صورة موضوعية
صورة موضوعية


محمد سمير عبد السلام يكتب: الحياة الاستعارية المحتملة للشخصية الفنية

أخبار الأدب

الأحد، 03 مارس 2024 - 01:13 م


«جون كينيدى يهذى أحياناً» مجموعة قصصية حديثة للروائى والقاص المبدع يسرى الغول؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت 2023؛ ويقدم السارد فيها خطاباً تجريبياً تأويلياً وحلميا حول الشخصية الفنية؛ وأرى أن ملمح التجريب الرئيسى حول الشخصية الفنية فى المجموعة يقوم على استعادة الشخصية ضمن التفاعل الآنى للمؤشرات السياقية فى بنية الحضور؛ فهو يستعيد بعض الشخصيات التاريخية ضمن حضور استعارى آخر داخل وعي، ولاوعى السارد/ البطل؛ ومن ثم نستطيع قراءة الشخصية الفنية تداولياً – فى هذا السياق التأملى التجريبى – وفق مجموعة من المسارات المتداخلة المعقدة التى لا تنفصل عن القوى الثقافية التى تشكل بنية الحضور لدى البطل/ السارد؛ فهو يستعيد الشخصية وفق مدلولها التفسيرى التاريخى أو السردي؛ ومن ثم يجمع بين بعض وقائع التاريخ، ومجموعة مُحتملة من الوظائف السردية الخيالية، وبعض مؤشرات السياق التأملية الراهنة فى تأويله للشخصية التاريخية؛ فهو يجمع – إذن – بين مدلول الهوية السردية وفق تعبير بول ريكور، والتى يتضمنها الخطاب هنا كاستدلالٍ ذاتي، ومتوالية الحلم أو الفانتازيا الٌمحتملة، والقوى الثقافية المنتجة للحظة التواصل مع الشخصية التاريخية/ الفنية فى آن؛ وأرى أن الشخصيات التاريخية المتٌضمنة فى المجموعة تبدو أيضاً مثل شخصيات فنية لها طبيعة استعارية مُحتملة، وأدوار وظيفية ضمن السياق التأملى الحلمى الراهن للسارد.

وأرى أن خطاب سارد يسرى الغول التجريبى يمثل حلقة تجريبية متجددة ضمن التجريب المتعلق باستعادة الشخصية التاريخية أدبياً بصورة تأويلية أو لسانية جديدة؛ فقد استعادت فرجينيا وولف شخصياتٍ مثل: فرجيل، وشكسبير فى روايات؛ مثل غرفة يعقوب، وأورلاندو ضمن حالات التذكر، والحلم فى تيار الوعى، واستعاد بورخيس شخصية سرفانتس فى سياق تقاطع البنى السردية الخيالية فى سداسية بابل، واستعاد كالفينو قبلاى خان، والرحالة ماركو بولو ضمن سياق حوارى – مكانى ما بعد حداثي، يقوم على التوسع المكانى الحلمى للمدن والمدن المُحتملة فى مدن لامرئية؛ أما إدوارد ألبى فقد استعاد شخصية فرجينيا وولف كمرجع لسانى شخصى تجريبى يقع ضمن تفاعلاتٍ لسانيةٍ أدبية معقدة، وألعاب لغوية – درامية تحتمل تعددية التفاسير السياقية فى مسرحية من يخاف فرجينيا وولف؟؛ لذا أنشأ شخصية فرجينيا وولف الاستعارية المحتملة الأخرى ضمن سؤال أو فعل كلامى توجيهى يحتمل تعددية الإجابات حسب سياق المتلقى أو المشاهد؛ أما سارد يسرى الغول فينشئ تفسيراً استعارياً لبعض شخصيات الماضى مثل: ماركيز، وكينيدي، وصوت نيرودا، ورصاصة هيمنجواي؛ ليجمع بين منطق الحلم، ووضع البطل الراهن أو من يقوم بفعل الاستعادة ضمن حوارية خيالية، وسردية تجريبية تؤكد حضور الشخصية التاريخية الفنى داخل المتوالية السردية، وتسلسل الحوار؛ أو يتضمن الخطاب طيف ليوناردو دافنشى فيما وراء صورة الموناليزا المحولة سيميائياً فى وعى ولا وعى شخصية الطبيب والبطل، وفيما وراء ذكرى محبوبة الطبيب وفتاة البطل الحلمية.

اقرأ أيضاً | ممدوح رزق يكتب: مقامات الغضب خارج الدعابة الطوباوية

وقد تتداخل صور الماضى المجزأة وفق منطق الحلم مع بنية الحضور وانعكاساتها السيميائية فى وعى ولاوعى البطل فى قصة «جون كينيدى يهذى أحياناً»؛ فيقول السارد بصوت طيف كينيدي، أو صوته الاستعارى الآخر:

«يا إلهى، كيف لهذا المخلوق أن يجعلنى أغوص فى الحاضر وأنا لا أنتمى إليه، كيف يسرقنى من الماضى ليحضرنى إلى المستقبل؟ ... لقد فقدت بريقي، واندثر من تعاطفوا معي، كذلك من وقفوا ضدي، ليس أمامى إلا الانصياع، وتنفيذ رغبة هذا الكاتب؛ فلربما يعاودنى الرفاق، ويشاركوننى الشراب داخل قبري». ص 82.

ونلاحظ أن هوية المتكلم، أو منتج الخطاب هنا هى هوية تجريبية، أو مرجع شخصى تجريبي؛ ومن ثم فالصوت التمثيلى للشخصية التاريخية يلتبسُ بمدلول الشخصية الفنية؛ فالصوت يجمع بين استنتاج السارد العقلى لهوية كينيدى السردية، وستعيده ضمن متوالية من الوظائف السردية الآنية التى تُحيلنا إلى وجود حوارية حلمية وخيالية مع الراوى/ الكاتب؛ بينما ارتكز خطاب الصوت التمثيلى على الغرابة الخيالية أو الفانتازيا الممزوجة بحضور الشخصية الآخر فى مرجع مكانى تجريبى/ القبر الملتبس بفضاءات الذاكرة والحلم الافتراضية فيما وراء المشهد؛ وهى حالة من الحضور تشبه نماذج الخيال الأدبى العابرة للزمكانية، وتراث الواقعية السحرية، أو عبث الأرواح والأطياف فى نتاج كورتاثر وإيزابيل اللندى مثلاً؛ وقد ارتكز خطاب الشخصية التجريبية أيضاً على مجموعة من الأسئلة التى تعكس تواتر تسلسل أفعال الكلام التوجيهية؛ والتى تؤكد بنية التساؤل الوجودى والفلسفى المتكرر فى كل من الشخصية الممثلة استعارياً، وشخصية الراوى وعلاقته بمؤشرات السياق الثقافى الآنية.

وأرى أن فضاء القبر الوارد فى القصة، تواتر فى قصصٍ أخرى يمثل – فى بنية الخطاب – مرجعاً مكانياً تجريبياً، ودينامياً؛ فمع الاستقرار المكانى النسبى للقبر نجده ينفتح ويتوسع باتجاه فضاءات الماضى المحولة سيميائياً فى الوعى واللاوعى، أو يبدو فى حالة استبدال أو احتلال علاماتى بواسطة معبر مُتخيل نحو بنية حضور دائرية واسعة واستعارية فيما وراء المشهد القصصى الذى يجمع الشخصية بالأطياف الفنية.

وقد يلج السارد وعى ولاوعى شخصية طبيب المشرحة فى قصة «بصرى اليوم حديد»، ويعكس التمازج الاستعارى/ الوجودى بين صوته الطيفى الخاص، وصوت الطبيب الذى يعبر عن هويته السردية وفق استدلالات مشتركة بين الصوتين؛ فصوت الطبيب يعيد قراءة سيرته وفق علاقة حب فريدة واستثنائية مع فتاة كانت تشبه الموناليزا، بينما يعاين صوت السارد رائحة فتاته الخاصة فى خبرة افتراضية تمثيلية طيفية جديدة.

يقول السارد فى خطابه التأويلى عن طبيب المشرحة:
«أخبرنى عن حياته التى فقد لذتها مع رفيقة تشبه الموناليزا؛ كأنه كان بحاجة ليسكب أوجاعه كاملة، ولم يجد سواي. غفوت أثناء حديثه الطويل ... تحاصرنى رائحة فتاة قبلتنى ذات مرة، ثم سرقت قلبى وغادرت». ص 30.

تتقاطع – إذن – الأطياف والحكايات ومراجع الذاكرة والمراجع الفنية مثل: مرجع الموناليزا الشخصى التجريبى الذى يوحى بوجود تداخل ما بعد حداثى محتمل بين بنية الحضور والمتحف الفنى الافتراضى الذى يذكرنا بحديث أندريه مالرو عن حياة الصور الأخرى فى كتابه «المذكرات المضادة»؛ وهو ما يعكس ثيمة الإكمال بين الصوت التمثيلى للآخر وصوت الذات ضمن بنية حضور تجريبية تمتد فى المستقبل.

وقد يستعيد السارد صوته الذاتى الاستعارى المحتمل، وصوت الآخر التمثيلى أيضاً ضمن سياق تجريبى تأملى فى قصة «ماركيز يصفق بحرارة» ؛ إذ يجمع بين فاعلية أطياف الماضي؛ مثل طيف نيرودا، وطيف هيمنجواى فى تجليه التمثيلى الأخير والاستعارى المتكرر فى منطق الحلم، واستبدالاته السيميائية؛ وينشئ حوارية خيالية متجددة حول الشخصيات الأدبية ودينامية الوعى بها عبر السياق الجمالى التجريبى الآني، والذى تتقاطع فيه الأخيلة، والأحداث الدرامية التى تقع بين النصوص، والسير الذاتية التاريخية، ومدلولها السردى التفسيري، ثم يعاين ذاته مثل طائر يعاين الشمس والفضاء، ويعاود الطيران فى فراغٍ مكانىٍ يشبه الصحراء.

وأرى أن هذا المشهد الحلمى/ التأملى ينطلق من عودة أطياف الماضى كمدخل استعارى للتأملات الذاتية المكانية التجريبية الموسعة والتى توحى بنوع من خلاص الوعى فى التخييل والفانتازيا الكونية أو التجريدية التى تتصل بكل من أطياف التاريخ، وتفاسيره الاستعارية، ومؤشرات السياق الثقافى للشخصية، واستنزاف تلك المؤشرات السياقية نفسها فى العوالم والفضاءات المكانية الموسعة والمُحتملة فيما وراء بنية الحضور النسبية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة