مسلسل الحشاشين
مسلسل الحشاشين


«الحشاشين» في التاريخ.. هذه هي عقيدتهم (2)

محمد الشماع

الإثنين، 18 مارس 2024 - 10:34 م

لم يكن قد مرت سنوات قليلة على وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى حدث الانقسام بين المسلمين، أولها كانت الردة وحروبها التي قادها الخليفة الأول الصدِّيق، أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وثانيها كانت أزمة الخلافة بعد حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، بين شيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ومعاوية بن أبي سفيان وبيت بني أمية الذي ينتمي إليه.
استمرت الخلافات في القرن الهجري الأول، وظهرت الجماعات والحركات السياسية والدينية، واغتيل الإمام الحسين ابن علي بن أبي طالب (سيد شهداء أهل الجنة) وبعض من قومه، وزاد التعاطف لعلي وبنيه، لتتنامى الحركة الشيعية في بلدان المسلمين.
ويختلف الشيعة عن أهل السنة والجماعة، أن الشيعة أدخلت بعض السمات غير المقبولة عند عموم المسلمين السنة، وهي تقديس الأئمة والدعاة، واعتبارهم معصومين وقادرين على الإتيان بمعجزات.


كان الشيعة في هذا الوقت يعتبرون علي بن أبي طالب هو الإمام الأول، ثم الحسن، فالحسين، ثم علي زين العابدين بن الحسين، فمحمد الباقر، ليأتي من بعده الإمام جعفر الصادق، سادس الأئمة الشيعة، والذي رحل عام 765 ميلادية، حيث كان له ابن أكبر، وهو إسماعيل، ولأسباب ليست مجالها، حُرم من خلافة أبيه كإمام للشيعة، على حساب الأخ الأصغر وهو موسى الكاظم، المعروف عند الشيعة بالإمام السابع، ليأتي من نسله الأئمة الاثني عشرية الباقين، حتى محمد المهدي.


أما إسماعيل ونسله ومن تبعه، فأسسوا مذهباً شيعياً آخر أطلقوا عليه اسم «الإسماعيلية»، وعملوا في الخفاء لفترة طويلة، وجنحوا قليلاً إلى الفلسفة الأفلاطونية، لكنهم احترموا القرآن والسنة، إلا أن أساس عقيدتهم قامت على فكرة مساندة المظلوم، والعمل من أجل إقامة مجتمع عادل.
الإمام في المذهب «الإسماعيلي» هو مركز النظام وصورة مصغرة لروح الكون، وكل دائرة تبدأ بإمام أكبر، وحوله أئمة صامتون أو مستترون، ورغم احترامهم للقرآن هذا، إلا أنهم كانوا يفسرونه بشكل رمزي دائماً، أو ما يسمى بـ«تأويل الباطن»، ومنه اشتقت لفظ «الباطنية»، إحدى المسميات التي أطلقت على الشيعة الإسماعيلية.


ظلت الدعوة الإسماعيلية تعمل في الخفاء لنحو قرن ونصف من الزمان، وظلت تزيد من أتباعها في الأقاليم الإسلامية، حتى زحف الضعف على خلفاء الدولة الإسلامية العباسية، ما نذر بانهيار تلك الإمبراطورية، لتبدأ الدعوة الإسماعيلية في الإعلان عن نفسها بالمغرب العربي، بل وتقدموا بقوة شديدة ليحكموا قبضتهم في سنوات قليلة على معظم بلاد المسلمين تقريباً، وكونوا أسرة حاكمة جديدة وريثة للدولة العباسية أسموها بـ«الدولة الفاطمية»، بدعوى نسبها إلى فاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وسلم).


في هذا الوقت حاولت الدولة العباسية أن تعيد الأمور إلى نصابها من جديد، وأن تستجمع قواها، مرة في دول المركز (الحجاز والعراق)، ومرة أخرى في بلاد أصفهان (في إيران)، التي قويت فيها دولة سنية قوية اسمها «السلاجقة»، نسبة إلى بني سلجوق، وهم جماعة من قبيلة «قنق» التركية، استطاعت أن تخضع وسط آسيا كلها لنفوذها.
إذن كانت هناك دولة فاطمية قوية، ودويلات عباسية تحاول أن تكون قوية، في حين كان يهدد العالم الإسلامي كله حملات صليبية تفكر في الزحف إلى المنطقة.


في كل هذا الأمر ظهر الحسن بن الصباح، الرجل الألمعي الذكي. ظهر في أصفهان، كان يؤمن بالمذهب الاثني عشري، وفقاً لما رواه الجويني في مؤلفه الأشهر «تاريخ فاتح العالم»، ولكنه تحول إلى الإسماعيلية في شبابه. وبما أنه إسماعيلي، يعيش في دولة سلجوقية سنية، كان مطارداً من السلطة، وهو ما يفسر هربه من أصفهان إلى مصر، حيث مركز الدولة الفاطمية. التي كانت حينها تعيش أتعس فتراتها وأكثرها انقساماً، في عهد الخليفة المستنصر بالله، الذي أرسل إلى بدر الدين الجمالي، أمير الجيوش، وحاكم عكا العسكري، للحضور، ليأخذ بزمام الأمور. وسرعان ما حضر الجمالي، وصار السيد الأول لمصر.


حدثت الشدة المستنصرية، ومات الخليفة المستنصر، وكان خليفته هو الأزمة. فالمستنصر كان له ولدان، الأول هو نزار، الأكبر والأقوى والأكثر نضجاً، والثاني هو المستعلي الذي تزوج من ابنة بدر الدين الجمالي، فكان طبيعياً أن يعلن الرجل الأقوى، الجمالي، انحيازه لزوج ابنته، المستعلي، الذي سانده حتى يصبح خليفة لوالده.
هنا لحظة انقسام شديدة عاشتها الدعوة الإسماعيلية، أو الدولة الفاطمية، أو الباطنية، وهي انقسام آخر فيها، بحركة نزارية، نسبة إلى نزار ابن المستنصر، الذي فر إلى الإسكندرية، وقام بثورة محدودة، استطاع الجمالي بسهولة أن يخمدها، ليموت نزار، وتعيش دعوته مع الحسن بن الصباح، الذي قرر في هذا التوقيت الانحياز التام للإمام الراحل، نزار، وهو ما دفع الجمالي إلى إبعاده عن مصر، فعاد إلى بلاده من جديد، تاركاً غليانا كبيراً يحدث في مصر بين أتباع الدعوة النزارية التي بدأت في الاتساع، حتى أن كثيراً من أتباع الخليفة المستعلي صاروا ضده، وانضموا للنزاريين. بينما كان الحسن بن الصباح يبشر بتلك الدعوة في بلاده أصفهان.


ويقال في بعض المصادر أن لنزار ابناً استطاع الحسن بن الصباح أن يحميه وأن يخرج به من مصر، وأن يخفيه في قلعة آلموت، التي عاش فيها أغلب حياته، باعتباره حامي الوريث الوحيد للدعوة، التي أخذت في الازدهار، بينما أخذ الضعف والوهن يدب في أوصال الدولة الفاطمية المركزية في مصر، فكان ابن الصباح هو السبيل الوحيد لتقويتها من جديد.
ولكن هل استطاع الحسن بن الصباح حماية الدعوة الإسماعيلية؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة