الفتاة ذات الصوت العالى وابتكار لغة خاصة
الفتاة ذات الصوت العالى وابتكار لغة خاصة


الفتاة ذات الصوت العالى وابتكار لغة خاصة

أخبار الأدب

الخميس، 08 فبراير 2024 - 03:54 م

سيكون قارئ «الفتاة ذات الصوت العالي» لآبى دارى أمام حكاية لا تنسى، تجمع بين المضحك والمبكي. تسردها أدوني، وهى فتاة عادية تشبه كثيرًا من الفتيات فى القرى والبلدات الصغيرة فى البلدان النامية، لكنها فى الآن نفسه شخصية روائية غير عادية. يغفر لها القارئ «حشريتها» وأسئلتها التى تطرحها فى أوقات غير مناسبة، لخفة ظلها ولغتها الوصفية النابضة بالحياة. 

ومن أجل هذا كله، ابتكرت الكاتبة لغة تخص أدوني، لغة ليست من اللغات المحلية فى نيجيريا، ولا هى باللغة المهجنة التى تجمع بين هذه اللغات والإنجليزية التى يتكلم بها أهل البلاد وتستخدمها وسائل الإعلام.

اقر أ أيضاً | العميد.. نجم المعرض 5 نوافذ جديدة لطه حسين

بل هى لغة تفتقر إلى السلامة اللغوية، لغة تخص أدونى وحدها، تميزها عن سكان نيجيريا، كما تميزها عن الشخصيات فى روايات أخرى. ربما مرت على القارئ أعمال يتخللها شيء من اللغة «المكسورة» تتكلم بها شخصيات أطار الشراب صوابها، أو أخرى تعانى مشاكل عقلية أو نفسية. غير أن الاختلاف هنا أن الرواية كلها كتبت بهذه اللغة المكسورة، لأن السارد هنا هى أدوني.

 يقول تشينوا أتشيبى فى مقال له بعنوان الكاتب الأفريقى واللغة الإنجليزية: على الكاتب الأفريقى أن يسعى إلى الكتابة بالإنجليزية كتابة توضح رسالته دون تغيير فى بنيتها يُفقدها قيمتها بوصفها الوسيط للتفاهم العالمي، بل يسعى إلى ابتكار لغة إنجليزية «عامة»، وأن يضفى عليها «مسحة أفريقية» لتنقل فرادة تجربته. نجحت آبى دارى فى منح أدونى لغة مفهومة -وإن بذل القارئ شيئًا من الجهد لاستساغتها فى بادئ الأمر- ولغة فريدة، لغة خاصة وعامة فى آن واحد. تحدت دارى اللغة، وتعلمت استخدامها، لا محاكاتها فحسب، (على حد تعبير جيمس بالدون)، فباتت قادرة على حمل عبء تجربة أدوني.

وبعيدًا عن المغامرة اللغوية التى دعتنى إليها أدوني، سأحكى لك -عزيزى القارئ- حكاية صغيرة. فى عام 1989، قررت أختى أن تتخلى عن الدراسة لسبب ما، فانبرت الأسرة كلها- وعلى رأسهم أمى رحمها الله- تحاول أن تثنيها عن هذا، فتراجعت أختى وتفوقت ذلك العام رغم انقطاعها لبعض الوقت. وتكرر الأمر معى أنا عام 1992. فقد عزمت أنا الأخرى على التوقف عن إكمال تعليمى (انتقلت حينها إلى الصف الثامن) لأسباب كثيرة لست بصدد الحديث عنها، لكنى الآن أعرف أنه واحد من قرارات المراهقة الغبية التى تعج بشتى الأفعال الغريبة ولا يعرف المرء لها تفسيرًا. لكن أمى لم تقبل قراري، ولا أسبابى الحمقاء! فأعادتنى إلى مقاعد الدراسة، لأنها -وهى التى لا تقرأ ولا تكتب- آمنت، مثل أم أدوني، بأن التعليم يمنح الفتاة صوتًا. أيقنت أمى فى قرارة نفسها أن الرجل فى مجتمعنا صوته عالٍ دائمًا، وإن لم يكن قادرًا على «فك الحرف». لكن المرأة بحاجة إلى أشياء كثيرة كى يصبح لها صوت، والتعليم أهمها فى نظر أمي.

لم تحلم أمى بأن يكون لى صوت فقط، بل صوت عالٍ يواصل علوّه رغم كل الظروف، لذلك حاربت كى أكمل دراستى الجامعية أيضًا. وأزعم أنى بترجمتى هذا الكتاب، أكرر ما فعلته أمى مرتين من قبل، أمنح أدونى صوتًا يعلو (باللغة العربية هذه المرة). 

لم تقبل أدونى بنهاية تشبه نهاية الحورية الصغيرة التى تخلت عن صوتها، وأما صوت أدونى فيمكث فى الأرض، كما أرجو.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة