موضوعية
موضوعية


أصل الحكاية .. «جاردنر ويلكنسون» أبو علم المصريات البريطاني

شيرين الكردي

الأربعاء، 17 يناير 2024 - 11:23 م

ويلكنسون .. أحد الباحثين الجادين الذين وفدوا إلى مصر في مهام علمية بحتة، فهو عالم مصريات بحق؛ لم يكن مثل سابقيه أو لاحقيه من الأجانب الذين نهبوا آثار مصر، فقد عشق مصر وعشقته، ووهب لها جهده فأكرمته. 

ولد الإنجليزي "جون جاردنر ويلكنسون" في 5 أكتوبر 1797م لرجل الدين البريطاني جون ويلكنسون، وقد مات والده ووالدته قبل أن يبلغ العاشرة من عمره، فعاش بعدهما حياة صعبة ومريرة؛ حتى إنه لم يُكمل دراسته التي بدأها بإحدى مدارس أكسفورد؛ فغادرها سريعا والتحق بالجيش للعمل كمحارب من أجل التغلب على تكاليف الحياة، كما أكده الباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية .

وأضاف دقيل أن "ويلكنسون" عاش محبا للسفر والترحال؛ ففي عام 1819، قام بجولة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا؛ والتقى بالسير "ويليام جيل"، الذي حثه على تعلم الهيروغليفية والسعي في دراستها، وفي أكتوبر عام 1821، قام بأول زيارة لمصر، وكان عمره حينها 24 عاما، وكان ذلك قبل عام واحد من اكتشاف شامبليون لمبادئ الكتابة المصرية.

 أقام ويلكنسون بمصر اثني عشر عاما؛ اهتم خلالها بتسجيل الآثار المصرية ودرس اللغة العربية والقبطية، هذا فضلا عن دراسته للهيروغليفية وتصحيحه لبعض الأخطاء التي وقع فيها شامبليون، ولذا فقد اعتبره الكثيرون أبا لعلم المصريات البريطاني، استطاع ويلكنسون خلال زيارته الأولى لمصر القيام بعمل مسح شامل ومنظم لأهم المواقع الأثرية في وادي النيل بمصر والنوبة، واستطاع أن يقرأ عشرات النصوص والخراطيش الملكية بطريقة صحيحة، وقام بنسخ مناظر مقابر بني حسن، وكان من أهم إنجازاته في مصر اكتشافه للموقع الصحيح لقصر اللابيرانت المنيف بهوارة.

 ألف ويلكنسون العديد من البحوث والدراسات والكتب؛ أشهرها كتابه الذي عنونه بــ: "طباع وعادات المصريين القدماء" الذي نشره عام 1833م والذي جاء في ثلاثة أجزاء، وكان محاولة أولى للكشف عن حياة المصريين القدماء، كشف فيه الستار عن الكثير من الجوانب الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاشها المصري القديم، كحياتهم الخاصة، والقوانين الخاصة بهم، والفنون، والمصنوعات، والدين، والزراعة، والتاريخ، واشتق معلوماته كلها من فهمه للوحات والمنحوتات والنقوش، وكان الكتاب يتحدث عن كل ذلك بطريقة تٌشعر القارئ وكأنه يتحدث عن شعب لا يزال يعيش الآن، وهذا الكتاب يُعتبر أول كتاب يتحدث عن مصر بعد كتاب هيرودوت، فهو أول عمل موثق وشامل يتعلق بالآثار المصرية، وكان الكتاب سببا في تعزّيز سمعة ويلكنسون كعالم مصريات؛ ولقب على إثره عام 1839 بـ "أول عالم مصريات متخصص في بريطانيا".

 وبين عامي 1841 و1849م عاد ويلكنسون إلى مصر مرة ثانية ونشر دراسة جديدة اشتملت على الترتيب الصحيح لحكام مصر القديمة، ومن خلال هذا العمل، كان قادرا على تحديد أسماء العديد من الملوك المصريين القدماء لأول مرة. كل هذه الجهود وغيرها جعلت من جاردنر ويلكنسون أحد أهم الباحثين الأفذاذ الذين خدموا مصر والعالم، فقد كان ذا جلد وصبر على البحث والاستقصاء، كما كان ذا قدرة على الكتابة لكل ما يتحصل عليه بطريقة مشوقة وجذابة.

 والعجيب بل والمثير للدهشة أن كل إنجازاته هذه وغيرها كانت بمجهوداته الشخصية بل وعلى نفقته الخاصة؛ حيث لم تدعمه دولته كما تم مع شامبليون وبلزوني وغيرهما، وفي 1855م سافر ويلكنسون إلى مصر للمرة الأخيرة وقضى فيها عاما كاملا عاشه وكأنه يودعها بعد أن قضى فيها ريعان شبابه، وفي 29 أكتوبر 1875م، كان على موعد مع الموت، فغادر الحياة بعد أن ملأ الدنيا بالحديث عن مصر!


 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة