عادل القليعي
عادل القليعي


عادل القليعي يكتب: رزاق.. وضيق فى الأرزاق كيف؟!

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 08 مارس 2024 - 10:40 ص

بداية لابد أن نطرح سؤالا قد يكون مهما من وجهة نظري على الأقل، هذا السؤال يدور حول كيف يكون الله تعالى رزاق ورزاق على وزن فعال وفعال يعني استمرارية فى الرزق دونما انقطاع، وكيف يكون هذا الضيق الذي نراه فى الأرزاق.؟!

كيف يكون تعالى متكفلا بأرزاق المخلوقات جميعها من بشر وشجر وحجر ونبات وحيوان ، حتى الجآن والحيتان فى البحار.

ويضيق على أرقى مخلوقاته الإنسان ، الذي هو في منزلة عند الله أرقى من الملائكة.؟!

لماذا كل هذه المعاناة التي يعانيها الإنسان فى الحياة ولماذا هو فى كبد ونصب وشقاء على الدوام ومن مظاهر شقاؤه ضيق الأرزاق ؟!

هيا لنتعرف أولا على مفهوم الرزق ، مفهوم الرزق بعيدا عن تعريفات القواميس والمعاجم ، كل ما يسوقه الله تعالى للإنسان من أمور يضمن من خلالها بقاؤه ويستطيع من خلاله التواءم والتوافق مع بني جنسه على المستوى العام ومع ذاته على المستوى الخاص، أما على المستوى العام كل ما يعطيه الله تعالى للإنسان من نعم تجعله دوما حمادا شكارا ينظر إلى ما دونه فيقول الحمدلله ويشكر، وينظر إلى ما فوقه فيصبر ويطلب من الله المدد والعون ليحقق ما يصبو إليه.

أما على المستوى الشخصي، فما يعطيه للإنسان مثلا من بسطة فى العلم والجسم وراحة عقل تميزه على غيره من بني جلدته فيحمد الله على ذلك ويواظب مستمرا فى الحمد لله طالبا من الله الزيادة والمعونة على المحافظة على هذه النعم ، طالبا من الله الثبات على الحمد والشكر ، دون تكبر وتأله على الله تعالى مقرا ومعترفا بنعمه مثلما قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (شاكرا لأنعمه)، ومثلما قال على لسان التعيس قارون (إنما أوتيته على علم عندي) فالذي يعطيه الله المال ويبسط له فيه فليؤد حقه ويحمد الله تعالى، والذي يعطيه الله بسطة فى الجسم فلا يستغلها في معصية الله تعالى والافتراء والتجبر على عباد الله تعالى فالذي أعطاك قادر على أن يسلبك ويمنعك هذه النعم .

بل ويستغلها فى طاعة الله اغتنم خمسا قبل خمس منهم صحتك قبل سقمك.

وكذا الأمر بالنسبة للعلم فالعلم سواء العلم الشرعي أو العلم الدنيوي كلاهما رزق من الله تعالى فينبغي على أهل العلم ألا يتاجرون بعلمهم ويؤدون زكاته عن طريق دروس العلم والمحاضرات والندوات المجانية ابتغاء مرضات الله تعالى ، وألا يبخل معلم على تلاميذه وطلبته بمعلومة ولا يمنعها ويحبسها عنهم فيحبسه الله تعالى فى الدنيا بأي أمر ينغص حياته أو يتركه ، ويحبسه مقتصا منه يوم القيامة فيقول الله له وهبتك علما ماذا فعلت به ، لا أقول أن يتبرع بكل وقته فهو بشر وله متطلبات حياته وأسرته ولكن لا يغالي ويجعل جزءا من وقته حسبة لله تعالى.

أنواع الرزق، العلم النافع رزق، الولد رزق (الصالح والطالح، كيف ؟! سنرى)، الزوجة الصالحة والطالحة، المال رزق، الابتلاءات رزق من الله تعالى، الجار الصالح والطالح رزق ، حب الناس رزق من الله تعالى ، الصاحب رزق منه جل وعلا، رجاحة العقل ونقصانه رزق من الله.

هيا نحلل أنواع الأرزاق، العلم تحدثنا عنه، الأولاد رزق من الله تعالى ، عندما نسمع ونتلو قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فالمال والولد زينة تزدان بهما حياة الإنسان ، الولد الصالح الطائع الخلوق المهذب البار بوالديه الناجح في دراسته، التقي ، الملازم والمواظب على الطاعات ، فهذا رزق من الله تعالى ، أما الولد الطالح ، فرزقه فى الابتلاء ، فقد يبتلى الأب بولد مثل هذا الطالح ينغص عليه حياته ويبذل قصارى جهده في تهذيبه وتربيته وإعادة تأهيله ليصبح عضواً نافعا لنفسه ولمجتمعه ، فصبر الآباء والأمهات على أمثال هؤلاء رزق من الله تزيد في حسناتهم وتثقل موازينهم فى الآخرة ورزق فى الدنيا عندما ينصلح حالهم سيستشعرون بعظمة آبائهم وما قدموه لهم.

كذلك بالنسبة للزوجة والزوج الصالحين كلاهما رزق للآخر ، فالزوج الذي يتقي الله فى زوجه ويعاملها معاملة حسنة طيبة فهو رزق لها ساقه الله تعالى ، والزوجة بالنسبة لزوجها ودودة ولودة محبة طائعة لزوجها فهي رزق له من الله تعالى.

الجار الصالح رزق أيضا من الله قد يكون جاره فى مسكن أو في عمل أو حتى فى صلاته مجاور له فى الصف فهو رزق من الله تعالى ، يسأل عنه إذا تغيب، ويعوده إذا مرض، يبره ويكرمه ويوده ويعطف عليه حتى لو بالكلمة الطيبة ، وكذلك الصبر على الجار الطالح رزق يسوقه الله للإنسان وقد يدخله الجنة أو قد يهديه الله على يديه ، فالرجل الصالح مواظب على الصلاة والطالح لا يواظب عليها ، ينزل الصالح يطرق بابه للصلاة ينهره ويضربه ، يجلس على درج المنزل يبكي ، يخرج الطالح يجده يبكي ينفطر قلبه على جاره ويقسم ألا يفوت وقتا من أوقات الصلاة.

أما حب الناس فهو أعلى مراتب ومنازل الرزق ، فحب الناس كنز لا يفنى ، ما أجمل الحب فى الله ، رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.

والصاحب رزق من الله تعالى سواء الصالح أو الطالح ، صالح يقودك إلى الصلاح ، طالح تقوده وتقومه وتوجهه إلى الخير وتنهاه عن الموبقات.
أما رجاحة العقل فهي نعمة عظمى من الله تعالى العقل الراجح الحكيم الذي يتعقل قبل أن يقدم على فعل شيئ

ونقصان العقل أيضا رزق من الله تعالى لمن يتعرض في معاملاته مع أمثال هؤلاء فبالصبر عليهم يكون الأجر والثواب ، أليست كل هذه الأمور أرزاق من الله تعالى ، يعطيها للإنسان على قدر طاقته وسعة صدره ومدى تحمله.

عندما سئل الإمام الغزالي رحمه الله عن حقيقة الرزق ، قال هناك خيرات توفيقية ساقها الله لنا سوقا ومنها الأرزاق ، وهي خيرات توفيقية كالصحة والمال والولد والعلم ، وما إلى ذلك من خيرات لا دخل للإنسان فيها.

وقال ، أن الأرزاق موجودة بالقوة في عالم الذر ، ثم تتحول من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل بعدما يسوقها الله للإنسان حال ولادته وتكبر معه وبتوفيق من الله ومعونته ينميها له إذا صانها وأعطى منها كل ذي حق حقه فمثلا المال مثلا (وانفقوا من مال الله الذي آتاكم).

وهذه الفكرة بناها الغزالي على أساس من فكرة القوة والفعل الأرسطية ، إلا أنه صاغها صياغة إسلامية.
مفاد القول هنا أن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين يعطى ويمنع ، يبسط ويقبض على قدر طاقة الإنسان مصداق لقوله تعالى وهو العليم بحالنا (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر ) ، فهناك الغني وهناك الفقير ليبتلي الغني بالمال ويمهله ماذا سيفعل بهذا المال ، ويبتلي الفقير بالفاقه ، ليرى هل سيصبر أم يجزع.

ولنا فى ما ذكره الحسن البصري فى هذا الأمر القدوة والأسوة الحسنة ، علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمئن قلبي.

فأرزاقنا وأقواتنا مقدرة من الله ، فلا نجزع من ضيق الرزق ولا نفرح ببسطه أيضا ، فكلاهما ابتلاءات من الله ، وما الدنيا إلا مزرعة الآخرة.

يقول تعالى (وفى السماء رزقكم وما توعدون)

فعلينا جميعا السعي الحثيث والاجتهاد في طلب الرزق والمواظبة على السعي وطرق الأبواب وعدم التواكل والاكثار من الاستغفار فبالاستغفار تقضى الحوائج ، فمن أراد رزقا حلالا فعليه بالاستغفار ، ومن أراد ولدا فعليه بالاستغفار ، ومن أراد الجنة فعليه بالاستغفار مع أخذ أسباب الرزق وطلبه.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة