جورجيت شرقاوي
جورجيت شرقاوي


جورجيت شرقاوي تكتب: عيد الميلاد من الأجراس إلى صدى الحروب وإرث الدماء في فلسطين

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 14 ديسمبر 2023 - 09:26 م

تذكرت هذه الأيام لمحات من أعياد الميلاد في فلسطين والقصص التي نشأنا عليها، كقضاء ليلة العيد في بيت لحم، نتأمل الأضواء التي تزين الشوارع؛ وشجرة الميلاد الرائعة في ساحة المهد؛ ثم السير عبر الأزقة المتعرجة جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين؛ نتغنى بأعتزاز ورهبة بترانيم عيد الميلاد العربية وكيف تحول ذلك بين ليلي وضحاها إلى ركام.

ويقوم النظام الإسرائيلي بتأسيس فكرة مخترعة عن القيم "اليهودية المسيحية" بينما يحول الصراع إلى معركة دينية تاريخية تمحو المسيحيين الفلسطينيين بالكامل وتعزز في الوقت نفسه الاستعارات المعادية للإسلام لإضفاء الشرعية على وجود الدولة، و
بدلا من توقف الترانيم عيد الميلاد فجأة وبعد ثوان، نسمع صوت الأذان يتردد من مسجد قريب وعندما ننتهي تستأنف الترانيم،هذه المرة تتوقف من أجل صوت الانفجارات، حيث كان طيف الترانيم يذكرنا بأن بيت لحم هي موطن المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين معا،وكانت بيت لحم عشية عيد الميلاد نموذجا مصغرا للوحدة الفلسطينية، ونافذة على فلسطين المحررة حيث يلعب الأطفال بالرخام في الشارع،وفي لحظة عابرة تذكرنا أن بيت لحم كانت مدينة تحت الاحتلال والتي كانت تشكل العطلة تهديد للنظام الصهيوني الذي يحاول إخفاء ثقافتنا بموسم الغرب.
واختفت مسرحيات ميلاد السيد المسيح، تلك الصورة التي كانت تقدم علي مسارح الغرب لتجسد بيت لحم غير المسيسة، وها الفصل العنصري يلتف حولها، ويحيط ببعض المنازل من جهاتها الأربعة، فهي حاليا مفصولة عن اثنتين من المدن الأخرى ذات الأهمية الدينية في فلسطين – القدس والناصرة – بجدار خرساني يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار وتتناثر حوله نقاط تفتيش.وفي السابق وفرت كنيسة المهد الأمان لمريم ويوسف النجار، واليوم تحاول توفير المأوى للمدنيين الفلسطينيين ومقاتلي المقاومة أيضا.في حين أنه كان اكتشاف المسيحيين الفلسطينيين ليس أمرا جديدا؛ أن اضطهادهم قديم قدم دولة إسرائيل نفسها. فإن المحاولات الحالية التي تقوم بها إسرائيل لطرد الفلسطينيين بالقوة من شمال غزة إلى سيناء المصرية بحجة حمايتهم أنعشت ذاكرة الشعب الفلسطيني الذي أصبح لاجئا قبل 75 عاما ولم يتمكن أبدا من العودة، فهي إحدى أكثر حالات الحرمان من حقوق الإنسان في التاريخ، ورفض السماح للاجئين بالعودة وأحل محلهم المستوطنين الذين كانوا يوما ما مسيحيين فلسطينيين.


إن الوضع الذي يواجهه حوالي ألف مسيحيا فلسطينيا في غزة معقد للغاية،حيث تمكن ما لا يقل عن 25 مسيحيا من مغادرة الكنائس والوصول بأمان إلى الجنوب، وتم السماح لهم بالدخول إلى مصر عبر معبر رفح ليحصلوا على تأشيرات دخول من بلدان مختلفة،ليكون مسيحيو غزة أولا من ينفذ التهجير الفعلي،ومن تبقين منهم يتم إجبارهم على التحرك جنوبا وعدم قدرتهم على مغادرة غزة، فقد لجئوا إلى كنيستين ينتظرون الإبادة الجماعية،يختبئون الآن في سانت بورفيريوس وكنيسة العائلة المقدسة القريبة، وهي جزء من آخر أبرشية كاثوليكية متبقية في مدينة غزة وسط تخلي المنظمات الدولية عنهم،حيث يرفضون المساعدة في الحصول على الإذن لنقلهم بأمان إلى الضفة الغربية- ففي نهاية المطاف، لن يتمكن كل مسيحي فلسطيني من الحصول على تأشيرة للسفر إلى دولة أجنبية،
فإن طعامهم ومياههم على وشك النفاذ، ولا
أحد يساعدهم،والأطفال يبكون من أجل الطعام والكبار يأكلون الفتات فقط بعد أن تم قصف خزانات المياه،ولم يتحرك المجتمع الدولي،فأين المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتقهم؟
وذكرت تقارير أن المساعدات الوحيدة التي يمكن أن تدخل إلى غزة تأتي عبر معبر رفح لكن ما زالوا
يسقطون في شقوق النظام وسط احتياجات يائسة،بل هناك تراكم بيروقراطي تمنع وصول مساعدات بعض المنظمات،قد تستغرق ما لا يقل عن 15 يوما للحصول على الموافقة على دخول شاحنات المساعدات إلى غزة ثم عمليات الفحص الأمني.

إن ظاهرة "الصهيونية المسيحية" الغربية هي التي جعلت من هذه القضية جزءا من الخطاب السياسي الأمريكي اليساري الضحل يرجع أصله للقرن التاسع عشر، حيث روج فكر الحاخام "يهودا القلعي" الذي دعي إلى إنشاء مستعمرات يهودية في الأرض المقدسة. ولعل فكرة تجويع الشعب الفلسطيني استمدت من كتاب روما والقدس للحاخام "موسى هيس" الذي تخيل موت معاداة السامية الألمانية المسيحية بسبب نقص التغذية، ويزعم هؤلاء القوم أن الأمة اليهودية هي السيد المسيح في حد ذاته ولذلك هو هرطقة صريحة في الفكر المسيحي، وكانت اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور من الأدوات الدبلوماسية الرئيسية التي جعلت الاستعمار اليهودي لفلسطين ممكنا بعد أن اكتسبت فلسطين أهميتها داخل المخطط الإمبريالي البريطاني بعد أن تحول الأدب المسيحي إلى انحياز للعنصرية حسب أهواء الشعب العرقي في إنجلترا ليصورا أن الله يقف بجانبهم ضد باقي البشر، ومع ذلك ظلت صرخة الحجارة هي أصوات المسيحيين الفلسطينيين الحقيقيين.

وتتردد النظرية الصهيونية بين الأصولية والعلمانية، حيث يتمكن الانجليين الأصوليين من حماية كيان إسرائيل الوظيفي بالوقوف بجانبها، وظل حزبي الليكود والكاديما يتابعان نشاط الخامات ليصبحوا أشد تطرفا ولا يستخدمون إلا الأساليب الاحتيالية لإركاع حكومات الغرب والدخول في تحالفات طبق للتنبؤات التوراتية بأن الدجال متواجد بإسرائيل لا يشترك في إي أعمال سياسية ولكن يسارعون لتنفيذ المخططات لخروجه للعالم بعد أن حددوا من يكون مسيحيتهم ،ليتناثر إرث الدم عبر الأجيال، والتي من أهمها التحرشات بالدول العربية عسكريا مما يؤدي إلى هزيمة حضارية أمام الغرب وتهويد القدس والتي هي محور عودة السيد المسيح الثاني جغرافيا، لذلك لا يمكن أن تكف عن زحف المستوطنات التي كان يعتقد ان تكون نواه لتحقيق رؤيه أشعياء بالمفهوم التلمودي لتقريب موعد الخلاص بحسب أقطاب الرأي العالمي، لذلك يظل البقاء الفلسطيني يزلزل كافه النظريات علي مر التاريخ.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة