الكاتب محمود حمدون
الكاتب محمود حمدون


«ضفيرة حائرة» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

صفوت ناصف

الخميس، 29 فبراير 2024 - 08:49 م

لكنها فردة واحدة؟ أين الثانية؟ أين أختها؟

أي فتاة هذه التي قصّت ضفيرتها السوداء؟ هل تثور امرأة هكذا على حالها, حياتها؟ لقد تخايلت في البدء أن الملقى على الأرض جزء من شعر مستعار لعروسة لعبة, غير أني لما اقتربت منها, أمسكت بها فوجدتها ضفيرة طويلة من شعر بشري أسود, لا يزال بنهايتها عقدة من شريط ستان أحمر لامع.

خبّأت الضفيرة في جيبي, أتحسس نعومتها بأصابعي. وقفت بوسط الطريق أتلفت حولي, أبحث عن صاحبتها. قلت: ربما هي مختلّة عقليًا. أو مضطربة نفسيًا. أو ثائرة على زوجها. أو غاضبة من الدنيا وما فيها من عنت. 

وجدتني أكيل لها اتهامات كثيرة, قلت: يقيني أن من تفعل هذا خرجت بوعي من عالم الأنوثة. ثم التمست لها اعذارًا تكفي أهل الأرض جميعهم, قلت: ربما هي أنثى تتجرّد بملء إرادتها من طبيعتها البشرية الطينية. تخبّطتُ في احتمالات لا نهاية لها, لكني لم أصل لتفسير يبل ريقي.

قطعت شارع " الوحدة" طولًا وعرضًا, منكفئ على الأرض, خصصت ما بقي من حياتي لهذه المهمة, فرحتُ أدقق في الأرجاء, أبحث تحت كل حجر,  خلف كل شجرة, أسفل السيارات التي يعلوها التراب منذ بعيد.

ثم وسّعت دائرة بحثي, فترددت على أبواب مدارس البنات, المصالح الحكومية, أسواق الخضار والفاكهة, محلات الملابس الجاهزة, المراكز التجارية العصرية. أمعن النظر في وجوه الفتيات والنسوة, وضعت لنفسي معيارًا للتقصّي: أن أبحث عن ضحكة غائبة, عن دمعة تجمّدت تحت رمش جاف. فما وجدتها, لا تزال الجديلة في جيبي.طيف صاحبتها يلفّ حولي. لم تعد أعصابي تتحمّل, فبحتُ لصديقة, بيني وبينها ودّ وثأر قديم, قالت: لعلها وُضعت بطريقك عن عمدِ, لمَ لا؟ كم من أحاجي وألغاز يقابلها المرء على مدار يومه ولا يصل لحل لها .

- كمن يستجير من الرمضاء بالنار, أو من يفسّر بالماء بالماء!

دَنَتْ صاحبتي من وجهي, همست تغني بنبرة ساخرة: حبيبة قلبك يا ولدي ساكنة في قصر مهجور.. من حاول قصّ ضفائرها .. مفقود مفقود.

ظلت تشدو باللحن الشهير, عيني مصوّبة على شفتيها, تستعر نار في أعماقي, شعيرات الضفيرة في جيبي أضحت أسلاك شائكة تُدمي أصابعي.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة