منى الشيمى
منى الشيمي: الأدب التسجيلي لم يأخذ مكانه بعد في مصر
السبت، 09 مارس 2024 - 02:19 م
نجحت الكاتبة منى الشيمى فى فرض اسمها كواحدة من المبدعات القلائل المخلصات للكتابة. تنوعت أعمالها بين القصة والرواية، فلها ثلاث مجموعات قصصية وخمس روايات، بالإضافة إلى سلسلة كتب وثائقية للأطفال عن مصر القديمة، وفى روايتها الجديدة » يوسف كمال فى رواية أخرى» تنتقى فترة زمنية حافلة بالأحداث فى تاريخ مصر، لتنسج بعناية خيوط عمل بديع.
حول روايتها الأحدث، والأسباب التى دفعتها لاختيار شخصية الأمير يوسف كمال تحديداً، وروايتها القادمة عن الصعيد، ورأيها فى مصطلح «الأدب النسوي» كان لنا معها هذا الحوار..
لماذا اخترت شخصية "يوسف كمال" تحديدا على الرغم من وجود شخصيات أخرى فى الأسرة المالكة أكثر ثراء بالتفاصيل؟
كان يوسف كمال «أفندينا» نجع حمادي، مسقط رأسي، والمدينة التى عشت فيها 43 عاما قبل أن أنتقل إلى الغردقة ومنها إلى القاهرة. يتواجد هذا الأمير بقوة فى الذاكرة الجمعية، تكرار حكاياته فى أمسيات السمر حول مناقد الفحم فى الشتاء، ونور القمر ونسمات الليل فى الصيف، عبر الأجيال المتتابعة، أدى بها إلى الأسطرة.
اقرأ أيضاً | مصطفى عبيد: أكتب التاريخ الجاف بلغة الأدب الجذابة|حوار
والأسطورة كما يعرفها الباحثون، هى قصة يظل جزء منها ثابتا، أما الجزء الآخر فيتغير مع تغير الظرف السياسى والاجتماعي، وثقافة من يحكيها، وأشياء أخرى. سيرة يوسف كمال هى جزء من سيرة نجع حمادي، وأحد الأبواب للدخول إلى سيرة مصر. البحث عنه الآن، بشكل ما، كان بحثا عما آلت إليه مصر أيضا.
خلاف شغفى لفض سر فترة الملكية بطريقتى بعيدا عن كتب التاريخ الرسمي، تحديدا ما تقاطع من فترة الملكية مع بدء الحياة العصرية -كما أطلق عليها- بداية القرن العشرين. تناول الحياة فى تلك الفترة كان أشبه بالتقاء البحرين، البحران هنا هما: حياة القصور من أمراء وجوار وأغوات، وحياة المنفتحين على الثقافة والفنون، تلك الأجيال التى تعلمت على يد المبتعثين الأول، من أرسلهم الباشا محمد على إلى أوروبا، هذه لحظة فارقة فى تاريخ المجتمع المصري.
لاحظت حيادك التام فى سرد الأحداث.. هل من حق المؤلف أن ينحاز إلى وجهة نظر معينة؟
لأصارحك هنا؛ بدأت رحلة البحث عن يوسف كمال برغبة صادقة فى إنصافه. ذكرت فى سيرته ما يشاع عنه- فى نجع حمادي- أنه كان يقيم كرنفالات للعمد والمشايخ، يضع خدمه عملات فى أطباق ممتلئة بالدقيق، ثم يطلب منهم البحث عنها بأنوفهم أمام ضيوفه الأجانب، وأنه عربيد، أحب فتاة من الغجر: وداد، رفضته فجن جنونه. حتى ألف الناس هناك له الأغاني، وأشهرها: «على حسب وداد قلبي». مع البحث، وجدت أن هذه الأغنية من التراث المصرى قبل يوسف كمال بزمن طويل، حتى أن محمد أفندى العربي، من أشهر مطربى الفن البلدي، كان يغنيها فى الشوادر منذ مطلع القرن العشرين، وسجلها للتوثيق ضمن اسطوانات مؤتمر الموسيقى العربى الأول، بعناية الملك فؤاد 1932. وأن ما أشيع عنه مصدره الصحفي: «جليل البنداري»، وكان تخديما لنظام جديد بعد التخلص من الملكية.
يحدث هذا فى أى مكان وزمان. لكننى مع مواصلة البحث والوصول إلى الوثائق والمصادر، تشكلت الرؤية التى بنيت على السيرة. فأخلصت لها. وأجدنى بحاجة إلى قول إنه ليس بالضرورة أن يكون ما توصلت إليه حقيقياً، لهذا أسميت السيرة: «فى رواية أخرى». للمتلقى مطلق الحرية فى قبولها أو رفضها، الأهم بالنسبة لى هو أنها منطقية على ضوء ما قدمته من وثائق.
لم أكره يوسف كمال أو أحبه، فى البداية شعرت أنه يهرب مني، لا يريدنى أن أصل إليه! كنت مندهشة، إحساس الاختناق لم يكن يفارقني، كأنه يطوق رقبتى بيديه. فى لحظة استسلم.. هذا ما شعرت به.
هل أضفتِ شخصيات من خيالك إضافة إلى الشخصيات الحقيقية؟
لم أختلق شخصيات داخل هذا العمل، باستثناء الشخصيات الديكور كما يطلق عليها بورخيس. ثمة فرق بين حكى الحدث نفسه فى مصداقيته، وطريقة حدوثه، ليس ثمة أهمية- بالنسبة لي- بين أن تأتى إلى القاهرة بالقطار، أو بالطائرة، الأهم أنك جئت القاهرة. هذا هو الفرق. يوسف كمال تبرع لبناء مستشفى عائم لجرحى الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى، هذه حقيقة، هل ذهب بنفسه ليقدمه؟ أم أرسل سكرتيره؟ كان الأهم هو لماذا؟
دائما عندما تكتب المرأة إبداعا يكون الحضور الأنثوى فيه أكبر لكن روايتك ليست كذلك ما السبب؟
لم أتعمد هذا، الموضوع حتم الحالة برمتها. قيل لى ذلك بعد رواية «وطن الجيب الخلفي»، كان البطل رجلا، والموضوع: سرقة الآثار المصرية وتزييف التاريخ، المعادل لفكرة روايتى كان حياة يهود جزيرة إلفنتين/ أسوان، فى القرن الخامس قبل الميلاد. وفى سيرة يوسف كمال، كانت الحالة نفسها. إن كنت ترى هذا، فلعلى بها أقنع النقاد بقدرة المرأة على الكتابة فى أمور أخرى غير العواطف وقهر المجتمع لها، وطلاء الأظافر، الموضوعات التى يقولون إن الكاتبة/ المرأة لا تخرج عنها.
هل تؤمنين بمصطلح "الأدب النسوي"؟
أنا ممن يؤمنون أن ممارسة الأدب فى حد ذاتها فعل ثورى ينفى نظرية التجنيس. فى الوقت نفسه لست بالتعنت الذى لا يجعلنى أقول إن هناك سمات تميز أدب الأنثى، لكن داخل الإطار الإنسانى العام. وكثير ما نجح الكاتب الرجل فى تقديم العالم من وجهة نظر أنثوية، والعكس صحيح. الحقيقة لا أعطى أولوية كثيرا لهذه المصطلحات الجدلية.
لماذا لا تحقق الكاتبات الشعبية التى يحققها الكتّاب الرجال رغم أنهم نفس المستوى تقريبا؟
فى هذه الآونة، يقع عبء تدبير أمور الحياة على عاتق المرأة، خارج البيت وداخله، فكيف تريدونها أن تبدع بالكم والكيف نفسه؟ يكفيها الحمل والولادة، الرضاعة.. دورة الهرمونات التى تقلب مزاجها وصحتها رأسا على عقب مرتين فى الشهر الواحد. مع هذا ما حققه الكثيرات منهن- مع هذه الظروف- يجعل الأمر متوازنا.
ألا ترين أن الجزء التوثيقى به استطراد بعض الشيء؟
صحيح، وكنت متعمدة، بالقياس إلى نفسي، أحب الأجزاء الوثائقية فيما أقرأ، أوليها جل اهتمامي. سيرة يوسف كمال ليست العمل الذى يشد قاعدة عريضة من القراء. بل لمن يحبون التاريخ أولا، والتوثيق والتسجيل ثانيا. هؤلاء لن يجدوا الجزء التوثيقى فى العمل مملا. ربما الأدب التسجيلى لم يأخذ مكانه بعد فى مصر. الجزء المحكى على لسان يوسف كمال تسجيلي، حتى مع صياغتى الروائية له، رحلة بحثى فى ذاتها توثيق وتسجيل. لم يكن ثمة مهرب، لم أكن أريد الاكتفاء بالممتع على حساب الوثائقي، حتى إذا أصبح العمل ثقيلا، هذا اختياري.
كم استغرقت فى البحث قبل اكتمال صورة العمل النهائية؟
اتخذت قرار البحث عن يوسف كمال فى بداية عام 2018، سار الأمر بين جد وكسل، حتى أتممت معظم الملفات المتعلقة به فى 2021.
الكتابة لم تستغرق وقتا..
ما رأيك فى ظاهرة البيست سيللر؟ وهل تعبّر عن التواجد الحقيقى للكتاب؟
ربما لن تصدق، أنا لا أقرأ الكثير من الروايات، أهتم بالتاريخ فى كافة صوره، وليس التاريخ السياسى فقط، عالم الحيوان، ولا أتابع الحركة الأدبية إلا قليلا. أنا ممن يطلقون عليهم كاتبة من منازلهم، لهذا لا يعنينى البيست سيلر، أو الجماهيرية، وليس لى رأى فيهما، وإن كنت أتمنى أن أستمتع بهما. الأكثر سحرا بالنسبة إلى هو وقت الكتابة، لا يوازيها إلا لحظة الفوز، وارتفاع الدوبامين.
أنت صائدة جوائز.. لماذا ينجح دون كتّاب دون آخرين فى ذلك من وجهة نظرك؟
لم أتعمد صيد الجوائز، لهذا افترض أن العمل الجيد يفوز، ولا أستبعد وجود أسباب أخرى، لم تخطر على بالي، أدت إلى فوز أعمال ضعيفة أو أقل من أعمال أخرى شاركت. نحن فى عصر انهيار قيمى وثقافى وأخلاقي... إلخ. والأكثر رعبا أن الثقافة تم تسليعها.. مع التكريس للتفاهة.
ما مشروعك الإبداعى القادم؟
أكتب رواية عن قرية فى الصعيد.. لكننى بطيئة، مثل ألبير قصيري، أكتب جملة كل يوم، إن لم أحذفها فى اليوم التالي، أقوم بتعديلها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة