كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

ذكرى ميلاد إحسان عبد القدوس

كرم جبر

الأربعاء، 03 يناير 2024 - 09:02 م

إحسان عبد القدوس الذى تحل ذكرى مولده الآن "1يناير 1919"، كان مولعا باكتشاف القيادات الصحفية القادرة على ضخ المواهب الجديدة وإفساح الطريق لها.. وخير دليل على ذلك اكتشافه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين.

كان بهاء يعمل فى إحدى الإدارات القانونية، وذات يوم ترك مقالاً فى استعلامات «روزاليوسف» وانصرف، ولم يكن يعرف إحسان أو أى صحفى آخر فى المجلة.

فوجئ بالمقال فى الأسبوع التالى على غلاف المجلة، ولما ذهب ليترك مقالاً آخر، أمسك به عامل الاستعلامات، ولم يتركه إلا فى مكتب إحسان، وصار بعد ذلك واحدًا من أعظم الكتاب فى مصر.

دروس ودروس ودروس، يجب أن تتعلمها الأجيال، فالقلم رسالة وأمانة وأداة تنوير، وليس سلاحا حادا يتم رشقه فى الأجساد والسمعة والشرف، دون وازع من ضمير، القلم صرخة لإيقاظ الضمائر واحترام المشاعر.

دروس فى النقد السياسى الذى يحقق الهدف، دون أن يجرح أو يدمى، ومن يقرأ مقالات إحسان وهو يشرّح الواقع السياسى المصرى، يتأكد أنه لا يزال ينعش الذاكرة بقوة النقد وجمال اللغة وروعة المعانى.

دروس تجيب عن السؤال المهم: لماذا أطلقوا على الصحافة لقب «صاحبة الجلالة».. فقد كانت بالفعل أميرة متوجة يحرسها صحفيون بدرجة أمراء ونبلاء، ومن يلتحق بها ينال الفخر والكبرياء.

وإحسان الذى تحل ذكرى مولده كان واحة لتدفق الأفكار.

ويقول عنه رجاء النقاش: من التابعى تعلم إحسان أسلوب الكتابة، والتابعى هو عميد الأسلوب الصحفى المعاصر بلا منافس، إنه ساحر الكلمة ومعلم الأجيال.
وتعلم من محمود عزمى نظرته التقدمية لمشاكل الحياة والمجتمع والإنسان، حيث كان عزمى من أعظم دعاة التجديد والتقدم، ووصل به الأمر إلى حد الدعوة إلى لبس «القبعة» بدلاً من «العمامة».

ومن العقاد تعلم إحسان جرأة الكاتب وفروسية صاحب القلم، والاشتباك العنيف مع الأفكار الخاطئة، التى ينبغى هدمها وإفساح الطريق أمام عالم جديد.
وينحدر والد إحسان من أسرة مصرية عريقة، جده هو سليمان زيدان من عرب الصالحية، واشترك فى الثورة العرابية وسجن وهرب وغير اسمه إلى رضوان.

ومحمد عبد القدوس والد إحسان، كان عاشقًا للفن وترك الهندسة وعمل مع نجيب الريحانى وسليمان نجيب وعزيز عيد، ولعب دورًا فى فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبد الوهاب.

أما والدته فاطمة اليوسف فجمعت بين الفن والأدب والسياسة والصحافة، وأحاطت نفسها بكل ألوان التفوق والإبداع، وكانت صديقة لأعظم الرجال فى عصرها مثل عباس محمود العقاد ومحمد التابعى ومحمود عزمى.

كامل الشناوى كان يقول عنها إنها رجل، وكانت ترد عليه «لا يا كامل لست رجلاً ولا أحب أن أكون، أنا فخورة بأنى سيدة، وعيب صحافتنا كثرة رجالها وقلة سيداتها.. ويوم أرضى عنك.. سأقول إنك سيدة».

إحسان.. مائدة عامرة بالحب والحرية والجرأة والإقدام والشجاعة والمواقف النبيلة والجملة النظيفة والنقد الذى لا تحركه مصالح شخصية ولا دوافع ذاتية.
كان قائدا لكتيبة الوعى والتنوير، التى تحارب التطرف والغلو والظلامية، هو سر «روزاليوسف»، الذى تكتشفه الأجيال وتحافظ عليه، فيستمر التدفق الحى الخلاق فى فكر الأمة ووجدانها.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة