محررة «الاخبار»  تحاور المايسترو العالمى نادر عباسي
محررة «الاخبار» تحاور المايسترو العالمى نادر عباسي


خاص| المايسترو العالمي نادر عباسي: أحلم بإنشاء أوركسترا الاتحاد العربي لتجميع الفنانين العرب

غادة زين العابدين

الأحد، 17 ديسمبر 2023 - 08:03 م

راحة كبيرة تشعر بها بمجرد أن تطأ قدماك منزله.. ربما السر فى اللون الأبيض الذى يغلف الأثاث والجدران .. أو فى بساطة التصميم والديكور ، و جمال اللوحات.. أو ربما الحفاوة والتلقائية التى يستقبلك بها صاحب البيت وأيا كانت الأسباب، فالمؤكد أن الفن يرتقى بالفكر والذوق والإحساس.. وصاحب البيت، هو واجهة مشرفة لمصر ، وأحد رموز القوى الناعمة فى الفن والموسيقى داخل مصر وخارجها ..

هو المايسترو وقائد الأوركسترا العالمي نادر عباسي، الذى وصل للعالمية منذ سنوات ، ووصل لقلوب المصريين وخطف أنظارهم منذ عامين حينما أبهرنا بقيادته الرائعة الراقية لحفل أوركسترا موكب المومياوات ومن بعده أوركسترا طريق الكباش، كما قاد أولى الحفلات داخل بهو المتحف الكبير، الذى يترقب العالم افتتاحه قريبا، وساهم بإحساسه وقيادته الراقية فى نقل مفهوم قيادة الأوركسترا وترجمة مفهوم المايسترو للمواطن العادى. والمايسترو نادر عباسى هو واحد من أنجح قادة الأوركسترا على مستوى العالم، وأول مايسترو مصرى وعربى يقود أوركسترات فى أوروبا وأمريكا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ومنذ فترة قليلة أصبح مشرفا على كل الفرق التابعة للبيت الفنى مثل الأوركسترا السيمفونى وأوركسترا الأوبرا والباليه والكورال ، كما أصبح أيضا قائد الأوركسترا الأساسي لدار الأوبرا المصرية ، ولديه الآن أحلام كبيرة لنشر الفن الراقى والموسيقى العالمية ودعم الشباب ثقافيا وفنيا ، كما يحلم بإنشاء أوركسترا الاتحاد العربى ، ليكون أول كيان فنى يجمع شمل الفنانين والموسيقيين العرب .

كان حوارى معه بعد عودته منذ أيام من رحلة فنية مميزة وقف خلالها على مسرح واحدة من أعرق دور الأوبرا فى فرنسا ، وهى دار أوبرا مرسيليا فى فرنسا ليفتتح موسمها الفنى بقيادته عرض «الافريكان» للمؤلف الألمانى ماير بير.

وقبلها مباشرة كان نادر عباسى هو نجم مهرجان جليمر جلاس فى أمريكا ، بعد اختياره لقيادة ١٣ عرضا لاوبرا لابوهيم التى تعتبر من أشهر أوبرات المؤلف الإيطالى بوتشيني، وفى هذا الحوار يتحدث معنا عن عمله وحياته وإنجازاته وآرائه فى كل ما يخص الفن والموسيقى والحياة. «أجمل شئ أن تكون موهبتك هى مهنتك ،وأنا محظوظ بذلك ..»
هكذا بدأ المايسترو العالمى نادر عباسى حواره للأخبار، وأضاف مبتسما: أمى كانت ضد دراستى للموسيقى، «هى كانت عايزانى دكتور»، لكن أنا كانت عينى على أخى عازف الجيتار، وجارتنا الفنانة عفاف راضى ، وكنت طول الوقت أغنى وأعزف للعيلة ولأصدقائى .

بداية الرحلة

- كيف بدأت رحلتك مع الموسيقى؟
كان من بين جيراننا أستاذة فى معهد الباليه، وهى التى شجعتنى على الالتحاق بالكونسرفتوار، وبالفعل التحقت بقسم العزف والتأليف الموسيقى بالكونسرفتوار وعمرى ١٣ عاما، واختاروا لى آلة «الفاجوت» ، وتخرجت عام ١٩٨٦، وسافرت فورا إلى جنيف لاستكمال دراساتى العليا ، وعملت فى جنيف كعازف أول فاجوت، لكنى كنت أحب الغناء ، فقررت البقاء فى جنيف ودراسة الغناء الأوبرالى، وبعد تخرجى تركت الفاجوت وعملت كمغنى أوبرا.

وحينما عدت لمصر سنة ١٩٩٥، تقدمت لمسابقة فى التأليف الموسيقى وفزت بعمل أوركسترالى مستوحى من قصة ريا وسكينة، وقمت بقيادة عملى ، ولفت العمل وأسلوب قيادتى للأوركسترا أنظار العالم، وبدأت أقدم مؤلفات موسيقية فى جنيف وأقودها بنفسي، وحققت نجاحا كبيرا هناك،وكان تخطيطى أن أستمر هناك بعد المكانة التى وصلت لها خارجيا، خاصة أنه صعب جدا أن يحقق قائد أوركسترا مصرى هذه المكانة فى أوروبا.

لمة العيلة

- بعد هذه المكانة العالمية التى وصلت لها، كيف اتخذت قرار العودة لمصر؟
فى ذلك الوقت عرض علىّ إدارة أوركسترا أوبرا القاهرة، فترددت فى البداية، لكنى قررت الحصول على أجازة لمدة عام وخوض التجربة، وبالفعل عدت لمصر عام ٢٠٠٢، بعد غياب ١٨ عاما، وبدأت عملى بقيادة أوبرا عايدة،وشعرت بالسعادة فى مصر ،،وجذبتنى لمة العيلة والأصدقاء، وتوالت الأعمال والنجاحات ، إلى أن جاءتنى فرصة قيادة أوركسترا حفل المومياوات ومن بعده الكباش.

- منذ وقت قريب تم تعيينك مشرفا فنيا على البيت الفنى ، فماذا تنوى تقديمه أو تغييره من واقع منصبك؟
من ابريل الماضى أصبحت مشرفا على كل الفرق التابعة للبيت الفنى مثل الاوركسترا السيمفونى واوركسترا الاوبرا والباليه والكورال ، فأقوم بالإشراف على هذه الفرق فنيا وأضع برامج العروض. كما أصبحت أيضا القائد الأساسى لدار الأوبرا المصرية ، بعد أن كنت القائد الأساسى لأوركسترا أوبرا القاهرة فقط.ومن خلال منصبى أنوى الاهتمام بفنون الأوبرا وليس الموسيقى العربية فقط، فلابد من تغيير هذا الفكر ،وتقديم كل الفنون كالأوبرا والأوركسترا .

أنوى أيضا من خلال عملى الاهتمام بجمهور الشباب ، فهم فى حاجة لمخاطبتهم والتفاعل معهم، وقد تحقق حلم من أهم أحلامى حينما قمت بإحياء حفل فى قاعة القبة بجامعة القاهرة بحضور ثلاثة آلاف متفرج من شباب وأساتذة الجامعة .

الاوركسترا العربى

أما حلمى الأكبر فهو إنشاء اوركسترا الاتحاد العربى ، الذى يضم كل الفنانين الاحترافيين من جميع الدول العربية ، فيجمع و يوحد بين الموسيقيين والفنانين والمطربين والمؤلفين بدعم وتعاون من كل الدول العربية،ونبهر العالم بفنانينا الذين لا يعرفهم العالم.

- تفتكر.. ما هو سر نجاح حفل المومياوات؟
يضحك قائلا: تعالى نقول انها «بركة الفراعنة»، علشان نغير مصطلح «لعنة الفراعنة» اللى ظلم أجدادنا.
ثم يواصل: حفل المومياوات، كان تجربة فريدة ورائعة تليق بعظمة الفراعنة ، كما كانت جرأة شديدة أن يتم العمل لايف، لكن كل شئ كان محسوبا بمنتهى الدقة، فقد سبقت هذا العمل استعدادات ضخمة ، وكنت حريصا على الدخول مع المخرج فى كل التفاصيل، وخلال العرض كان التنظيم رائعا، وكنت أتابع حركة السيارات من خلال شاشات خاصة، وهذا التنظيم الدقيق هو سر نجاح العرض.

موقف مفاجئ

- هل حدثت أى مشكلات أثناء العرض ،لم نشعر بها كمتفرجين؟
بصراحة حدث موقف لكننا تعاملنا معه دون أن يشعر أحد، فقد وصلت سيارات الموكب متأخرة لمتحف الحضارة، بمعنى أن الموسيقى سبقت وصول الموكب، وكان الحل السريع هو قيامى بإعادة المقطع الموسيقى الصغير الذى يسبق نهاية العرض ٤ مرات حتى وصلت السيارات.

- هل كان لنجاح هذا الحفل دور فى تغيير ذوق الجمهور؟
يبتسم بحماس قائلا: أعتقد هذا ، فأنا توقعت نجاح الحفل ، لكن ردود الفعل الرائعة من كل الفئات سواء مثقفين أم بسطاء ، فاقت توقعاتى لدرجة أننى سمعت أن بعض سائقى الميكروباص كانوا يستمعون لموسيقى المومياوات بدلا من الأغانى الشعبية وأغانى المهرجانات التى اعتادوا عليها.

- بمناسبة أغانى المهرجانات ، ما رأيك فى انتشار هذه الظاهرة؟
مصر بلد كبير ، ولابد أن يكون به كل أنواع الفنون ، فكل فن له جمهوره ، لكن المشكلة هى مشكلة الإعلام الذى يسلط الضوء على هذا اللون على حساب الفن الحقيقى، وأقوى دليل على ذلك أن الإعلام مثلا لم يهتم بإعادة إذاعة حفلات المومياوات والكباش ، بينما تحاصرنا أغانى المهرجانات فى كل مكان، وكنت أتمنى وأتوقع أن يتم عرض هذا الحفل فى أكثر من مناسبة، بعد نجاحه الكبير ،ففى أوروبا حينما ينجح عمل موسيقى يتم تنظيم عدة حفلات له ويعرض باستمرار.

طاقات الشباب

- لو طلبت منك روشتة قصيرة للارتقاء بالشباب ثقافيا وفنيا؟
ترتسم على وجهه ملامح الجدية، ويجيب بسرعة : أول خطوة من المدرسة، فلابد من الاهتمام بوجود الفن والرياضة فى المدارس، حتى نشغل الشباب ونستغل طاقاتهم ، ففى الخارج لديهم برامج لإعداد وتدريب الشباب فى المجال الفنى ، وكل فنان كبير يعمل على خشبة المسرح سواء كان مخرجا أو مايسترو أو مصمم إضاءة أو حركة، أو تسويق، وحتى بيع التذاكر، والدعاية، معه ثلاثة من الشباب ، يلازمونه ، طوال فترة العمل فى كل خطوة ، بهدف التعلم واكتساب الخبرات، وبالتالى يحدث تواصل أجيال، وخلال استضافتى لقيادة اوركسترا فى حدث عالمى، يكون تعليم وتدريب الشباب هو جزء من عملى ، وأنا شخصيا كنت أستعين بهم لقيادة بعض البروفات.. وفى الصين أيضا يستعينوا بالشباب فى تنظيم العروض الفنية والرياضية الكبرى ، وفى عرض الكباش خضنا هذه التجربة واستعنا بشباب الأقصر فى العرض وتفاعل معنا الشباب واستمتعوا كثيرا ، وساهمت هذه التجربة فى الارتقاء بوعيهم ، فالفنون ليست ترفيها بل هى من أدوات بناء شخصية الإنسان، وأنا أتمنى أن نستثمر فى بناء الإنسان منذ الصغر للارتقاء بالأجيال القادمة ثقافيا وفنيا.

تجربة رائدة فى 57357

- هل من الممكن علاج الإنسان بالموسيقى؟
العلاج بالفن والموسيقى، هو علم له أصول، يتم الاهتمام به فى الخارج،من خلال دراسات وورش عمل لإعداد كوادر متخصصة يتم تدريبها على كيفية التعامل مع الطفل المريض، فمشاعر الإنسان تتأثر بنوعية الموسيقى التى يسمعها، فأنا شخصيا لا أستمع إلى أغان بها شجن وحزن فى بداية اليوم ،لأنها تشعرنى بالحزن، وفى المقابل نجد الموسيقى المرحة تنقل لنا مشاعر البهجة والسعادة، والموسيقى الهادئة نشعر معها بالاسترخاء ، وهى نتائج ثبتت علميا، وثبت أيضا دور الموسيقى والفنون فى دعم استجابة المرضى للعلاج ،والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم واكتشافها وتعديلها .
وقد تبنى مستشفى ٥٧٣٥٧ هذه النتائج، وطبق تجربة رائعة رائدة بإنشاء ورشة فنية فى المستشفى ، لمساعدة الأطفال ودعمهم فى محنتهم المرضية، وقد زرت هذه الورشة وقضيت بها يوما ، وهى مكان جميل مريح تم تصميمه ببساطة ورقى وجمال، يمارس فيها الأطفال المرضى الرسم والموسيقى والغناء والتلوين ،بمساعدة فنانين ومتطوعين ، فتساعد الطفل فى اخراج مشاعره ،وتساهم فى إسعاده ونسيان آلامه، وتنقل له مشاعر البهجة، وهو ما ينعكس على استجابته للعلاج.

- ما هى مميزات المايسترو الناجح؟
الإحساس عند قيادة الأوركسترا، وقدرته على إخراج الصوت الصح من الأوركسترا.

الفن حياتى

 حققت إنجازات كبيرة، فما هى الأحلام التى لم تحققها حتى الآن ؟
بالفعل حققت أحلاما وإنجازات كثيرة والحمد لله، أهمها أننى اقتربت من الجمهور أكتر ، وساهمت فى تكوين قاعدة جماهيرية للفن الأكاديمى ، ولكنى لازلت أتمنى أن نصبح فنيا مثل أوروبا ، ويصبح الفن الأكاديمى والعالمى جزءا من موسيقانا مثل باقى الموسيقى ، فمصر بلد كبير، يجب أن تكون بها كل ألوان الفنون العالمية.

- والحلم الشخصى ؟
يبتسم قائلا: أحلامى الفنية هى الشخصية، فالفن بالنسبة لى ليس مجرد مهنة بل هو كل حياتى.الموسيقى ليست عملا او احترافا مهنيا فقط بالنسبة لى حياتى فحلمى المهنى هو الشخصى ،فلا أفرق بين الشخصى والمهنى.

 وماذا عن حلم تكوين الأسرة ؟
أنا اعتدت على حياتى ولا أشعر أن شيئا ينقصنى، وعندى قناعة كبيرة وراض بأى شئ ، وبصراحة أكثر ما يهمنى أن عيلتى القريبة منى ، والدتى وأختى وأخويا يكونوا بخير بجانبى لأنهم أكبر سند لى فى الحياة وهناك ضريبة للنجاح والشهرة يدفعها عادة معظم الفنانين فى كل العالم وليس مصر فقط ، وهى عدم وجود بيت وأطفال وأسرة ولا أعرف السبب،يمكن كثرة العمل و السفر و التنقل من بلد لآخر ، يأتى على حساب العيلة والأسرة ، من ناحية ، ويمكن أن يعطل الإبداع وأنا والحمد لله اعتدت حياتى بهذه الصورة ، وراض وسعيد بها.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة