دمار شامل في قطاع غزة بعد مائة يوم من العدوان
دمار شامل في قطاع غزة بعد مائة يوم من العدوان


العدوان الاسرائيلي الأطول والأكثر دموية فشل في تحقيق أهداف الحرب بغزة

أسامة عجاج- الأخبار

الأحد، 14 يناير 2024 - 07:43 م

لعل مرور مائة يوم على العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني فى قطاع غزة تمثل مناسبة مهمة لتقييم هذا العدوان (الأكثر دموية) فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى رغم تعدد مرات الهجوم على القطاع منذ الخروج الطوعى والأحادى الإسرائيلى منه فى زمن شارون وهو (الأطول) من حيث المدة فرغم مرور المائة يوم فكل التوقعات المبنية على تصريحات المسئولين فى إسرائيل، فمن المرجح أن تستمر العمليات الكبرى لأسابيع أو ربما أشهر تليها حملة متواصلة قد تكون أقل كثافة ومع الإبقاء على خيار الاحتلال العسكري الموسع لمساحات كبيرة من القطاع مع مواصلة غاراتها العسكرية حتى لو نفى نتنياهو ذلك كما أن توابعه تقول إن هناك خريطة جديدة يتم تشكيلها فى المنطقة لدرجة أننا يمكن أن نقول إنه عالم ما قبل السابع من أكتوبر الماضى مختلف بشكل جذرى عما بعد توقف المدافع على كافة الأصعدة ونتوقف عند بعض نتائج هذا العدوان الإسرائيلى كالتالي:

أولا: لعل أول ضحايا عملية طوفان الأقصى أنها أسقطت وللأبد مفاهيم وأسس الاستراتيجية الإسرائيلية فى الاعتماد على القوة والمبادرة وهى أعمدة رئيسية فى نظرية الأمن الإسرائيلي ونكتفى هنا بما قاله وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت عندما أشار إلى أن (حجم هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضى هز بعنف إحساس الإسرائيليين بالأمان وغير من نظرتهم إلى العالم) وقد تحقق ذلك بقدرة المقاومة على مفاجأة الجيش الإسرائيلى خاصة مع السرية الشديدة التى أحاطت بالهجوم. فخطة مهاجمة مستوطنات غزة لم تكن معروفة سوى لعدد محدود من نخبة القسام وتدربوا عليها دون أن يعرفوا طبيعة المهمة واجتازوا اختبارات خاصة حددت قدراتهم ومهاراتهم القتالية لدرجة أن بعض قيادات حماس عرفوا بالعملية قبل ساعات منها مع توصية بالتكتم الشديد. المفاجأة تسببت فى هزة حقيقية لدرجة أن الجيش بدأ تحقيقاته فى الفشل الاستخباراتى والأمني والعسكري بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز. المعلومات حول ما حدث تظهر مع مرور الوقت فعلى الجانب الإسرائيلي تم الكشف عن أن قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي عقد جلسة سرية قبل أقل من عام من السابع من أكتوبر الماضى ودعا إلى ضرورة شن هجوم استباقى على حماس. وعلى الصعيد الفلسطينى فقد كشفت بعض التقارير أن هدف المقاومة وخطتها الأساسية كان تنفيذ «هجوم نوعى كبير» وأسر مجموعة من الجنود الإسرائيليين، ولكن حالة الجيش الإسرائيلى المزرية دفعت القوات المهاجمة إلى توسيعه بصورة أكبر وإنجاز أهداف أخري. وقالت تلك التقارير: إن مقاتلى المقاومة فوجئوا بسهولة سقوط خطوط دفاع القوات الإسرائيلية، ما أدى إلى قتل وإصابة وأسر عدد كبير من الجنود فورًا، كما كانت حالة الفوضى التى ظهرت منذ ساعات الصباح الأولى كانت مفاجأة لقادة المقاومة والتى طلبت قيادة من المقاتلين فى المستوطنات إشغال القوات الإسرائيلية قدر الإمكان، مستغلة ذلك للتركيز على عملية جمع المختطفين وإخفائهم وبعد مرور ساعة ونصف الساعة على الهجوم الأوّلي، تقرر استنفار بقية أفراد «وحدات النخبة» فى «القسّام» ووصلت رسائل لهم بالتجمع فى نقاط مختلفة، والانطلاق كقوات إسناد للعناصر الموجودة داخل مستوطنات الغلاف. وفى وقت لاحق، أبلغ منسق الأجنحة العسكرية فى «كتائب القسام» بقية الأجنحة المسلحة للفصائل بإمكانية مشاركتها فى العملية، وحدد لكل فصيل مهام معينة، ثم توسع الهجوم ونجح المئات من المسلحين والمواطنين، بالدخول إلى مستوطنات الغلاف بعد انهيار القوات الإسرائيلية ونجحت «حماس» وفصائل فلسطينية وجماعات وعائلات فى نقل نحو ٢٤٠ مختطفًا إسرائيليًا وغير إسرائيلى (مثل العمال التايلانديين) إلى داخل قطاع غزة. وتبقى منهم الآن نحو ١٣٦ بعد إجراء عمليات تبادل أسرى ومحتجزين فى وقت سابق. كما عثر الجيش الإسرائيلى على جثث بعض المخطوفين ونقلهم إلى داخل إسرائيل خلال العمليات البرية الجارية فى القطاع.

ثانيا : شهدت المائة يوم حجما من الخسائر غير مسبوق لدى الطرفين على الجانب الفلسطينى وحتى أيام سبقت فتشير كل الإحصاءات إلى أن العدوان الإسرائيلى دمر معظم أجزاء القطاع بحصيلة تجاوزت أكثر من ٣٠ ألف فلسطينى من بينهم ٧٠٠٠ طفل و٤٠٠٠ امرأة وترك الآلاف من الأطفال قتلى ومشوهين ويتامى مع استشهاد أكثر من ١١٠ صحفيين و١٣٠ من موظفى وكالة غوث اللاجئين و٢٣٠ من الكوادر الطبية أطباء وممرضين ومسعفين فى ظل تدمير بوتيرة وحجم غير مسبوق بما فى ذلك قنابل بوزن ٢٠٠٠ رطل على مناطق مكتظة بالسكان، كما غادر غزة ٨٥ بالمائة من سكان القطاع البالغ عددهم مليونين و٣٠٠ ألف نسمة وقد حذرت الأمم المتحدة من انهيار كامل للبنية التحتية وانتشار المجاعة والأمراض المعدية والتى قد تودى بحياة أعداد أكبر من الشهداء مقارنة بضحايا الهجمات العسكرية ومن بداية الحرب وحتى نهاية شهر ديسمبر الماضى هناك ٦٥ ألف وحدة سكنية تم تدميرها وأصبحت غير صالحة للسكن ولا الترميم كما تضررت أكثر من ٢٩٠ ألف وحدة وهناك ١٥ مستشفى من أصل ٣٦ يعمل بشكل جزئي، تسعة فى الجنوب وستة فى الشمال. والخلاصة أن سكان القطاع وعددهم ٢ مليون و ٢٠٠ ألف وفقا لدراسة من اليونيسيف فى مواجهة المجاعة الوشيكة. هو ما كشف عنه منسق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة وقال (إن النظام الصحى فى غزة يتعرض لاختناق تدريجى مع استمرار استهداف المستشفيات وهو مهدد بالانهيار مما يعنى مزيدا من الموت للفلسطينيين) وأضاف (أن الحرب يجب أن تنتهي).

أما على الجانب الإسرائيلى فقد اعترف الجيش حتى يوم الجمعة الماضى بمقتل ٢٥١١ جنديًَا وضابطًا منذ السابع من أكتوبر الماضى و١٠٩٩ منذ بداية الهجوم البري. هو أكبر عدد من القتلى الإسرائيليين فى المواجهات السابقة قد يعود الأمر إلى طول مدة القتال أكثر من ثلاثة أشهر، كما أن عنصر المفاجأة كان وراء سقوط عدد كبير من القتلى يوم السابع من أكتوبر الماضى المترافقة مع حالة الاسترخاء الذى كانت عليه القوات الإسرائيلية فى ذلك الوقت صباح يوم السبت مع التكتيكات العسكرية التى اتخذتها المقاومة من حرب العصابات واتباع أسلوب المباغتة ونقل المعركة إلى داخل الأراضى الإسرائيلية ومستوطنات غلاف غزة مما اعتبره أحد الكتاب الإسرائيليين أن ما حدث عار كما أنه الأسوأ فى تاريخ إسرائيل وقال إنه كارثة على إسرائيل كما أن الجيش الإسرائيلى بات أضعف وأقل قوة وقدرة وأقل تجهيزًا بالسلاح والذخيرة رغم الجسر الجوى والبحرى من الحلفاء والداعمين فى واشنطن وباريس ولندن، وقد كشفت العديد من الوقائع عن استعانة الجيش الإسرائيلى بمرتزقة فى المواجهات بعد مقتل عدد من الأوكرانيين فى حى الشجاعية وهناك أيضًا مرتزقة فرنسيون وهو ما كشف عنه نائب فى البرلمان الفرنسى وقدم بالفعل شكوى جنائية أمام النيابة العامة ضد حوالى ٤٠٠٠ إسرائيلى من أصول فرنسية اتهمهم بممارسة جرائم ضد الإنسانية وبعضهم قام بتصوير أنفسهم أثناء المعارك كما كشفت وسائل إعلام إسبانية مشاركة عدد من الجنود الإسبان وصرح أحدهم بأن سبب مشاركته حصوله على رواتب مجزية تصل إلى أكثر من أربعة آلاف دولار فى الأسبوع ويقتصر دوره فى الدعم الأمنى لخطوط إمداد القوات البرية بالإضافة إلى مرتزقة من أمريكا تم تجنيدهم عبر إحدى شركات الأمن الدولية الأوربية والأمريكية والرواتب ضخمة بالإضافة إلى تأمين يصل إلى مليون يورو. كما ارتفعت فاتورة الخسائر الاقتصادية بعد أن وصلت تكلفة الحرب إلى ٢١٧ مليار شيكل ناهيك عن التعويضات التى سيتم دفعها لسكان بلدات ومستوطنات غلاف غزة والحدود مع لبنان حيث تم تهجير نصف مليون إسرائيلى فى غلاف غزة وشمال إسرائيل ولم يدخل فى الحساب الأزمة الاقتصادية نتيجة تراجع معدلات السياحة والإنتاج وتوقف حركة الموانئ. 

ثالثا : فشل إسرائيل فى تحقيق أى من أهدافها من العدوان فعلى المستوى العسكرى لم تتحقق إنجازات تذكر خاصة الأهداف المعلنة للحرب وهى القضاء على قدرات حماس أو إبادتها. هذا الفشل وجد صدى له فى العديد من التصريحات المختلفة ومنها منسق الاتصالات الاستراتيجية فى مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيرى الذى قال إن (حركة حماس لا تزال تتمتع بقوة كبيرة فى غزة) وأضاف (على الأرجح لا يمكن للعمليات العسكرية القضاء على الأيديولوجيات). كما نقلت هآرتس عن أعضاء فى المجلس الوزارى المصغر قولهم إن قدرات حماس قائمة وتؤدى وظائفها ونزع سلاحها يحتاج أشهرًا والجيش لم يحقق أى هدف من أهدافه فى قطاع غزة. وأشار الرئيس السابق للشاباك عامى ايلون إلى ذلك وقال (نحن نسير بعيون مفتوحة نحو الغرق فى رمال غزة واللواء احتياط فى الجيش الإسرائيلى يتسحاق بريك قال بعد قرابة مائة يوم من استنفار كامل لقوات الجيش ونخبه وعتاده فلم نتمكن من القضاء عليهم) أما على مستوى الهدف الثانى وهو تحرير الرهائن الإسرائيليين والأجانب فلم يتم سوى الإفراج فى صفقة توسطت فيها مصر وقطر بالتعاون مع واشنطن عن سراح ١٠٥ منهم ٨١ إسرائيليًا و٢٤ آخرون مقابل ٢٠٤ أسرى فلسطينيين وحتى الآن تم إغلاق هذا الملف بعد فشل محاولات تل أبيب تحريرهم عن طريق القوة على الرغم من وجود سبعة أولوية تعمل هناك من قوات النخبة والتى تحولت إلى مأساة بعد تورط القوات الإسرائيلية فى قتل بعضهم ويضاف إلى ذلك والشروط  التى تفرضها المقاومة وتربط بين الإفراج مقابل وقف كامل لإطلاق النار مع تصفير السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين. 

رابعا : الرفض الكامل على نطاق واسع لكل خطط إسرائيل لمرحلة ما بعد الحرب حتى من حلفائها ومنها ما يتعلق بإدارة غزة أو التهجير القسري. وزير الخارجية الأمريكى بلينكن عبر عن رفض إدارته تصريحات وزراء فى الحكومة الإسرائيلية حول تهجير سكان القطاع وقال لمجلس الحرب إنهم رصدوا محادثات مع الكونغو لنقل الآلاف من سكان غزة وعندما روج الإعلام الإسرائيلى أنباء عن مباحثات مع تشاد نفت بشكل كامل تلك الأنباء وأكدت فى بيان من وزارة الإعلام أنها على موقفها الثابت المؤيد للتعايش بين الدولتين امتثالا للقانون الدولى ودعم الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار وضمان حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وفقا للمعايير الدولية. وقال البيان إن تشاد ملتزمة بالمبادئ الأساسية للقانون الدولى الذى يحظر أى موافقة على تهجير الأشخاص من غزة والمشاركة فى مثل هذا العمل يعد انتهاكا لهذه الحقوق. رفض الخطط الإسرائيلية لم يقتصر فقط على واشنطن الحليف الأول لتل أبيب بل تعداه إلى باريس حيث صرحت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بأن (ليس من حق إسرائيل تقرير مصير غزة ودعوات تهجير الفلسطينيين غير مسئولة وتتعارض حتى مع مصالح إسرائيل ونحن بحاجة للعودة إلى القانون الدولى واحترامه) مما دفع  نتنياهو إلى التراجع وأعلن (عن عدم وجود أى نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين وقال نحن نحارب حماس وليس السكان المدنيين ونفعل ذلك مع الالتزام الكامل بالقانون الدولي) وهو نفس ما ذهب إليه وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت الذى قال (إن حركة حماس لن تسيطر على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وإسرائيل ستحتفظ بالحرية فى العمليات ولن يكون هناك تواجد مدنى إسرائيلى وستكون الهيئات الفلسطينية هى المسئولة هناك طالما لم تكن هناك أى عمليات عدائية ضد إسرائيل). 

خامسا : مخاوف من اتساع دائرة الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية بعد استمرار العدوان على غزة طوال هذه المدة ودخول أطراف أخرى فى لبنان واليمن والعراق وسوريا وهذا التوتر الشديد فى منطقة البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب ومضيق هرمز. 

وبعد،،، هذا رصد أولى لنتائج أزمة مفتوحة على كافة الاحتمالات ولن تنتهى إلا إذا تم التوافق الحقيقى على وقف العدوان والبحث فى أفق سياسى لحل دائم عادل للأزمة الفلسطينية على أساس حل الدولتين.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة