حامد عز الدين
حامد عز الدين


آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب.. الملائكة والجن والإنس: الذي خلق فهدى (1 - 2)

حامد عز الدين

الإثنين، 12 فبراير 2024 - 10:25 م

نعم هو ربنا الذى خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، ثُمَّ هَدَى كل مخلوق إلى الوظيفة التى قدرها له، وهذه الهداية العامة المشاهدة فى جميع المخلوقات، فكل مخلوق تجده يسعى لما خُلق له من وظائف. وهو ما تحقق من إيضاحنا سابقا نحو وظيفة الشيطان فى الكون. 

فالذى خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذى لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب. وهذا كقوله تعالى فى الآية 6 من سورة السجدة : (الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، والإحسان هو هنا بمعنى الإتقان لتحقيق «الهدف» من الخلق،  فالحيوانات المفترسة قاتلة، والفيروسات تؤدى إلى الأمراض الفتاكة والعصافير تتغذى على الديدان التى تؤدى إلى القضاء على محاصيل القمح! وهو الأمر الذى يتضح أكثر فى قوله تعالى فى الآية رقم 49 من سورة طه: (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى). فالهدى المقصود هنا هو الإرشاد إلى طبيعة المهمة الموكلة إلى المخلوق للقيام بها فى الكون. وهو ما يتضح فى السؤال الاستنكارى فى الآية 115 من سورة المؤمنون فى قوله جل وعلا: (أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنكُم عَبَثا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجعون). 

وأما خلق الملائكة فكان قبل خلق السماوات والأرض والجن. فقد دلت على ذلك بعض الآثار، وأنهم خُلقوا بعد خلق العرش، ففى كتاب «العلو للعلى العظيم» للإمام الذهبى قال: أول ما خلق الله عرشه على الماء، وخلق الملائكة فقالوا: ربنا لم خلقتنا؟ قال: لحمل عرشى، قالوا: ومن يقوى على ذلك؟ قال: فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فيحملكم. 

وفى الآية رقم 30 من سورة الأنبياء يقول الله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حى أفلا يؤمنون).  وتفسيرها: «أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما، فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض، ففصلناهما بقدرتنا، وأنزلنا المطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض، وجعلنا من الماء كل شيء حى». 

وعليه تكون الأرض قد خُلقت أولاً قبل السماء - كما قال أهل العلم - ثم خُلقت السماء بعد ذلك، ثم دحيت الأرض بعد ذلك وأخرج ما فيها من الماء والمرعى؛ كما جاء فى قول الله تعالى: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا < أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا «النَّازعات:30-31»، قال ابن كثير فى التفسير: إن الله ابتدأ بخلق الأرض أولاً، ثم خلق السموات سبعاً، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك، وقد صرح المفسرون بذلك، ففى هذه الآية أن دحى الأرض كان بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص. وبعدها خلق الله سبحانه وتعالى الجن، فى انتظار لحظة خلق الإنس، الذين سيكونون هم خلفاء الله على الأرض.

والجِنُّ: اسمُ جِنسٍ جَمعى واحِدُه جِنِّى، وهو مأخوذٌ مِنَ الاجتنانِ، وهو التستُّرُ والاستخفاءُ، وقد سُمُّوا بذلك لاجتنانهِم واختِفائِهم من النَّاسِ فلا يُرَون، وأنهم لا يمكنهم العيش إلا وهم فى ستر واختفاء. وهم على رغم قدرتهم على التجسد، فإنهم فى تلك الحالة يكونون شديدى الضعف لأنهم وقتها سيعاملون بالقانون الذى ينطبق على ما تجسدوا فيه. والجِنُّ مَخلوقاتٌ عاقِلةٌ، مُريدةٌ، مُكَلَّفةٌ، مَخلوقةٌ من عنصر النار، وهم مُستَتِرون عَنِ الحَواسِّ، ولَهم قُدرةٌ على التَّشَكُّلِ، وهم يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتَناكَحونَ، ولَهم ذَرِّيَّةٌ، وهم مَأمورون ومَنهِيُّونَ، ثُمَّ هم فى الآخِرةِ على أعمالِهم مُحاسَبونَ، ذلك أنهم والإنس فقط المكلفون بالعبادة التى هى فى جوهرها الاختيار بين الطاعة والعصيان والعكس أيضا صحيح. قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». «الذاريات: 56». 

وتأكيدا لمعنى العبادة بأنها الطاعة لمن يملك العصيان وعن الجن يقول الله تعالى فى الآيتين 14-15 من سورة «الجن»: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) أي: الظالمون المنحرفون، (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا < وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا). أى أن الجن فيهم المسلم وفيهم غير المسلم. فهم أيضا قبلوا أمانة الاختيار كما قبلها الإنسان. 

وردت كلمة الإنس فى القرآن 18 مرة مقرونة بكلمة الجن، ووردت كلمة (الجن) مقرونة بالإنس أو غير مقرونة بها 22 مرة، ووردت كلمة (جان) سبع مرات، أربع غير مقرونة بالإنس وثلاث منها مقرونة بهم، ومقدم فيها الإنس على الجان: (فَيَوْمَئِذٍ لَّايُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) (الرحمن/39)، واللافت أن (الإنس) قد تقدم على (الجن) فى ستة مواطن من أصل 18 اقترنت بها، وقدّمت كلمة (الجن) عليه فى 15 موطنا، أما عند اجتماع (الإنس) بـ(الجان) فيقدم (الإنس) دائما. 

الأسبوع المقبل بمشيئة الله نواصل التدبر فى القرآن الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. إن كان فى العمر بقية. 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة