أيمن موسى
أيمن موسى


أيمن موسى يكتب: بوتين يؤسس دولة الأخلاق في روسيا

آخر ساعة

الأربعاء، 27 ديسمبر 2023 - 11:35 م

■ بقلم: أيمن موسى

المهمة الأهم التى يتحملها زعيم أية دولة هى العمل للحفاظ على الدولة ورفع قيمتها وصورتها وسط بقية الأمم مع العمل على تعزيز تماسكها الداخلى من خلال تنمية كافة مقوماتها، وعلى رأسها القيم الأساسية. وفى الآونة الأخيرة، دأبت روسيا أو بالأحرى رئيسها فلاديمير بوتين على تلقين الغرب وربما العالم أجمع الدروس الواحد تلو الآخر، بما فى ذلك اختيار موضوعات حديثه وتوقيتاتها والظروف المحيطة بها.

وعلى سبيل المثال عندما أراد الرئيس فلاديمير بوتين الإعلان بشكل مبدئى عن اعتزامه خوض الانتخابات الرئاسية القادمة كان ذلك فى مشهد له الكثير والكثير من المعانى حيث أعلن عن أنه سيعلن الترشح فى الوقت المناسب، وذلك خلال استقباله لوالد أحد العسكريين المشاركين فى الحرب فى أوكرانيا.
وعندما أعلن الترشح، كان ذلك وسط مجموعة من أبطال الدولة ليس فقط فى المجال العسكرى بل ومختلف مجالات العمل والإنتاج والإبداع فيما بدا لى شخصيا بأنه مشهد يريد من خلاله أن يبعث رسالة للغرب بأن روسيا دولة الإبداع والعمل والإنتاج وتسجيل الإنجازات وستواصل ذلك فى المستقبل.

◄ رسالة للغرب
وعندما التقى الرئيس بوتين مع الصحفيين فى منتصف الشهر الجاري رسم فى إطار الإجابة على تساؤلاتهم ملامح سياسة بلاده فى الفترة القادمة حيث كان من الواضح من حديثه أن روسيا تجعل على رأس أولوياتها ليس الانتصارات العسكرية ولا الإنجازات الاقتصادية ولا التفوق على الآخرين وإنما تعزيز أسس الدولة ودعائمها التى تضمن بقاءها الدائم من خلال التمسك بالقيم الأخلاقية التقليدية وعلى رأسها وأهمها قيمة الأسرة التى يحددها الرئيس الروسى على أنها الأسرة التى تقوم عن طريق الزواج بين «رجل وامرأة» وعندما تحدث عن ذلك حتى أنه لم يذكر لفظ ذكر وأنثى وإنما حدد العلاقة بأنها بين رجل وامرأة بشريين لإغلاق الطريق كاملا أمام تسرب الفكر المنحرف الغربى المتمثل فى الحريات المشبوهة والمغالاة فى الانحراف المتمثل فى الشذوذ بكافة أنواعه سواء بين ذكرين او أنثيين أو بين عنصر بشرى وعنصر غير بشرى وما إلى ذلك من شطحات الغرب التى فاقت كافة أوجه الانحراف الأخلاقى والبدع السلوكية على مدار التاريخ.

◄ قوة الشعب
عندما ترفع روسيا لواء القيم الأخلاقية وتجعل منها الشعار والرمز للمرحلة القادمة فهى بذلك تحمى شعبها وتعزز تماسكه، ولِمَ لا وهى تعانى منذ تفكك الاتحاد السوفيتى وشأنها فى ذلك شأن كافة الدول الأوروبية الأخرى من مشكلة خطيرة تعتبر من اخطر المشاكل التى قد  يواجهها أى شعب من شعوب العالم وهى مشكلة التناقص السكانى، فروسيا تعانى من مشكلتين كبيرتين فى هذا المجال ، الأولى هى تناقص عدد المواليد والثانية هى تزايد الشريحة السكانية غير القادرة على العمل والمقصود هنا شريحة كبار السن غير القادرين على الإنتاج، كما تدرك روسيا أن الاعتماد فقط على اجتذاب المهاجرين ليس هو الحل الأمثل وإنما الحل الأمثل هو تشجيع تأسيس الأسر بالشكل التقليدى وهو ما بين رجل وامرأة وإنجاب الأطفال ولكن هذا الحل سوف يتطلب وقتا لذلك فلا غنى عن الاعتماد بشكل مؤقت على اجتذاب المزيد من المهاجرين والمزج بين الحلين مع تعديل القواعد بما يتناسب مع متطلبات الدولة الروسية والحفاظ على قيمها الأساسية ومن هنا وجدنا أن روسيا بدأت فى مراجعة تجربة استقدام المهاجرين وتعديل القوانين بما يعزز من اندماج القادم مع البيئة والمجتمع الروسيين.

◄ فتح أبواب الهجرة
عندما فتح التشريع الروسى الطريق أمام تقبل أعداد من المهاجرين لسد العجز القائم فى السكان ثم فتح الباب أمام اكتساب الجنسية الروسية كان يهدف إلى امتزاج القادمين بالمجتمع الروسى والتشبع بثقافاته وتقاليده الإنسانية وعدم الانغلاق على النفس بما أتى به القادم من ثقافات وتجارب ، ولتحقيق ذلك وفر التشريع الروسى للقادم فرصة ذهبية بتقبل المجتمع والبيئة الجديدة لكل ما هو إيجابى وبناء من موروثات جلبها القادم معه وهو يسعى لاكتساب عضوية المجتمع الروسى لذلك كانت هناك قيمة أساسية لا يسمح التشريع والنظام الروسى بتعديها أياً كانت الأسباب والدوافع وهى قيمة التسامح الدينى وحرية العقيدة، فالقانون الروسى يعطى الفرد الحرية الكاملة فى المعتقد وممارسة الشعائر ويبدى التشدد والغلظة فى مواجهة أى محاولة للاستهزاء بالآخر أو السخرية من معتقدات وشعائر الآخرين.

وقد ألمح الرئيس الروسى فى كلمته فى المؤتمر الصحفى السنوى إلى أن الدولة بصدد تعديل سياساتها فى مجال الهجرة والجنسية وربما ألمس هذا التغيير فى تعديلات أدخلتها روسيا فى سياساتها وتشريعاتها مؤخرا حيث عدلت القانون بما يسمح بحسب الجنسية مجددا من المجنسين فى حالات عددها القانون وعلى رأسها النزعة الإجرامية والاستهزاء والسخرية من رموز الدولة وتاريخها وثقافتها وهو ما يعنى ان الدولة تعطى نفسها الحق عند اكتشاف أن العنصر الوافد هو عنصر غير مفيد لها بل ويمثل خسارة وقيمة سلبية أن تسحب منه الجنسية دون تردد.

وربما ما يدفع القيادة الروسية لتعديل توجهاتها فيما يخص الوافدين هو تجربة الحرب فى أوكرانيا والتى أظهرت ان جانبا وهو جانب غير بسيط من الوافدين ليس لديه الاستعداد للمشاركة فى التضحية، فبعد سنوات طويلة من التمتع بما يقدمه الوطن الجديد من فرص وإنجازات ونواح كثيرة للفخار ومميزات الانتماء لم يكن بعض الوافدين مستعدين لتحمل نصيبهم من الأوقات الصعبة لذلك سارعوا للسفر مرة أخرى والهرب لحين تحسن الأوضاع والتنصل من خدمة الوطن وحمل السلاح فكان لزاما على الدولة الروسية أن تراعى هذه الاعتبارات عند تعديل سياساتها فى مجال الهجرة والجنسية.

◄ عكس طريق الغرب
وقد حرص التشريع الروسي على إلزام الوافد بعدد من المتطلبات الأساسية قبل الحصول على الجنسية وهى معــرفة لأسـاسـيات اللغـة والقانون والتــاريـخ الروســـى وذلك حـــتى يضمن سهولة الامـتزاج فى المجتمع الذي يفترض قبل حصوله على الجنسية أن يكون قد عاش وسطه مدة لا تقل عن خمسة أعوام.

وحتى لا يكون هناك أى جدل فيما يخص القيم الأخلاقية التقليدية الأساسية التى تمثل عماد المجتمع فقد حرص القانون الروسى على النص عليها صراحة واعتبار أن كل ما يخالفها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون وهذه القيم هى: 

- حصانة حرية وحقوق وكرامة وحياة الفرد.

- الوطنية والمواطنة وخدمة الوطن والمسئولية إزاء مصيره.

- القيمة الروحية تعلو القيمة المادية، مع إعطاء الأولوية للقيمة الإنسانية والرحمة والعدالة.

- الروح الجماعية والمساعدة والاحترام المتبادلان.

- الذاكرة التاريخية واستمرارية الأجيال وكذلك وحدة الشعوب الروسية.

وقد ربط التشريع الروسى بين صيانة هذه القيم وبين صيانة سيادة الدولة وجعلها جزءاً لا يتجزأ من سيادة الدولة لذلك فقد حرص أيضا على النص على القيم الغريبة التى يتعين على سلطات الدولة والمجتمع مقاومتها وجرم كل من يحاول الترويج لها وهى:

- تبنى قيم الأنانية والفجور والإباحية والترويج لها.

- إنكار قيم الوطنية وخدمة الوطن.

- إنكار الاستمرارية الطبيعية للحياة وقيم الأسرة ومتانتها وقيمة الزواج وتعددية الإنجاب والعمل الإبداعى.

- إنكار مساهمة روسيا الإيجابية فى تاريخ العالم وثقافته.

- تدمير الأسرة التقليدية من خلال تعزيز العلاقات الجنسية غير التقليدية.

وبإمعان النظر فى هذه القيم سنجد أنها ذات القيم التى يحاول الغرب هدمها والترويج للقيم الهدامة التى تكاد تطيح بالدول الغربية ذاتها وتؤدى إلى إضعافها وزوالها وفى نفى الوقت يسعى العالم الغربى للترويج لها فى مختلف الدول بهدف هدم أركانها واستغلال شعوبها ومقدراتها.

فالغرب وربما دون وعى فى إطار الترويج لقيم التحرر المزيفة لإغواء شعوب العالم الثالث وقع هو نفسه فى فخ هذه المخططات الشيطانية حيث اخذت القوى السياسية المختلفة فى سعيها للوصول للسلطة فى التنافس مع بعضها البعض والعمل على استمالة الشرائح المختلفة للناخبين عن طريق إشباع الرغبات والأطماع لذلك نجدهم يروجون لمختلف أنواع الشذوذ والانحراف الفكرى والجنسى ونسوا فى غضون ذلك أنه لا سبيل للاستمرارية إلا من خلال الإنجاب الطبيعى الذى لن يتحقق بالشكل الذى يحفظ للأمم والشعوب بقائها إلا بالتمسك بالقيم الإنسانية التى خلق الله الإنسان بفطرة طبيعية عليها.

والكثير من الدراسات تؤكد أن الشعوب الغربية تشعر بحالة صعبة ومرضية من الاغتراب فبينما النخبة الحاكمة والمثقفة تروج وسطهم لقيم التسامح والسلام والمحبة نجد أن هذه النخب فى نفس الوقت تعزز وتدعم قوى العنف والتطرف ونهب مقدرات الآخرين وكأن خطاب الداخل شىء واستباحة الآخرين فى الخارج شىء آخر، حيث بدا ذلك واضحا جدا من الموقف لما يحدث فى غزة وتسابق دول الغرب وعلى رأسهما الولايات المتحدة فى دعم ومساندة جرائم الحرب والأهوال التى تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

الحقيقة ان القيم ليست مجرد مبادئ تعلنها القوى السياسية فى إطار التنافس الانتخابى أو وسيلة للتقرب إلى الشعب بل هى مبادئ يجب أن تجد صدى حقيقياً وملموساً فى السياسات المتبعة خاصة من قبل قيادة تدرك خطورة وأهمية نشر هذه المبادئ وسط الشعب وحتى تنجح فى ذلك عليها أن تستعين فى ذلك بمختلف مؤسسات وأدوات الوطن وعلى رأسها وسائل الإعلام والصحافة والثقافة فعمل فنى واحد يتضمن قيمة أخلاقية ووطنية عالية قد يؤثر فى جموع الشعب بشكل أكبر بكثير من ألف خطاب سياسى.

◄ الصورة الجديدة
نشر القيم الإنسانية والتأكيد عليها وسط المجتمع ووفقا مثلا للتجربة الروسية يتطلب الاهتمام بالإعلام والفنون والتعليم والثقافة للخروج بأجيال تعرف قيمة الوطن وتدرك أن تمسكها بالقيم الأخلاقية التقليدية يعنى بقاء هذا الوطن ورفعة شأنه.

وأخير نعود مرة أخرى لمشهد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترشحه لفترة رئاسية جديدة حيث كان ذلك وسط حشد من أبطال الدولة ورموزها ليس فقط فى مجال الذود عن كرامة الوطن فى ساحة القتال بل وكذلك فى مختلف ساحات الإنتاج والبحث العلمى وميادين العمل التى لا تقل أهمية مطلقا عن ميدان المعارك العسكرية وليس أدل على ذلك من إعفاء السلطات الروسية لشرائح معينة من المتخصصين من التجنيد العسكرى والمشاركة فى الحرب إدراكا منها بأن العمل والإبداع فى هذه التخصصات والمجالات لا يقل بالنسبة للوطن أهمية عن المشاركة فى الحرب.

ستدخل روسيا العام الجديد فى صورة ذهنية لدى العالم اجمع بأنها تحمل لواء القيم الأخلاقية والإنسانية لذلك فسوف تعمل على تنظيم فعاليات وتحركات على مختلف الأصعدة لحشد العالم حول هذه القيم فى مواجهة الزيف الغربى وليس أدل على ذلك من دعوتها لقيام النظام العالمى الجديد على أسس من العدالة والتسامح والاحترام المتبادل وهو ما مسعى ينبغى ان نقف جميعا معه ونسير على نفس النهج لإحياء قيمنا والعمل على تعزيزها من خلال المزيد من دعم الإعلام الوطنى الحقيقى ومؤسسات الثقافة والتعليم.

◄ أهم الدعائم:

1 - التسامح والأسرة.. والزواج الطبيعى للرجل والمرأة
2 - البعد عن الانحراف الأخلاقى والسلوكى فى الغرب
3 - صيانة  القيم الروحية والأخلاقية جزء من سيادة الدولة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة