جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

من بورسعيد ٥٦ إلى فلسطين الصامدة تاريخ من سقوط القوى الكبرى

جلال عارف

الجمعة، 22 ديسمبر 2023 - 08:22 م

اليوم نتذكر واحدا من أعز انتصاراتنا فى عام عزيز على قلوبنا وهو عام ١٩٥٦ الذى استعدنا فيه القناة وطردنا فيه الاحتلال، وخضنا فيه معركة الحرية ضد العدوان الثلاثى على أرض بورسعيد الباسلة التى انتهت بخروج ذليل لآخر جنود العدوان متسترين بالظلام..

ليشرق صباح ٢٣ ديسمبر وبورسعيد تزف النصر العظيم لشعوب العالم كله، وليكون هذا اليوم فاصلا بين عهود طويلة من القهر الاستعمارى وبين عالم جديد تصنعه إرادة الشعوب التى انفتح أمامها طريق الحرية والاستقلال مع انتصار مصر على جيوش الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية ومعهما الذيل الأجير «إسرائيل» فى حرب كانت فاصلة فى تاريخ العالم كله.

انتصرت مصر فى هذه الحرب منذ اليوم الأول حين رفض عبدالناصر الانحناء أمام اثنتين من القوى العظمى يومها، وحين انكشفت خدعة استخدام إسرائيل كمبرر للعودة لاحتلال مصر واستعادة قناة السويس التى كان تأميمها ضربة تؤذن بنهاية عهود من النهب الاستعمارى لثروات الشعوب. انتصرت مصر بعد أن وقفت معها كل الأمة العربية وكل شعوب العالم وبعد أن صمدت بورسعيد الباسلة صمودا أسطوريا أمام طائرات  وأساطيل بريطانيا وفرنسا لتعطل الغزو بكفاح اسطورى سقط فيه آلاف الشهداء لتبقى راية مصر خفاقة فى سماء الحرية والاستقلال.

ولاشك أن موقف الاتحاد السوفيتى يومها كان حاسما فى تأييد مصر، وأن إنذاره بأن صواريخه جاهزة لتدمير لندن وباريس كان رادعا لقوى العدوان، كما أن موقف أمريكا يومها كان رافضا للعدوان الذى تم دون تنسيق معها أو مراعاة لمصالحها.. وهى التى كانت تستعد لوراثة نفوذ الامبراطورتين المتهاويتين «فرنسا وانجلترا»، فى المنطقة. عوامل كثيرة ساعدت على تحقيق النصر لكن الأساس كان صمود مصر وتضحيات شعبها وموقف قيادتها التى حددته منذ اللحظة الأولى مع صيحة عبدالناصر: سنقاتل.. ولن نسلم أبدا.

ما أبعد الزمن، وما أقرب المسافات..

تأتى ذكرى النصر العظيم.. وعدوان همجى آخر يضرب كل أسباب الحياة فى فلسطين، ويذهب ضحيته حتى الآن أكثر من ٢٠ ألف شهيد، ويهدد بتفجير المنطقة كلها، ويشكل التهديد الأكبر لأمن مصر. وكالعادة لا تجرؤ إسرائيل على القيام بمثل هذه الجرائم دون سند خارجي. وكما  أصرت فى حرب ٥٦ على أن تعطيها بريطانيا وفرنسا ضمانات مكتوبة كانت بعد ذلك- سببا فى كشف حقيقة المؤامرة على مصر. فإنها لم تقدم على «حرب الإبادة»، التى تشنها على شعب فلسطين إلا بعد أن وضعت أمريكا كل امكاناتها فى خدمة هذا العدوان الهمجي.. وبعد أن وصلت حاملات الطائرات والسفن الأمريكية وانفتحت مخازن السلاح وجاء آلاف الجنود الأمريكيين للمشاركة فى العدوان، وجاء جنرالات أمريكا ليخططوا ويشرفوا على التنفيذ وهو - مع اختلاف التفاصيل- ما أن حدث فى عدوان ٦٧ حيث كان الدعم الأمريكى الكامل هو مفتاح التحرك الإسرائيلي!

كيف انتقلت أمريكا من موقفها المتوازن فى حرب ٥٦ إلى العداء الكامل لكل المبادئ التى كانت تدعى الإيمان بها لتكون الآن شريكة فى حرب إبادة ضد شعب فلسطين الأعزل؟ وهل ترى أن مصالحها ستتحقق بهذا الانحياز الأعمى لإسرائيل وبهذه الكراهية التى تكتسبها فى الشارع العربي؟.. لو أعادت واشنطن  قراءة التاريخ الحديث الذى كانت جزءا منه لادركت أنها تسير فى نفس الطريق الذى سارت فيه بريطانيا وفرنسا حين دبرتا العدوان الثلاثى على مصر، فكانت النتيجة نهاية امبراطوريتين كانتا تحكمان نصف العالم!

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة