بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو


خدعوك لو قالوا: إن الخلاف الشكلي يهز ثوابت العلاقة الحميمة

توافق «أمريكي - إسرائيلي» حول أهداف حرب غزة

آخر ساعة

الإثنين، 12 فبراير 2024 - 11:28 م

■ كتب: أحمد جمال

تزايد الحديث خلال الأيام الماضية حول وجود خلاف عميق بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وهو ما انعكس على تصريحات الطرفين بشأن الموقف من العدوان الحالي على قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية، يأتى ذلك فى وقت لا تتوقف فيه الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم كافة أشكال الدعم اللازمة لإسرائيل منذ اندلاع المعارك قبل أكثر من أربعة أشهر، ودون أن تتطور التصريحات اللفظية إلى مواقف من الممكن أن تشكل ضغطاً حقيقيًا على إسرائيل.

تحدث الرئيس الأمريكى  جو بايدن أخيراً عن أن الرد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة «جاوز الحد» لكن دون أن يحدد ما هى خطوات إدارته للتعامل مع هذا التجاوز، وعبّر الاكتفاء باستخدام لفظ «تجاوز» مع ارتكاب الاحتلال كافة أشكال الجرائم والإبادات الجماعية بحق الفلسطينيين عن عمق المصالح الإستراتيجية المشتركة التى تجعل الولايات المتحدة تقف فى ظهر إسرائيل وإن حاولت التخفيف من ذلك بما لا يساهم في مزيد من الخسائر التي تعرضت لها صورتها ومصالحها في المنطقة جراء العنف الإسرائيلي.

وفي المقابل طالب نتنياهو قوات الجيش بإعداد خطة لإجلاء أهالى مدينة رفح الفلسطينية تميهداً لشن عملية عسكرية لكن أيضا دون أن يخالف الموقف الأمريكى بشكل كامل، إذ إن الإدارة الأمريكية  تركز فى انتقاداتها لإسرائيل بشأن تلك العملية على ضرورة إيجاد أماكن بديلة لأكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني مع ضرورة أن لا يكون ذلك باتجاه الأراضى المصرية، وهو ما ستحاول إسرائيل التجاوب معه سواء كان ذلك من خلال شن عملية عسكرية تستهدف حماس فى رفح أو عبر تجهيز مخططات لإجلاء أهالي رفح إلى الساحل الفلسطينى أو إلى الشمال.

◄ خلاف شكلي
وتوافق عدد من الخبراء الذين تواصلنا معهم فى هذا التقرير على أن الخلاف بين إدارة بادين والحكومة الإسرائيلية هو بالأساس خلاف شكلى لا يقترب من جوهر الأهداف العامة المعلنة التى تتوافق فيها الولايات المتحدة مع إسرائيل بشأن الحرب الحالية والتى تتمثل فى القضاء على حركة حماس والإفراج عن الرهائن وضمان اتخاذ كافة الإجراءات الأمنية بما فيها توسيع رقعة المناطق العازلة مع إسرائيل على حساب أراضى القطاع.

◄ عطا الله: نتنياهو وبايدن كلاهما يسعى لخدمة مصالحه

وأكد الباحث في الشأن الإسرائيلى، أكرم عطا الله، على وجود خلاف جوهرى بين الطرفين لكنه خلاف على مستوى إدارة بايدن الحالية وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، لكن مازالت الولايات المتحدة ملتزمة بتغطية إسرائيل وتقديم كافة سبل الدعم والمساندة لها، إذ إن دولة الاحتلال هى الحليف الاستراتيجى الأصغر للولايات المتحدة، وتتعامل الدولة العظمى على أنها مسئولة عن إسرائيل وأمنها، مضيفًا أن الخلاف مع الحكومة وليس الجيش الإسرائيلى، لافتًا إلى أن هذا الخلاف دائما ما ينشب بين الحكومات الإسرائيلية المتطرفة وبين الإدارات الديمقراطية، وهو أمر تحدث عنه سابقًا كل من كلينتون وأوباما وجون كيرى فى مذكراتهم، كما أن بايدن ذاته وصف نتنياهو بـ«الولد السيئ» ورغم النفى الرسمى لكن يبدو من الواضح أن ذلك حدث بالفعل.

وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية  الحالية تتحدث عن تجديد السلطة الفلسطينية وبسط نفوذها على غزة بما يمهد لبدء عملية سياسية تضمن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأن تلك الرؤى بمثابة خط أحمر لنتنياهو الذى يرفضها بكل قوة، إذ إنه لا يريد أى عملية سياسية ستؤدى فى النهاية لإنهاء حكمه، كما أن وجه الخلاف الآخر يتمثل فى ارتكاب إسرائيل جرائم ومجازر مروعة بحق المدنيين، وهو أمر تعتبره الولايات المتحدة لا لزوم له وتحاول إقناع نتنياهو بتقليل أعداد الضحايا من المدنيين.

وأوضح عطا الله أن نتنياهو ليس لديه مشروع لأى حلول سياسية لكن مشروعه الأساسى هو تهجير الفلسطينيين وليس مقاتلة حماس وهو أيضا ما تعارضه الولايات المتحدة التى تخشى من عواقب دفع أهالى القطاع إلى سيناء، لأن ذلك سيكون به مساس باتفاقية كامب ديفيد التى تشكل النجاح الأمريكى  الأبرز والأوحد فى منطقة الشرق الأوسط ويعد تهديد الاتفاق ضربا مباشراً لمصالحها.

ومع اشتداد الحرب، فر أكثر من نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى رفح، وهى إحدى المناطق القليلة التى لا تتركز فيها العمليات الإسرائيلية، فيما أصبحت مرافق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ملجأً مؤقتاً لنحو 1.4 مليون من سكان غزة.

يعتبر عطا الله أن كلاً من نتنياهو وبايدن يسعى إلى إسقاط الآخر، فالأول يأمل أن يأتى صديقه الجمهورى دونالد ترامب إلى سدة الحكم مرة أخرى فى انتخابات نوفمبر القادمة وبالتالى يعمل بشكل مستمر على إحراج بايدن، فيما يسعى الرئيس الأمريكى الحالى لتجهيز منافس نتنياهو جانتس لتولى رئاسة الوزراء فهو الأكثر قربًا من الإدارة الأمريكية بحكم خلفيته العسكرية.
وأعلن جون كيربى، منسق الاتصالات الاستراتيجية فى مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض، معارضة واشنطن لأى عملية عسكرية على رفح الحدودية مع مصر، مشيراً إلى أنه «فى غياب أى اعتبار كامل لحماية المدنيين، فإن العمليات العسكرية (فى رفح) ستكون كارثة لهؤلاء الناس، وهو أمر لا نؤيده».

وأكدت صحيفة «معاريف» العبرية، أن إسرائيل تتخوف من اعتراف أمريكى بدولة فلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة، وقالت: «تعرب مصادر سياسية فى إسرائيل عن قلقها إزاء النشاط المكثف للإدارة الأمريكية للترويج لفكرة إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة فى ظل حكومة موحدة تقوم على ما يعرف بسلطة فلسطينية متجددة».

◄ ظاهر الأمور
وشدد المحلل السياسي المتخصص فى الشأن الإسرائيلى، سعيد عكاشة، على أنه فى ظاهر الأمور يبدو هناك خلاف بين بايدن ونتنياهو لكن الواقع يشير إلى ضمان الولايات المتحدة بتقدم كل التزاماتها إلى إسرائيل، وأن التصريحات الأخيرة ليس لديها تأثيرات كبيرة على أرض الواقع خاصة وأن هناك «لوبى» إسرائيليا صهيونيا قويا داخل الكونجرس الأمريكى  يعمل على تمرير كل ما هو من شأنه خدمة الاحتلال.

وأوضح أن الرئيس الأمريكى يحاول اتخاذ قرارات والإدلاء بتصريحات فى شكلها العام صدامية لكى يتجنب الانتقادات الموجهة إليه من الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطى ويعمل بشكل مستمر على تهدئته، إلى جانب كسب ود مسلمى الولايات المتحدة الأمريكية الذين يخشى بايدن خسارتهم قبل الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى أن فكرة تطبيق القانون الخاص بالتزام الدول التى تستورد السلاح من الولايات المتحدة بألا تستخدمه فى أى جرائم تنتهك القانون الدولى لن يتم تطبيقه على إسرائيل، ويشكل فقط أحد أنواع الضغط المعنوى أو الشكلى على دولة الاحتلال.

وأصدر البيت الأبيض، مذكرة أمن قومى جديدة تطلب من الحكومات الأجنبية التعهد خطياً بعدم استخدام أى أسلحة أمريكية فى عمليات لا تحترم القانون الإنسانى والدولى، وقال الرئيس بايدن، إن المذكرة الجديدة تطلب من وزيرى الخارجية والدفاع، العمل على التأكد من أن المساعدات الدفاعية التى تقدمها الولايات المتحدة تجرى بطريقة «تتوافق مع جميع القوانين والسياسات الدولية، بما فى ذلك القانون الإنسانى والدولى، والحصول على ضمانات مكتوبة» من قِبَل الحكومات الأجنبية التى تتلقى هذه المساعدات والخدمات.

◄ عكاشة: بايدن يتخذ قرارات شكلها صدامى لتجنب انتقادات اليساريين

◄ عملية عسكرية
وأكد عكاشة، أن الغموض ما زال يسيطر على موقف الولايات المتحدة من عملية رفح البرية، وهو ما يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلى يتحدث عن مصطلح «عملية عسكرية» وليس «اجتياح برى كامل»، غير أن مطالبته الجيش تجهيز خطة لإجلاء المواطنين الفلسطينيين إلى أماكن بعيدة يبرهن على أنه يسعى لاجتياح موسع، وقد يترتب عليه خسائر فادحة فى الأرواح، واستبعد أن تهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى  إزاحة نتنياهو أو حكومته فى الوقت الحالى مع استمرار الحرب، وهناك توافق بين الطرفين على ضرورة إنهاء حماس وأن لا يكون لديها أى وجود مستقبلى، مشيراً إلى أن أى خسارة لإسرائيل فى حرب غزة الحالية أو خسارة أوكرانيا للحرب التى تخوضها الآن ضد روسيا هى بمثابة تهديد مباشر لعملية إعادة بناء النظام الدولى الذى ترعاه الولايات المتحدة.

◄ السعيد: التعامل بين الجانبين لا يخضع لقواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها

◄ مسألة أكبر
وأشار الدكتور أسامة السعيد الكاتب الصحفى والمحلل السياسى، إلى وجود حقائق راسخة لا يمكن تغييرها فى طبيعة العلاقة بين الطرفين فى مقدمتها أن الولايات المتحدة هى الحليف الأول لإسرائيل وهى الراعى والداعم الأول لها عسكرياً واقتصادياً وإعلاميًا وعلى كل المستويات بل إن الرئيس الأمريكى  الحالى جو بايدن كان صادقًا حينما قال إنه «لو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعنا إسرائيل»، وهو ما يبرهن على أن دولة الاحتلال تحقق مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة وهى أداة استعمارية حديثة امتداداً للحملات الصليبية التى تعد إحدى صورها ولكن بشكل أكبر حداثة.

وأكد أن التعامل بين إسرائيل والولايات المتحدة لا يخضع لقواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها، وأن المسألة أكبر من ذلك بكثير وهو ما يظهر من خلال مشاركة وزير الخارجية بلينكن والرئيس الأمريكى  جو بايدن فى اجتماعات مجلس الحرب الحالية ضد قطاع غزة بما يبرهن على أن الولايات المتحدة تنظر إلى أمن إسرائيل باعتباره المصلحة الاستراتيجية الأولى لها فى المنطقة وتوفر لها كل الأدوات الممكنة لدعم بقاء هذا المشروع، وشدد على أن إسرائيل هى ضابط الأمن الذى يوفر التأمين اللازم للمصالح الغربية فى المنطقة، وأن الدعاية الصهيونية نجحت فى خلق صورة زائفة عن دولة الاحتلال باعتبارها نموذجا غربيا مصغرا وسط محيط من الجهل والديكتاتورية، وبالتالى فإن الغرب يجب أن يدافع عن تلك الدولة، إلى جانب وجود تجذّر حقيقى لفكرة دعم إسرائيل فى المكون الثقافى والدينى للولايات المتحدة مع وجود تيارات مثل الصهيونية المسيحية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة