الدرج العظيم بالمتحف الكبير
الدرج العظيم بالمتحف الكبير


إنجاز وقيمة واستثمار| «المتحف الكبير» يضاعف رصيدنا الحضاري

آخر ساعة

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023 - 10:01 ص

■ كتب: رشيد غمري

يمثل المتحف المصري الكبير إضافة هائلة لرصيد مصر الحضاري. وقد طال انتظاره، ليعكس صورة مصر وقيمتها التاريخية كأعظم حضارة على وجه الأرض، ويعيد التأكيد على ما تعنيه بلادنا كفجر للضمير، وأرض للمعنى، والبداية لكل ما هو مبدع وخلاق. وبالتوازى، يبرز الإنجاز الكبير وعيا بما يعنيه رأس المال الثقافى، وآفاق استثماره اقتصاديا وتنمويا، ما يعزز أحلامنا بأن تأخذ الثقافة والفنون مكانها اللائق لدفع عجلة الاقتصاد، خصوصا ونحن نمتلك من مقوماتها ما لا يقارن بغيره. وهو نهج عالمى تحقق من خلاله الدول الكبرى دخلا يقدر بمئات المليارات سنويا.

◄ 763 مليار دولار عائد الثقافة فى أمريكا و575 مليارا بالصين

◄ 25 مليار دولار أرباح سنوية لقطاع النشر فى الولايات المتحدة

على مساحة تقارب 500 ألف متر مربع تم إنشاء مبنى المتحف المصري الكبير، مطلا على أهرامات الجيزة، وبتصميم يعكس عظمة الحضارة المصرية. من ميدان المسلة المعلقة، إلى المدخل الرئيسى حيث يقف تمثال رمسيس الثانى فى استقبال الزائرين، مع عدد من القطع الأثرية الضخمة على مساحة 7 آلاف متر مربع، ثم الدرج العظيم بمساحة 6 آلاف متر مربع، الذى يضم بضعا وثمانين قطعة أثرية، تتألق الحضارة المصرية مهيبة وراسخة. ولأول مرة تجتمع خمسة آلاف قطعة من آثار توت عنخ آمون معا فى قاعته بالمتحف على مساحة 7500 متر.

بالإضافة إلى قاعات العرض الدائم على مساحة 18 ألف متر، التى تعرض مختلف حقب الحضارة المصرية، وإبداعاتها فى مجالات مختلفة. كما يضم أربع قاعات للعروض المتغيرة على مساحة 5 آلاف متر مربع، ومتحفا للطفل على مساحة 5 آلاف متر بوسائط متعددة ونماذج لشرح محتويات المتحف وإنجازات الحضارة المصرية.

كذلك فصول للحرف التقليدية، وهو أمر ضرورى لاستكمال الصورة وتعظيم الفائدة الاقتصادية والثقافية. مع قاعات لذوى الاحتياجات الخاصة، وثلاث مكتبات، ومركز للمؤتمرات، بالإضافة إلى الساحات الخارجية وما تضمه من حدائق وخدمات ومتحف مراكب الشمس.

وكذلك الممشى السياحى وحائط الأهرامات والأسواق والمطاعم وقاعات العرض السينمائى. وهو ما يعنى أننا أمام إنجاز ضخم واعٍ لدوره، وعينه على المستقبل، ويدرك معنى الاستثمار فى رأس المال الثقافى. وهذا بالذات ما يحفز آمالنا فى بدء حقبة نشطة من تفعيل باقى ثرواتنا الثقافية التى تمتد على كافة ربوع مصر فى كافة المجالات الإبداعية والحضارية والتراثية، ولعل متحفنا الكبير يكون حافزا على تحريك الثقافة والإبداع إلى دورها التنموى على غرار التجارب العالمية التى تحقق مئات المليارات ضمن الناتج القومي للدول الكبرى. 

■ أحد معارض المتحف لإبداعات الطلبة المستوحاة من التراث المصري

◄ اقتصاد ضخم
تعاظم حجم الاستثمار الثقافى عالميا فى السنوات الأخيرة، ففى الولايات المتحدة يبلغ إجمالى عائد المؤسسات الثقافية والفنية 763 مليار دولار، ويوفر قطاع الفنون أكثر من مليونين ومائة ألف فرصة عمل. كما تبلغ أرباح قطاع النشر والطباعة 25 مليار دولار. وتبلغ أرباح المسرح 1.4 مليار دولار. وفى الصين يبلغ إجمالى عائدات الصناعات الثقافية 575 مليار دولار سنويا، وتدر السينما أرباحا تقدر بـ36 مليار دولار. وتسيطر على أكثر من خمس الصناعات الثقافية بالعالم. ويبلغ إجمالى ناتج الأنشطة الثقافية بفرنسا 44 مليار دولار.  

ووفق مؤشر «A.E.A» الدولى فإن حجم الاستثمارات الثقافية الجديدة خلال عام 2022 بلغ حوالى 7.8 مليار دولار على مستوى العالم، تم ضخها فى بنية تحتية لـ 185 مشروعا ثقافيا، دون احتساب المشروعات التى تقل تكلفتها عن 10 ملايين دولار. كما جرى الإعلان فى العام نفسه عن 225 مشروعا جديدا حول العالم، بزيادة 30٪ عن العام السابق. وفى المجمل كانت الزيادة السنوية فى حجم المشروعات الثقافية تقدر بحوالى 11٪ خلال السبع سنوات الأخيرة. وخلال المدة نفسها تصدرت المتاحف والمعارض القائمة.

وتقدمت مراكز الفنون متعددة الوظائف عن دور العرض المسرحي التقليدية. وتتصدر أستراليا قائمة البلدان التى ضخت استثمارات جديدة فى قطاع الثقافة مؤخرا، مع الصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما صعدت الهند مضاعفة حجم إنفاقها ثلاث مرات.

ولا يغيب عنا أن لأغلب الدول الكبرى متاحف مخصصة أو أقساما ضخمة للآثار المصرية، تضاعف قيمة رؤوس أموالها الثقافية. وهى تزيد على مليون قطعة بالخارج. ويعتز متحف اللوفر فى باريس على سبيل المثال بقسمه المصرى، الذى يضم 55 ألف قطعة، وهو يسهم مع برج إيفل بـ6٪ من الناتج القومى الفرنسى. فماذا عن آثارنا على أرضها!

■ أحد فعاليات المتحف نقلا عن صفحته على فيس بوك

◄ اقرأ أيضًا | جولة في المتحف المصري الكبير.. أبرز أحداث السياحة والآثار في أسبوع

◄ ثروتنا الباهظة
تعنى مصر للبشرية بداية التاريخ، وبالنسبة للغرب هى الجذر الأول والملهم للحضارة اليونانية التى هى الجذر المباشر للحضارة الغربية، وهو ما يتضح فى سيناريوهات عرض آثارنا بالخارج. وفى المحيط الإقليمى، تتبوأ مصر مكانتها كأرض للفكر والإبداع، بمئات من القامات فى كافة المجالات على مدى الفترة من القرن التاسع عشر إلى الآن. ما يعنى أن حضور مصر الأكبر مستمد قديما وحديثا من الثقافة. وهى لم تعد نشاطا يحتاج دائما إلى الدعم المادى لتحقيق أدوار معنوية، كما لم تعد نشاطا نخبويا.

فقد تغيرت المفاهيم خلال العقود الأخيرة، وباتت الثقافة أحد مجالات الاستثمار المربحة للغاية سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، من خلال المساهمة فى الترويج السياحى، وتعزيز الصورة الذهنية الجالبة للاستثمارات، والدعاية والترويج لباقى المقومات الاقتصادية، فضلا عن آثارها السياسية والدبلوماسية، وكلها تنعكس على الاقتصاد.

والمجال يضيق هنا عن حصر كل عناصر رأسمالنا الثقافى، لكن بما أننا نتحدث عن المتحف الكبير، فلنتذكر أن لدينا رصيدا كبيرا من المتاحف، بداية من المتحف المصرى بالتحرير، إلى المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، وقد انتهى ترميمه وتطويره مؤخرا.

■ واجهة المتحف تحاكي أهرامات الجيزة في الخلفية

كذلك المتحف القبطى الذى أنشئ مطلع القرن العشرين. ومتحف الفن الإسلامى، الأكبر من نوعه عالميا. ثم المتحف القومى للحضارة المصرية الذى كان ضرورة لجمع كل تلك الطبقات الحضارية فى بانوراما واحدة، ليفتتح عام 2021 باحتفال بهيج، وموكب للمومياوات شاهده العالم بإعجاب وانبهار. وتمتلك مصر عشرات المتاحف فى المحافظات، وأخرى نوعية مخصصة للمخطوطات والخزف والمجوهرات والآثار النوبية والمومياوات والمركبات، وشتى الجوانب الحضارية، بالإضافة لمتاحف القصور الملكية، ومتاحف الفن كمحمود خليل والفن الحديث ومختار وناجى. وهى ليست مجرد واجهات للعرض، ولا أنشطة ترفيهية، ولكنها رأسمال ثقافى، قابل للاستثمار وتحقيق أفضل العوائد والأرباح الاقتصادية، بشرط الحفاظ على طبيعتها، وتعزيز قيمتها الثقافية والمعنوية. وهى مهمة دقيقة، نظرا للطبيعة الهشة والحساسة للمعالم والأنشطة الثقافية، التى تحتاج إلى رؤية مناسبة لإدارتها واختيار الأنشطة الملائمة.

وإذا كانت الثقافة هى كنزنا الأكبر، فهى مطلب إنسانى تتعاظم الحاجة إليه كلما أغرق العالم فى التحديث التكنولوجى، والاستهلاكية، والخواء الروحى. ما يعنى أن لمنتجنا الثقافى مجالا متعطشا. وهو ما لا يغيب عن صناع القرار، ويظهر فى حجم الاستثمارات التى ضُخت مؤخرا فى المتاحف والمراكز الثقافية والفنية. لكن يبقى حجم كنوزنا أكثر قابلية للتفعيل على غرار التجارب العالمية الناجحة.

■ اهتمام بالأطفال بالمتحف وقسم خاص بهم

◄ متحف كبير وأحلام أكبر
يفتح المتحف الكبير الباب أمام أحلام بلا حدود لبلد يعى قيمة تراثه وتاريخه، ويعرف كيف يستثمرها معنويا وماديا. ونظنه بداية نقلة نوعية فيما يتعلق بتعظيم عوائد مقوماتنا الثقافية، ودفعة جديدة للاهتمام بالتراث. ونتفاءل خيرا لاهتمام المتحف الكبير بالحرف التقليدية، حيث لم يعد من المقبول أن يضطر السائحون لحمل تذكارات من «البولى إستر» مكتوب عليها صُنع فى الصين. لدى مصر تراث هائل من الحرف التقليدية والتراثية، بعضها يحتاج إلى لمسات بسيطة لتطويعه لخدمة السياحة والتصدير، وهو ما يستطيع توفير مئات الآلاف من فرص العمل.

ولا نتحدث هنا عن المستنسخات الفرعونية فقط، فالأمر أكثر تنوعا من ذلك بمئات المرات. وصحيح أن ملف التراث قد حظى بوعى ودعم رسمى خلال الفترة الأخيرة، لكنه ما زال يحتاج إلى عملية تكييف تسويقية دقيقة.

ويكفي أن نعلم أن حجم صادرات العالم من منتجات الحرف التقليدية يزيد عن 200 مليار دولار فى العام، تمثل آسيا وأوروبا الحصة الأكبر منها. ومنذ عام 2010 تعاظم دور الثقافة فى الاقتصاد، وشاع ضمن توصيات مؤتمرات التنمية على مستوى العالم. ووفقا لليونسكو فإن حجم الصناعات الثقافية على مستوى العالم يبلغ اليوم 1.3 تريليون دولار. وتشكل السياحة الثقافية 40٪ من السياحة العالمية.

■ صورة للمتحف ليلا نقلا عن صفحة المتحف على فيس بوك

◄ الرأسمال الثقافي
وفى نيوزلاندا تمثل الصناعات الثقافية 2.37٪ من الناتج المحلى. وعلى العموم تشكل ما بين 2 إلى 6٪ من الناتج القومى للدول. كما اتجهت سنغافورة إلى مجال الاستثمار فى الفنون، وهو ما يوصف بالمجال الأكثر ليونة، ويختلف عن طبيعة اقتصادها المعتاد. كما أظهر تقرير لليونسكو بالتعاون مع إسبانيا عام 2010 أن الاستثمارات الثقافية تقوم بتشغيل حوالى 5% من الأيدى العاملة فى البرازيل. كما اعتبرها التقرير أحد أهم أنشطة التمكين الاقتصادى للفئات المهمشة. وعلى عكس الشائع، خلص التقرير إلى كون الصناعات الثقافية أكثر قدرة على الصمود وقت الأزمات.

وهو ما يدفعنا لتبنى استراتيجية متكاملة لإدارة رأسمال مصر الثقافي، بكل ما يتضمن من آثار وتراث ومؤسسات ثقافية وفنية عامة وخاصة بالإضافة للفنانين والمبدعين والمثقفين والمدن والقرى ذات الطبيعة التاريخية وكافة الأنشطة والمنتجات ذات الطبيعة الإبداعية، لتكون بمثابة إطار لكل الجهود، مع الانفتاح على مختلف الرؤى والمشاركات، وتشجيع رواد الأعمال على إقامة مشروعات للاستثمار فى الثقافة. 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة