محمد كمال
الأفلام التسجيلية تخطف الأنظار فى دورة الجونة الهادئة
الخميس، 21 ديسمبر 2023 - 01:17 م
ماذا لو أقيم مهرجان “فينسيا” أو كان في فصل الشتاء؟.. هل سيفقد أي منهما جزء ولو بسيط من بريقه؟.. سؤالان تم طرحهما من قبل، لكن لم تدرك الإجابة سوى مع التجربة في مهرجان “الجونة” المدينة التي تبدو أقرب لمدينة “فينسيا” من حيث الرواج السياحي الكبير في فصل الصيف، عكس الشتاء، جزء قد لا يكون هو الأهم لمهرجان “فينسيا” وإقامته في توقيت الصيف الذي يمثل الذروة، بالفعل أجواء المدينة نفسها تسهم في إضافة روح لأي فعالية ثقافية، خاصة إذا كانت سينمائية، وبرغم أن من الناحية الفنية لم يتأثر برنامج وجداول العروض في مهرجان “الجونة”، بالتأجيل واختلاف المواعيد فقد زادت الأفلام من 80 إلى 90 فيلما، إلا أن الدورة نفسها تفتقد للأجواء المعتادة الخاصة بتلك المدينة الصيفية، لهذا فقد خرجت الدورة السادسة - بعيدا عن الناحية الفنية – بشكل هادئ جدا وصولا لليوم “الخميس” الذي سيشهد في المساء حفل ختام الدورة التي أقيمت في الفترة من 14 إلى 21 ديسمبر الحالي.
في كل أرجاء مدينة الجونة تواجدت لافتات كتب عليها “في الثانية ظهرا حينما تستمع إلى دقات الجرس، دع ما في يديك وانضم إلينا لنقف 30 ثانية صامتة”.. وهي دعوة يقدمها المهرجان من أجل الإحاطة بكل ما يدور من كوارث إنسانية، من أجل التضامن، حيث تنطلق الأجراس في الثانية ظهرا، وقتها يتوقف الجميع عما يفعلونه، من أجل الوقوف في صمت لمدة 30 ثانية، بالإضافة إلى وجود تضامن خاص مع معاناة الشعب الفلسطيني نتيجة الحرب في غزة من خلال وجود برنامج لتكريم السينما الفلسطينية ضم 10 أفلام يأتي أفضلهم من حيث المستوى الفيلم التسجيلي “وداعا طبرية”، وهو إنتاج 2023، للمخرج لينا سوالم، أما أكثر الأفلام التي شهدت حضورا جماهيريا كان “الأستاذ”، وهو فيلم روائي طويل للمخرجة فرح النابلسي، بالإضافة إلى عقد ندوة بعنوان “السينما في الأزمات: نظرة علي فلسطين” بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني، استضافت الندوة المخرج خليل المزين والممثل أحمد المنيراوي والمخرج رشيد مشهراوي والمخرجة فرح نابلسي بإدارة المخرج محمد المغني.
ضم مهرجان الجونة في هذا العام 3 مسابقات رسمية يمكن القول أن مسابقة الأفلام التسجيلية هي التي خطفت الأنظار، ومن ناحية المستوى تعد الأفضل، وفي الغالب ستقف لجنة التحكيم حائرة لاختيار الجائزة الذهبية في المسابقة التي تنافس خلالها 10 أفلام، من بينهم 5 تحف سينمائية، الأولى - والتي تعد بالفعل مفاجأة المهرجان - فيلم “بوابة هوليوود”، وهو إنتاج ألماني أمريكي مشترك للمخرج ذو الأصول المصرية إبراهيم نشأت، والفيلم تجربة متفردة في فكرته وتنفيذه الذي كان يمكن أن يتعرض المخرج خلال التصوير للقتل في أي وقت، ويسرد المخرج خلال الفيلم رحلته إلى أفغانستان في اليوم التالي لإنسحاب القوات الأمريكية، وعقد المخرج لاتفاق مع قائد القوات الجوية الأفغانية الجديد بالموافقة على تصوير الفيلم، لكن دون إظهار الواقع الأفغاني تحت سيطرة “طالبان”، ويرتكز الفيلم الذي حمل بعض اللمحات الكوميدية على حركة “طالبان” بعد السيطرة على مجمع عسكري أمريكي عملاق يسمى “بوابة هوليوود” في العاصمة “كابول”.
التحفة التسجيلية الثانية كانت الفيلم الإيراني الهوية، لكن من جهة الإنتاج، فهو ألماني فرنسي “سبعة أشتية في طهران”، للمخرجة الألمانية شتيفي نيدرزول، وهذا الفيلم شهد العرض الثاني له حضورا كثيفا جدا بسبب الصدى الكبير الذي حققه العرض الأول، حيث يرتكز الفيلم على قضية ريحانا جباري التي قتلت شخصا حاول اغتصابها وحكم عليها القضاء الإيراني بالإعدام، واعتمدت المخرجة في الفيلم بجانب اللقاءات مع أسرة ريحانا على الرسائل السرية التي كتبتها ريحانا من السجن واستخدام تعليق صوتي لسردها، ويعد الفيلم من أكثر الأفلام التي أثرت في المشاهدين، أما التحفة الثالثة فهو الفيلم الفرنسي “على قارب أدامان” للمخرج نيكولا فيليير، والفيلم الحاصل على “الدب الذهبي” من مهرجان “برلين”، والذي يحكي عن دار لرعاية العجائز يطل على نهر السين في باريس وتقدم الدار الرعاية الصحية وأيضا الثقافية المتعلقة بالفنون حتى لا يفقدوا تواصلهم مع الحاضر.
الفيلم الرابع هو المكسيكي “إيكو” للمخرجة تاتيانا هويزو، والتي تتتبع حياة 3 أجيال للأطفال في القرى المكسيكية الفقيرة ومحاولات الأطفال التكييف مع الطبيعة القاسية وتربية الحيوانات والتعامل مع مفهوم الموت والمرض وأيضا الصمت أمام أي محاولة للتغيير من جانب أي فرد منهم، الفيلم الخامس هو “عدم الانحياز: مشاهد من بكرات لابودوفيتش” للمخرجة ميلا توراجليتش، الذي فيه تعرض صور أرشيفية من مذكرات المصور الصربي الشهير ستيفان لابودوفيتش الذي قام بتصوير الثورة الجزائرية وكان له حلم سياسي في بلده يوغوسلافيا وقتها.
أما على مستوى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فقد كان أكثر الأفلام التي شهدت حضورا كبيرا، المصري “آل شنب” للمخرجة آيتن أمين، الذي شارك في بطولته ليلى علوي ولبلبة وأسماء جلال وهيدي كريم، وحضرت بطلات الفيلم وهن يرتدين اللون الأسود تضامنا مع الأحداث في غزة، وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي حول حدوث حالة وفاة مفاجئة لأحد أفراد عائلة “آل شنب”، ويضطر أفراد العائلة للذهاب إلى الإسكندرية للمشاركة في إجراءات الجنازة والعزاء، وخلال الأيام الثلاثة للحداد في تجمع عائلي كبير ضم الأربعة شقيقات، وأبنائهن وأحفادهن، وأيضا الفيلم الفرنسي “تشريح سقوط” الحاصل على جائزة “السعفة الذهبية” من مهرجان “كان” للمخرج جوستين تريييه، وأيضا الفيلم الفرنسي الآخر “دوجمان” للمخرج لوك بيسون، أما أفضل الأفلام في هذه المسابقة من حيث المستوى فهو السويدي “تنويم مغناطيسي” إخراج أرنست دي جير، الذي يحكي عن أندريا وفيرا وتأسيسهما لتطبيق يختص بالصحة النسائية ودخولهما في مسابقة لتسويق هذا التطبيق، وتأثير هذا على علاقتهما.
وعلى مستوى الفعاليات، فقد كانت ندوة المخرج مروان حامد المكرم من المهرجان أكثر الندوات تأثيرا وحضورا وتفاعلا والتي أدارها المنتج علاء كركوتي، وتحدث مروان فيها عن فترة دراسته بأكاديمية السينما، والتي استفاد منها بشكل كبير، وقال بأن السينما تتغير دائما على المستوى التقني وهذا ينعكس على طريقة السرد، لذلك فمرحلة الدراسة بالنسبة له لا تنتهي، كما تحدث عن والده السيناريست الراحل وحيد حامد وقال بأنه صاحب تجربة حياتية كبيرة منذ جاء من القرية إلى المدينة، وفترة تجنيده أثناء حرب 1967، فقد مر بتجارب قوية وثرية شكلت مصدر إلهام له في كتاباته، وأنه لا يزال في مرحلة اكتشاف لهذا الثراء، بالإضافة إلى التطرق بالحديث إلى أعماله السينمائية بداية من مشروع تخرجه القصير “لي لي” مرورا بأفلام “عمارة يعقوبيان، إبراهيم الأبيض، الفيل الأزرق بجزئيه”.
كما أقيم لقاء حواري مع الممثلة الكبيرة يسرا، وأدارته مديرة المهرجان المنتجة والمخرجة ماريان خوري، والتي تحدثت خلاله يسرا بأن حلمها في أن تكون ممثلة مثل سعاد حسني، وأنها كانت محظوظة بالعمل مع كبار النجوم مثل يوسف شاهين ووحيد حامد وعادل إمام، وبدأ الحوار بإلقاء الضوء على القضية الفلسطينية والأحداث المؤلمة التي تجري في المنطقة، وأكدت يسرا أن المهرجان هذا العام استثنائي بسبب الظروف التي تمر بها غزة، وهي قضية لا تنسى مهما مر الوقت، وعبرت عن سعادتها ببرنامج “نافذة على فلسطين”، وقالت بأنها انبهرت بفيلم “باب الشمس” للمخرج يسري نصر الله الذي شاهدته لأول مرة، وكذلك فيلم “الأستاذ” للمخرج فرح نابلسي والحاصل على العديد من الجوائز.
وكانت أول الجوائز الموازية الغير رسمية في مهرجان “الجونة” من نصيب المخرج السوداني محمد كردفاني، صاحب التحفة السودانية هذا العام “وداعا جوليا”، وحصل على جائزة مجلة “فاريتي” تحت مسمى أفضل موهبة عربية في الشرق الأوسط، كما أقيم خلال الدورة السادسة للمرة الأولى سوق الجونة السينمائي، وتعد هذه المرة هي الأولى من نوعها التي يتم تدشين سوق سينمائي داخل مهرجان مصري، كما يحدث في المهرجانات العالمية الكبرى، وهو عبارة عن مكان مخصص لشركات الإنتاج والتوزيع وكل من له علاقة بصناعة السينما.
كما أطلق مهرجان الجونة للمرة الأولى أيضا صندوقا تأسيسيا لتمويل مشاريع أفلام الشباب بالشراكة مع مدينة “O West” بقيمة 8 مليون جنيه، لتوفير الدعم المالي اللازم لصناع الأفلام المصرية والعربية، للبدء في تطوير أفكار مشاريع أفلامهم، بالإضافة إلى رعاية O West”” لمنصة الجونة السينمائية، ويسعى الصندوق إلى اكتشاف المواهب السينمائية الجديدة التي ابتكرت قصصاً أصلية، من خلال تأمين مرحلة التمويل الأولية، ليتمكن بعدها صناع الأفلام والمنتجين، من التواصل مع المؤسسات والمنتجين وبرامج التمويل والمنح، للحصول على تمويل إضافي، وأشارت ماريان خوري المدير الفني للمهرجان، إلى أن الصندوق يدعم مشاريع 10 أفلام، حيث تخصص المرحلة الأولى لتطوير الأفلام الروائية الطويلة والوثائقية الطويلة والأفلام القصيرة، حيث تبرز الحاجة الملحة لإنتاج المحتوى الأصلي، واستيعاب الطلب عليه من قبل كل الجهات البارزة في صناعة السينما ، ومن المقرر أن تعقد مرحلتين مختلفتين للصندوق في شهري إبريل وسبتمبر.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة