الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا


«النضال واحد».. جنوب أفريقيا وفلسطين حرب واحدة في مواجهة الاستعمار

سامح فواز

الأربعاء، 17 يناير 2024 - 08:01 م

يربط بين جنوب أفريقيا وفلسطين تاريخ طويل من التضامن في النضال ضد الاحتلال والفصل العنصري فالشعبان عانيا طويلا من القمع والتمييز العنصري على أيدي نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

اقرأ أيضًا: فيديوجراف| 20 درجة تحت الصفر.. روسيا تتجمد وسط انقطاع للكهرباء

بدأت العلاقة بين الطرفين في الخمسينيات والستينيات، ثم تطورت فيما بعد إلى تحالف استراتيجي بين المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة العدو المشترك إسرائيل.

البداية في الخمسينيات والستينيات

بدأت العلاقة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل في الخمسينيات والستينيات بشكل ملتبس، إذ صوتت جنوب أفريقيا لصالح قرار تقسيم فلسطين عام 1947 واعترفت مبكراً باستقلال إسرائيل عام 1948 وجاء ذلك نتيجةً لتشابه وجهات النظر بين النظامين العنصريين في الدولتين. غير أن محاولات إسرائيل التقرب من الدول الأفريقية عبر انتقاد الفصل العنصري أثارت غضب رئيس الوزراء العنصري هندريك فيروارد الذي اتهمها بأنها دولة فصل عنصري أيضاً.

ورفض رئيس وزراء جنوب أفريقيا ومهندس سياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، هندريك فيروارد، تصويت إسرائيل ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة، قائلاً: "إسرائيل ليست متسقة في موقفها الجديد المناهض للفصل العنصري العرب عاشوا في فلسطين لمدة ألف عام. وأنا أتفق معهم في ذلك. إسرائيل، مثل جنوب أفريقيا، هي دولة فصل عنصري". كما حافظ خليفته جون فورستر على نفس الرأي.

ولكن بعد احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية واسعة عام 1967 بما فيها بقية أراضي فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وجدت دولة  الاحتلال نفسها معزولة عن حلفائها السابقين ومهددة من جديد من قِبَل أعداء قدامى.

1967 نقطة تحول حاسمة

شكل احتلال إسرائيل للأراضي العربية عام 1967 نقطة تحول حاسمة في مسار العلاقة، إذ أدى ذلك إلى عزلة إسرائيل ونظرة الكثير من الدول الأفريقية إليها باعتبارها دولة استعمارية بينما زاد إعجاب العنصريين البيض في جنوب أفريقيا بها. وفي أعقاب حرب 1973، قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل مما دفع الأخيرة نحو تعميق تحالفها مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وتطور التقارب بين النظامين العنصريين إلى تعاون عسكري واستخباراتي واسع النطاق خلال السبعينيات والثمانينيات وتضمن ذلك مساعدة إسرائيل لجنوب أفريقيا في تطوير أسلحتها النووية في مقابل إجراء اختبارات للأسلحة الإسرائيلية على الأراضي الجنوب أفريقية. كما واصلت إسرائيل استيراد البضائع من جنوب أفريقيا وإعادة تصديرها رغم الحظر الدولي.

تضامن الشعبين ضد إسرائيل



في المقابل، نشط التضامن الشعبي مع فلسطين داخل جنوب أفريقيا في مواجهة إسرائيل. وتطور الأمر إلى تحالف رسمي بين المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات. كما أدرك سكان جنوب أفريقيا أنهم يُقتلون بأسلحة إسرائيلية تمد نظام الفصل العنصري بها. 

وبالإضافة إلى التعاطف مع نضال الفلسطينيين، أدرك سكان جنوب أفريقيا أيضاً أن إسرائيل تلعب دوراً في قمعهم. على سبيل المثال، كانت إسرائيل مورداً مهماً للأسلحة إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، على الرغم من حظر الأسلحة الدولي، وبحلول عام 1980، كانت 35% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية متجهة إلى جنوب أفريقيا. كانت إسرائيل وفية للدولة العنصرية وتمسكت بالصداقة عندما انهارت جميع علاقات جنوب أفريقيا الأخرى تقريباً خلال السبعينيات.

وفي الثمانينيات، عندما أجبرت الحركة العالمية المناهضة للفصل العنصري دولها على فرض عقوبات على نظام الفصل العنصري، استوردت إسرائيل بضائع جنوب أفريقيا وأعادت تصديرها إلى العالم كشكل من أشكال التضامن بين النظامين العنصريين.

في المقابل، أعرب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد نضال شعب جنوب أفريقيا ضد العنصرية عن تضامنه مع القضية الفلسطينية منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كما فعلت العديد من الدول الأفريقية، حيث  كانت غالبية دول القارة مستعمرات أوروبية حتى أوائل الستينيات.

وعملت منظمة التحرير الفلسطينية مع عدد من الحركات الثورية الأفريقية، حيث دعمت المنظمة والمؤتمر الوطني الأفريقي بعضهما بعضاً بحماس عندما شرعوا في النضال ضد الاستعمار، وتبادلوا الأسلحة وتكتيكات المقاومة.

فمنذ أواخر الستينيات، أقام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي علاقات قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية. وبحلول الثمانينيات، تطورت هذه العلاقات إلى تحالف استراتيجي وعملياتي بين الحركتين.

وطوال سنوات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كان هناك أفراد وجماعات في جنوب أفريقيا يتضامنون مع الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية. 

وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية رمزاً للمقاومة بالنسبة لمعظم مواطني جنوب أفريقيا السود. ولقد اتفق أبناء جنوب أفريقيا الذين يناضلون ضد سياسات وحقائق الفصل العنصري مع هندريك فيروارد (الذي يعتبر مهندس الفصل العنصري في جنوب أفريقيا) عندما قال إن "إسرائيل، مثل جنوب أفريقيا، دولة فصل عنصري".

مواقف جنوب أفريقيا الحديثة

استمر تأييد جنوب أفريقيا للقضية الفلسطينية بعد سقوط نظام الفصل العنصري، وذلك عبر وصف الاحتلال الإسرائيلي بالفصل العنصري في المحافل الدولية ودعم حركة المقاطعة ضد إسرائيل بالإضافة إلى انتقادات المسؤولين وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي. كما دافعت جنوب أفريقيا عن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس عام 2002 مستحضرةً تضامنها التاريخي مع الشعب الفلسطيني.

وبعد سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1994، ظلت العلاقات بين جنوب أفريقيا في ظل التحرر من العنصرية وإسرائيل ودية في عهد مانديلا، ولكنها سجلت تدهوراً حاداً منذ ذلك الحين، مع ميل موقف جنوب أفريقيا لصالح الفلسطينيين، وهو ما يرجعه مراقبون جزئياً إلى التحالف التاريخي بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظمة التحرير الفلسطينية.
والتقى مانديلا وعرفات عدة مرات بعد إطلاق سراح الأول وأصبح رئيساً لجنوب أفريقيا، وفي عام 1997، وصف مانديلا عرفات بأنه "أيقونة"، وأضاف: "نعلم جيداً أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين".

وفي السنوات الأخيرة، تصاعد التوجه نحو وصف الاحتلال الإسرائيلي بالفصل العنصري في المحافل الدولية، حيث تقود جنوب أفريقيا جهود إدانة إسرائيل على أساس انتهاكات حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين.

استمر تأييد جنوب أفريقيا للقضية الفلسطينية بعد سقوط نظام الفصل العنصري، وذلك عبر وصف الاحتلال الإسرائيلي بالفصل العنصري في المحافل الدولية ودعم حركة المقاطعة ضد إسرائيل بالإضافة إلى انتقادات المسؤولين وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة