هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

ترميم سقف مسجد أبى العباس

هالة العيسوي

الأربعاء، 14 فبراير 2024 - 09:50 م

حسنًا فعلت محافظة الإسكندرية حين تدخلت، بوقف أعمال مقاول الترميم التابع لمديرية الأوقاف بالمحافظة المكلف بترميم سقف مسجد أبى العباس المرسى، درة مساجد الثغر، بعد قيامه بطمس زخارف مسجد أبو العباس أثناء ترميم سقف المسجد دون الرجوع إلى الفنيين والمختصين فى أعمال ترميم المنشآت التراثية. 

مع ذلك لابد من التوقف أمام عدة ملاحظات جوهرية، أولها: أن عدم التنسيق بين الأجهزة المختلفة هو الذى أودى بنا إلى العبث بالمبانى التراثية، وهو أمر يتطلب ضرورة قيام الأجهزة المعنية بالتراث والآثار بحصر كل المبانى الواقعة تحت حمايتها ومخاطبة الجهات المسئولة عنها بعدم التصرف فيها بالترميم أو التوسعة دون مراجعة تلك الأجهزة. باختصار ضرورة أن يوسد الأمر لأهله. وبالبلدى اعط العيش لخبازه لكن دون أن يأكل نصفه.

الملاحظة الثانية: أن هذه الواقعة حدثت بسبب عدم تقدير القيمة التاريخية لهذه المبانى التى نباهى بها. ليس مطلوبًا من مقاول ترميمات عقارية أن يحافظ على القيمة الفنية والتراثية لأحد المبانى، ولا الرجوع إلى الفنيين والمختصين فى أعمال ترميم المنشآت التراثية، فهو مجرد مقاول هدم وبناء، أدواته المعول والجاروف. المسئولية هنا تقع على من اختاره أصلًا لهذا العمل وكلفه به، دون إشراف أو توجيه، عن جهل بالقيمة التراثية والحضارية لهذا الصرح الذى يمس قلوب المصريين.

 فضلًا عن أن هذا المسجد هو موضع ضريح وجامع قديم كان يضم رفات الصوفى العربى الأندلسى أبو العباس المرسى، فإن بنيان المسجد يتخذ شكلا متعدد الأضلاع شبيها بتعدد أضلاع مدرسة السلطان حسن، ولكنه هنا اقتصر على ثمانية أضلاع فى مشابهة واضحة لتصميم بناء قبة الصخرة بالقدس. الفضل فى هذا الإبداع يرجع إلى المهندس المعمارى الإيطالى ماريو روسى الذى جاء إلى مصر وهو فى العشرينات من عمره، كان مكلفًا ببناء القصور الملكية، ووقع فى غرام طابع الحياة المصرية، وتعلق بها إلى درجة العشق، وبدأ فى بناء مسجد المرسى أبى العباس عام 1933م. 

الملاحظة الثالثة: أن أحدًا لم ينتبه إلى هذه الكارثة إلا بعد أن نشرت مبادرة «أنقذوا الإسكندرية الخديوية»، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى، «فيس بوك»، صورًا لـ«شخشيخة» المسجد قبل وبعد الترميم، وكتب أحد المهتمين بالتراث: «المقاول حطّم الزخارف الجصية للسقف الرئيسى للمسجد، سقف (الشخشيخة)، مسحها بالكامل بالمطرقة والإزميل، بدون توثيق، بدون دراسة». لجوء المهتمين بالحفاظ على التراث الوطنى إلى وسائل التواصل الاجتماعى دليل على أنه لا توجد آلية للتواصل المباشر مع الجهات المعنية، أو على يقينهم بالأثر العاجل لهذه الوسائل فى إثارة انتباه المسئولين لكشف هذا العبث ووقفه. 
الملاحظة الرابعة: أن الجدل الذى أثاره نشر قضية العبث بمسجد المرسى أبو العباس فى وسائل التواصل الاجتماعى، وأيقظ المسئولين لوقفه، هو نفسه الذى عطَّلَ عمليات ترميم هرم منقرع وإعادة تغليفه بالجرانيت، أو ما أطلق عليه «مشروع القرن».

بصرف النظر عن المبالغة فى التسمية، ما زلنا بانتظار رأى الهيئة العلمية التى ستقرر مدى صواب العمليات وجدواها دون الإضرار بهذا الأثر الكبير. مرة أخرى.. اعطِ العيش لخبازه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة