صورة موضوعية
صورة موضوعية


«الشائعات».. وقود الحرب القذرة| جماعات الشر تعود لإطلاقها من أجل كسر تلاحم المصريين

آخر ساعة

الأربعاء، 27 ديسمبر 2023 - 08:51 م

■ كتب: هانئ مباشر

مع حالة «الحراك السياسي والشعبي» التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية وتمثلت في الاستحقاق الدستوري الأهم فى مصر وهو الانتخابات الرئاسية التى شارك فيها المصريون بالنسبة الأكبر عبر التاريخ (67%)، وكذلك بدء الدولة فى تطبيق عدد من الإجراءات الحاسمة لحل أزمة ارتفاع الأسعار وانفلات بعض الأسواق، انتشرت شائعات عديدة تستهدف التشويه والتشكيك وهدم الثقة بين الدولة والشعب، بهدف إضعاف الروح المعنوية للمواطنين.

المدقّق فى كمّ وكيف الشائعات التى تطلقها جماعات الشر فى الآونة الحالية، سيجد أن تلك الشائعات سواء ما يتعلق منها بالمشكلات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، تنشط عقب الأحداث السياسية الكبيرة، بغرض تفتيت التلاحم والتماسك المجتمعي، وليس أدل على ذلك من جملة الشائعات المغرضة التى انتشرت فى أعقاب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.

كما طالت الشائعات الحكومة ومحاولة إبراز أدائها بالضعف وعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الأفراد الاقتصادية، خصوصًا استغلال ارتفاع أسعار السلع عقب النجاح المبهر للانتخابات الرئاسية، بغرض كسر التماسك المجتمعي.

من الناحية السياسية، انطلقت الشائعات الرامية للتشكيك فى صحة الموقف المصرى الداعم للقضية الفلسطينية مع انطلاق حرب غزة، ورغم وضوح الهدف من وراء تلك الشائعات، فإن انتشارها زاد وبكثافه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تخضع عادة لرقابة وطيدة، للوقوف على مصادرها ومصادر صناعتها وترويجها.

◄ الأصول!
و«الشائعة» مشتقة من الفعل «شاع»، كأنها شاعت من قبل نفسها، أما الإشاعة فهى مصدر من الفعل «أشاع»، مما يعنى أنه يوجد مصدر وراءها ينشرها.. ويمكن تعريف الإشاعة بأنها: خبر مجهول المصدر، وغير مؤكد ينتشر بشكل متعمد أو بفعل فاعل، على الأقل فى بداياتها ويكون مدركا أنها كذب، أما الشائعة فتنتشر تلقائيًا، ودون أن يدرك ناقلها كذبها.

هكذا يقول الدكتور نبيل السمالوطي، العميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، أستاذ علم الاجتماع، موضحا: رغم الفارق بين الشائعة والإشاعة، فإن كلتيهما خطر على المجتمع والأفراد، وهناك أنواع لا تحصى من تلك الأخبار الكاذبة، منها شائعة الكراهية التى يدفع بها شخص أو جماعة معينة، ومنها شائعة الاتهام أو الهجوم، وفيها يهدف مروجها للحط من مكانة شخص أو كيان أو دولة، وهناك أيضًا الإشاعة الراجعة، بمعنى أنها تظهر ثم لا تلبث أن تختفى ثم تعود مجددًا، أى يتم استخدامها فى مواسم أو ظروف معينة، كذلك لدينا الإشاعة البطيئة وتكون الأقرب غالبا للتصديق، لأنها تنتشر ببطء وحذر وبشكل سرى، وهذا بجانب الإشاعة الاستطلاعية، التى يتم ترويجها لمعرفة رد الفعل المتوقع تجاه الأمر المتعلق بها.

والحل الأمثل لمواجهة الشائعات، هو سرعة التصدي لها وتكذيبها بشكل علمى ومن جهة الاختصاص، أو أى جهة رسمية، وهو ما تفعله الدولة المصرية من خلال المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، بالتصحيح والتوضيح.

◄ اقرأ أيضًا | تحفز حاسة التذوق.. فوائد «عضاضة الفواكه» للأطفال الرضع

◄ د.فتحي الشرقاوي: المكاشفة وسرعة الرد لوقف تمددها

◄ أسلحة فتاكة
فيما يرى الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس، أن الاعتماد على أسلوب الشائعات يعد إحدى وسائل الحروب الباردة، وهى من الأسلحة الفتاكة ولا تقل فى ضراوتها عن الأسلحة العسكرية، لأنها تستهدف النيل من الروح المعنوية للأفراد والجماعات، عبر جماعات الضغط المنظمة التى تستهدف تشويه صورة السلطة السياسية لدى الأفراد، وإظهارها بمظهر المتوانى عن خدمة الأفراد، من ثم التمرد عليها ومناصبتها العداء والكراهية.

وأكثر أنواع الشائعات حدة تلك المرتبطة بالموضوعات الحياتية للأفراد (غذاء، مسكن، مشرب..إلخ)، لأن صانعى ومطلقى الشائعات يعلمون أن أقرب طريق لإثارة الأفراد وتفجير نزعاتهم الانفعالية العنيفة تجاه سلطتهم السياسية، هو تشكيكهم فى الجوانب المتعلقة بظروف حياتهم اليومية، ولذلك ليس غريبًا أن معظم هذه الشائعات يتصل بموضوعات السلع والخدمات بتنوع أشكالها.

ومصممو الشائعات بارعون فى استغلال المواقف على أرض الواقع، لذلك يتحينون فرصة وجود أزمات حقيقية، ثم يقومون بعدها بنسج شائعاتهم المغرضة عليها، حتى يرتفع منسوب مصداقيتها، من ثم ضمان تقبلها لدى المستهدفين بها.

من هنا يقع على عاتق صانعى القرار السياسي، سرعة تفعيل وتنشيط مراكز رصد الشائعات وتتبع سريانها، ومدى تأثيرها فى نفسية الأفراد، ومحاولة تفنيدها ودحضها، خاصة أن انتشار الشائعة يفوق سرعة الصوت والضوء، خاصة فى ظل حالة المعاناة التى قد يعيشها الأفراد نتيجة بعض المشكلات الحياتية العادية، فليس من المجدى مجرد تتبعها والرد عليها فقط، بل يجب الأخذ فى الحسبان عامل السرعة فى التعامل معها.

والرد على الشائعات ودحضها يتطلب ضرورة توافر عنصرين، الأول: أن من يقوم بدحضها يجب أن يكون ذا مصداقية وثقة لدى الأفراد المعرضين لها، حتى يتحقق عنصر الأمان والثقة فى مدى كذب الشائعة، من ثم القضاء عليها فى مهدها. والآخر: أن تكذيب الشائعة لا يعتمد فقط على النواحى العاطفية الانفعالية من جانب القائمين على دحضها وتكذيبها، بل يجب الاعتماد على الحقائق والبيانات والشواهد التى تغاير جملة وتفصيلا محتوى الشائعة، حتى لا يبدو الأمر أن السلطة تستهدف فقط مجرد تقديم تبريرات لتهدئة الرأى العام.

فالمكاشفة والوضوح وسرعة الرد من دوائر صنع القرارات كفيلة بوقف تمدد أى شائعة، لذلك من الأهمية تنشيط وحدات رصد الشائعات فى كل وزارة، خاصة الوزارات الخدمية، ليصبح فى النهاية أمام مجلس الوزراء يوميًا عدد الشائعات المتداولة، من ثم سرعة الرد عليها وإبطالها قبل انتشارها.

◄ شائعات اقتصادية
من جانبه، يقول الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا، أستاذ العلوم السياسية: عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التى شارك فيها المصريون بالنسبة الأكبر عبر التاريخ (67%)، 90% منهم اختاروا الرئيس عبدالفتاح السيسى ليقود البلاد لفترة رئاسية جديدة، بدأت الجهات المعادية لمصر فى نشر أكاذيبهم التى اعتادوا عليها منذ 2013 عبر نشر شائعات مغلوطة عن الوضع الاقتصادى المصرى على منصات التواصل الاجتماعى، مستغلين الأزمة الاقتصادية العالمية التى تواجه كل العالم بلا استثناء.

فرغم المزايا التى توفرها منصات التواصل الاجتماعى لمستخدميها، فإنها أصبحت من أكثر الأدوات إسهاما فى نشر الشائعات، إذ يتم تناقل الشائعة من خلالها بسرعة فائقة فتكتسح المواقع والصفحات، ما يجعل الكثيرين يسلمون بصحتها، ولا يميل الكثير من مستخدمى شبكات التواصل، خاصة الشباب، إلى بذل الجهد اللازم للتأكد من مدى صحة الشائعة المتداولة، خصوصًا فى حالة ما إذا كانت شائعة تتعلق بشئون حياتهم أو كانت الشائعة تتوافق مع أهوائهم وقناعاتهم وانطباعاتهم الشخصية عن الأمر المتداول، فالشائعة غالبًا يكون مصدرها أناسا يفتقرون لأساليب الصدق أو أصحاب أجندات خاصة، وينقلها أناس يتكاسلون فى البحث عن الحقيقة أو لديهم الاستعداد لتصديقها.

ويتابع: لا شك عندى فى أن أغلب المواطنين على درجة كبيرة من الوعى لا تجعلهم فريسة سهلة للشائعات المغرضة، وليس أدلّ على هذا الوعى من إدراكهم خطورة المرحلة وتجاهلهم الدعوات التى أطلقها المغرضون بعدم المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، فكان ردهم حاسمًا وقويًا فى المشاركة بكثافة وفاعلية، وأثق بأن المصريين تسودهم حالة من التفاؤل بحل جميع المشكلات الاقتصادية قريبًا بسبب السياسات التى رسمتها الحكومة للتعامل مع المشكلات العارضة كالتضخم وارتفاع سعر الدولار، وأن هناك اهتماما حقيقيا بتوفير فرص العمل ورفع جودة حياة المواطن. أما القلة التى تقع فريسة للمتربصين فأدعوهم ألاَّ ينساقوا وراء الشائعات المحبطة من جهات لا تريد ببلدنا خيرا.

◄ المفتي: مروجها لا يقل إثما عن صانعها

◄ فساد الغاية والوسيلة
فيما يؤكد الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، أن مواجهة الشائعات تعد من أهم وأخطر القضايا التى تفرضها علينا مستجدات الواقع، ومجريات الأحداث، وما يدور حولنا من أحداث جسام متتالية.. وديننا الحنيف وضع منهجا واضحا دقيقا لتكوين العقلية الصحيحة الواعية التى لا تتقبَّل كل ما يُلقى إليها ويشاع على ألسنة المغرضين، فقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» (الحجرات: 6).

وبناء على هذا المبدأ استخلص علماء السنة الكرام معايير قبول الأخبار والتثبت منها إذا استوفت شروط الصحة، أو ردها وعدم البناء عليها إن كانت بضد ذلك، ويعد ما أنتجوه فى هذا الصدد طفرة علمية كبيرة شهد بفضلها على البشرية كبار علماء الغرب من المستشرقين وغيرهم..

إن مبدأ التثبت فى الآية الكريمة الذى بنى عليه هذا المنهج الشريف هو التبين من مصدر الخبر أولًا؛ يعنى مدى صدق راويه أو مروِّجه، وثانيا التبين من غايته ومقصده إصلاحا كان أو إفسادا؛ فالخبر الكاذب مرفوض وإن كانت غايته ومقصده فى زعم من يروجه غاية صحيحة ومقصدا نبيلا، فإن نبل الغاية لا يبرر فساد الوسيلة، فما بالنا وقد اجتمعت لدى هذه الجماعات المتطرفة الإرهابية خستان؛ فساد الغاية وفساد الوسيلة؟

والرسول (ص) حذرنا من قبول وترويج كل ما يلقى إلينا ويقال لنا، روى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع«. وهذا الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على أن المتساهل فى تلقى الأخبار والشائعات أيا كانت، وأن المجازف بترويجها ونشرها دون تثبت، لا يقل إثما وجرما عن الذى يختلق الشائعات ويروج الأكاذيب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة