فى مجال «أدب الأطفال»، ما يزيد على أربعمائة إصدار، استطاع من خلالها أن يداعب خيال الطفل، ويبنى معه أحلامًا مسقبلية، مفعمة بالبناء والمسئولية والتطوير والتغيير، ويحسب للشارونى إيمانه بالأجيال الجديدة، وقدرتها على استيعاب راهنها، بكل متغيراته، لا سيما نقلاته الحضارية التكنولوجية، لذا نراه فى غير نص من قصصه، يجعل الحلول فى يد طفل التكنولوجيا، الذى يمتلك مفردات الواقع العالمى الجديد.

والمتأمل فى مشروع الشارونى الممتد طيلة عقود، يدرك أن نصه السردى استلهم روافد ثقافية ومعرفية وتاريخية وجغرافية متنوعة؛ حيث تناص مع التاريخ الفرعونى، والإسلامى، وعوالم ألف ليلة وليلة، والتاريخ المعاصر، كما فى قصصه (سر الاختفاء العجيب، والرحلة العجيبة لعروس النيل، ألف حكاية وحكاية، وحكاية رادوبيس، والفرس المسحورة، وتائه فى القناة ...)، وغيرها من القصص، التى يعرف الطفل من خلالها تاريخ مصر، وجغرافيتها، فضلاً عن القيم التربوية، والسلوكيات الإيجابية التى يبثها الشارونى فى طوايا نصوصه، فضلاً عن الانتماء الذى يمثل تيمة أساسية فى نصوصه، إلى جانب ذلك يدخلنا الشارونى، إلى عوالم الصحراء والبحار والتكنولوجيا، ودائمًا ما يجعل الطفل يفكر، ويشارك فى بناء الرؤية، داخل السياق الفنى، ويجد الحلول الإيجابية، التى تتفاعل مع الأسرة والمجتمع، كما نرى فى قصة (مغامرة زهرة مع الشجرة)، التى تفاعل فيها الأطفال لحماية الشجرة من القطع، ويبث الشارونى قدرًا وافيًا من المعلومات والمعارف والقيم التربوية النبيلة والإيجابية، التى لا تثقف الطفل فحسب، بل والأسرة أيضًا، لا سيما الأم التى تمثل مصدرًا معرفيًّا وقرائيًّا مهما للطفل. لذا نرى قصص الأستاذ الشارونى، مفعمة برسائل التحذير والتنبيه للصغار واليافعين، ومن ثم الأسرة ومستقبلها، من مغبة الكسل والخوف واليأس والغضب والغرور والسرقة والكذب والعنف، وغيرها من السلوكيات السلبية، التى لا تتفق مع القيم المجتمعية النبيلة. إلى جانب هذا، تجلى إيمان الشارونى بالدور المركزى للمرأة فى المجتمع، وفاعليتها فى بناء الوطن، لذا نراه يقدم أنماطًا نسائية معاصرة قادرة على المواجهة، والتصدى للمشكلات المجتمعية بتنوعها، التى تتعرض لها بنفسها، أو يتعرض لها المجتمع، بطبقاته المتباينة، بين الريف والمدينة.

فضلًا عن ذلك، حرص الشارونى على تقديم العديد من القصص، التى تحمل عناصر مبهجة مشبعة بالحياة، تبث فلسفة الجمال فى المجتمع، من الدعوة للتشجير والحفاظ على النباتات والزهور، والإحساس بالجمال والنظافة، إلى جانب ضرورة التمسك بالقيم الدينية والسمات الاجتماعية الإيجابية، من صداقة وتضحية وتعاون وتحمل للمسئولية واحترام وللآخر وتقبله.

  والمتأمل فى نصوص الشارونى، يلحظ أن الحوار المسرحى، يمثل بنية مركزية فى شعرية عالمه الإبداعى، فيضفره دائمًا بالسرد، الذى يتجلى متنوعًا فى أصواته، التى تهب الطفل القدرة على الحوار، والنقاش، والمواجهة، حتى يكاد يشعر المتلقى أنه حيال مشهدية مسرحية، وسرد بصرى سيناريستى، ينتقل بالطفل من واقع الكتابة، إلى عالم المتخيل، فالكاتب بدأ مشروعه مبدعًا للنص المسرحى، حيث حصل على الجائزة الأولى للتأليف المسرحى عامى 1960م و1962م، من وزارة الثقافة المصرية، عن مسرحيتيه (أبطال بلدنا، وجنينة المحطة)، وقد كرمه الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر». فنحن حيال مبدع يمتلك مشروعًا واضحًا، يؤكد أهمية يعقوب الشارونى فى مجال «أدب الأطفال»، وهو ما استشرفه الأديب الكبير «توفيق الحكيم»، حينما حرص على تزكية طلب حصول الشارونى، لمنحة تفرغ للكتابة الأدبية للأطفال عام 1963م؛ حيث أشار إلى طلبه بقوله «أزكى هذا الطلب بكل قوة لما أعرفه عن السيد يعقوب الشارونى من موهبة تجلت فى مسرحية (أبطال بلدنا)، التى ظفرت بالجائزة الأولى فى مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب».
   ويحسب لهذا الرائد، أنه انفتح على الأجيال المختلفة، لا سيما شباب المبدعين، فى الندوات والمؤتمرات، والورش الإبداعية، وقد تجسد ذلك بشكل واضح، فى الملتقى الثقافى الذى كان يعقده فى منزله بالمنيل، طوال عقود، وفى مركز توثيق وبحوث أدب الطفل، وهو لقاء يجمع الكبار والشباب فى مجال أدب الطفل، فى حالة من تلاقح الخبرات، ومناقشة الأعمال الجديدة، والنصوص الإبداعية قبل النشر، وهو ما أثمر أسماء جديدة فى مجال الكتابة للطفل، حصل بعضهم على جوائز مصرية وعربية، فضلًا عن مساندة الأستاذ «يعقوب الشاروني»، للعديد من الباحثين فى العمل الأكاديمى المصرى والعربى، فى مجال أدب الطفل، وهو ما يؤكد أننا حيال كاتب استثنائى، يمثل تجربة فريدة، فى العطاء والإنجاز، على صعيد التأليف، والترجمة، والعمل الأكاديمى، والانخراط فى العمل العام. فتحية لهذا الرائد الذى سيظل يسعدنا بإبداعه وخبراته ورؤاه البناءة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة