أيمن موسى
أيمن موسى


أيمن موسى يكتب: روسيا ترسم الطريق إلى المستقبل.. والغرب يفقد «البوصلة»

آخر ساعة

الخميس، 21 مارس 2024 - 07:15 م

■ بقلم: أيمن موسى

على مدار الفترة من 15 وحتى 17 مارس الجاري، أجريت في روسيا الانتخابات الرئاسية التى ربما لا يختلف الكثيرون فى الرأى على اعتبارها بمثابة نصر جديد تحققه روسيا فى صراعها مع الغرب حفاظا على مصالحها وسعيا لتأكيد وضعها على الساحة الدولية.

فعلي الرغم من انشغال الدولة الروسية فى الصراع مع أوكرانيا وهو الصراع الذى ظن الغرب أنه سيلهى روسيا لفترة طويلة عن قضايا ومسيرة التنمية والتقدم إلا أنها أعطت المثال الحى والقوى على مواصلة بناء مختلف أركان الدولة وتنمية الاقتصاد بل ورسم طريق التقدم نحو المستقبل بثقة كاملة، كما أن الحرب لم تشغل روسيا عن التفاعل مع العالم الخارجى حيث حرصت مؤخرًا على سبيل المثال على تنظيم ما اعتادت عليه منذ الاتحاد السوفيتى السابق وهو تنظيم مهرجان عالمى للشباب من أجل تعزيز التفاهم المتبادل مع العالم الخارجى والاستفادة من فرصة تواجد عدد ضخم من أبرز ممثلى الشباب من مختلف دول العالم لتقديم الصورة التى ترغب فى توصيلها للعالم عن الحياة فى روسيا ومواقفها.

ومن تابع فعاليات هذا المهرجان على مدار أسبوع كامل سوف يكتشف حالة من الانبهار والإعجاب انتابت كل من شارك في هذا المهرجان بما في ذلك الوفد المصري الذي ضم نخبة منتقاة بعناية من الشباب المصري الذين أشادوا بالتنظيم الرائع من جانب روسيا للمهرجان وبطبيعة الحال سوف يعود أولئك وهؤلاء إلى بلادهم ليواصلوا الحديث عما عايشوه في روسيا ويعكسوا حالة الانبهار بها إلى أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم وهو ما يعتبر نصرًا جديدًا لروسيا يضاف إلى نصرها ليس فقط على ساحة الصراع المسلح بل وعلى ساحة الإعلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية والأهم من ذلك هو مواصلة حركة الحياه بشكل طبيعي رغم ظروف الحرب.

◄ نتيجة محسومة
والواقع أنني لا أجد حاجة للحديث عن الانتخابات الرئاسية في روسيا أو التوقعات بشأن من سيفوز بها حيث لا أجد أي مبرر للشك في أن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين سيفوز في هذه الانتخابات وبنتيجة عالية، وهذا الفوز لن يرتبط بأي حال من الأحوال بأي نوع من التلاعب فبوتين لا يحتاج من أجل تحقيق الفوز لأية ألاعيب ترتبط بالانتخابات وهذا ما أكدته استطلاعات الآراء على مدار الأشهر الأخيرة حيث أكدت الارتفاع الساحق لشعبية بوتين وربما أكثر من أي وقت سبق، فبوتين خلافًا للكثير من زعماء الدول في الشرق والغرب حقق لشعبه منذ توليه للسلطة الكثير، فقد استعاد للدولة الروسية وضعها وهيبتها على الساحة العالمية رغم المقاومة الشرسة من المنافسين، كما أنه رفع من مستوى معيشة المواطن الروسي بشكل ملموس وبالشكل الذي جعل عشرات الدول تتنافس على اجتذاب السائح الروسي الذي أصبح بحق على قمة قائمة السائحين المرغوب في اجتذابهم، والاقتصاد الروسي يشهد معدلات نمو عالية وثابتة حتى في أحلك الظروف التي تجبر الدول على التقشف والانكماش، والدولة الروسية تفكر في مواطنيها بشكل عميق حتى في ظل ظروف الحرب وانعكس ذلك مستوى المعيشة في ظل ظروف الحرب حيث حرصت الدولة الروسية على الحفاظ للمواطن الروسي على نمط حياته الطبيعي رغم ظروف الحرب ومن حالفه الحظ للتواجد في روسيا منذ اندلاع الحرب سوف يلاحظ أن الحكومة الروسية وفرت للمواطن غالبية احتياجاته بذات الأسعار قبل الحرب وبالشكل الذي يجعله لا يشعر بتغييرات جذرية في حياته بسببها.

◄ اقرأ أيضًا | لجنة الانتخابات الروسية تُعلن النتائج الرسمية وحصول بوتين على 87.28 بالمائة من الأصوات

◄ روسيا جديدة
وليس أدل على أن مستوى المعيشة في روسيا أفضل من الكثير من الدول المتقدمة من أن معدلات طلب الجنسية الروسية تتزايد بشكل مطرد حتى بعد اندلاع الحرب وتفاقم التنافس بين روسيا والغرب والأكثر من ذلك والجديد هو أن من يسعون لاكتساب الجنسية الروسية ليسوا فقط من دول العالم الثالث بل هناك عدد غير بسيط من الدول الغربية المتقدمة بما في ذلك وسط مشاهير الفنون والأدب وكذلك السياسة.

شعبية الرئيس الروسي لا ترتبط فقط بما قدمه لشعبه منذ توليه للحكم ولكنها ترتبط أيضاً بما أصّله في الدولة من قيم جعلت روسيا تتحدث بحق عن امتلاكها لنمط حياة خاص بها، وهو الشيء الذي كانت الولايات المتحدة تفتخر به لنفسها من حيث نمط الحياة الأمريكي الذي ينبغي أن يقتاد به الجميع في العالم لتحقيق النجاح، ولكن اليوم يقدم الروس هم أيضا نمطهم في الحياة حيث نلمس لديهم مجموعة من القيم التي أقل ما يقال عنها أنها تستحق الإعجاب والتقدير بما في ذلك «حرية العقيدة» حيث كفلت الدولة الروسية في ظل الرئيس بوتين حرية العقيدة وشعائرها دون تدخل من أحد مع توفير كافة الظروف والإمكانيات التي تسمح بممارسة الشعائر بكامل الجرية وبالشكل الذي لا يمثل مضايقة للآخرين، ويكفي أن نتذكر بأنه في وقت سابق كان الإفصاح عن الانتماء للإسلام أو ارتداء الحجاب يمثل خطورة مباشرة على صاحبه في روسيا ولكن اليوم أصبح من دواعي الفخار ولا يخشى المسلم أو غيره من معتنقي الأديان من الإفصاح عن انتمائهم العقائدي لأنه يشعر بالأمان والحماية ليس فقط من جانب السلطات بل ومن جانب المجتمع ذاته وهذا هو الأهم، وفي السابق كان الروس يشتهرون بالمبالغة في احتساء المشروبات الروحانية ولكنهم اليوم يشتهرون بممارسة الرياضة والحفاظ على صحتهم حيث انعكس ذلك على متوسط الأعمار وأصبحت روسيا تسجل واحداً من أعلى معدلات الارتفاع في متوسط الأعمار في أوروبا، وهناك قيمة العمل والتعلم حيث أعطت روسيا المثال الحي لأهمية التعليم والثقافة وأصبحنا نرى المواطنين في روسيا لا يكتفون بشهادة واحدة أو مهارة واحدة بل يواصلون تطوير مهاراتهم حتى المشيب وذلك ينعكس على فرصهم في الحصول على العمل المناسب وتوفير مستوى المعيشة الذي يرغبون فيه، وهناك قيمة الشعور بالأمن والأمان ففي السابق كانت روسيا تشتهر بالمافيا وجماعات الجريمة وعدم القدرة على الخروج إلى الشوارع في ساعات متأخرة وحتى عدم الشعور بالأمن داخل المنازل وكان الروس يحصنون أنفسهم بالأبواب المصفحة ولكن الصورة اليوم تبدلت كثيرا وأصبح المواطن الروسي والأجنبي يشعر بالأمن الكامل في أي مكان في هذا البلد، كما أن روسيا وربما هذه من أهم القيم التي حققتها في السنوات الأخيرة قد اكتسبت ثقة ومصداقية عالية جداً على الساحة الخارجية حيث تعتمد في خطابها مع العالم الخارجي على الحقيقة والشفافية والاحترام المتبادل وهو ما ساعدها في الانتصار على الماكينة الإعلامية الغربية الهائلة والتي أظهرتها روسيا بشكل ضعيف للغاية ولم تتمكن ماكينات الإعلام الغربي مجتمعة من مجاراة الماكينة الروسية التي ارتكزت على وسيلة واحدة ولكن قوية وعصرية وهي مؤسسة « روسيا اليوم».

◄ الانطلاق
وهناك جانب آخر عزز من ثقة العالم الخارجي في روسيا ولا أتحدث هنا فقط عن العالم الثالث أو عالم الجنوب والفقراء بل والعالم المتقدم بما في لك الغرب ذاته، حيث إنه على الرغم من الحصار الذي يفرضه الغرب على روسيا إلا أنها تمكنت من تحقيق الكثير من المنجزات العلمية بما في ذلك في مجال تعويض الاستيراد وأصبحت تهتم بتوسيع قاعدة الاعتماد على المنتج المحلي في أغلب المجالات وتوفير مستلزمات الإنتاج داخليا للحد من الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، وهنا نتذكر جائحة كورونا عندما كانت روسيا في مقدمة الدول التي قدمت المصل ولم يكن مصلا واحدا بل العديد من الأمصال لمواجهة هذا الشر الذي يهدد البشرية بل وكانت تقدمه للكثير من الدول بشكل مجاني، واليوم تطالعنا النشرات العلمية والطبية بتوصل الروس لعلاجات ناجحة للعديد من الإمراض الخطيرة التي عجز العالم عن التوصل لعلاجات لها حتى الآن.

لا يمكن القول بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخل التنافس الانتخابي هذه المرة معتمدا على تاريخه وإرثه من المنجزات التي قدمها ومازال يقدمها لشعبه والكثير من شعوب العالم بل إنه قبل خوض التجربة الانتخابية التي ربما تكون الأخيرة له حرص على أن يرسم ملامح المستقبل لشعبه الذي سيترك له الدولة أكثر في المساحة والسكان عنه عندما تسلمها، وبات ذلك مفهوما من خلال الخطاب السنوي الذي ألقاه بوتين أمام مجلسي برلمان بلاده في  نهاية فبراير الماضي حيث حملت الكلمة عنواناً يعبر بشكل دقيق عن المرحلة القادمة في تاريخ الدولة الروسية وهو «الطريق نحو المستقبل»، وبات واضحًا أن خطة المستقبل تقوم في الأساس على المواطن الروسي وعلى الأخص بناء الأسرة الروسية.

وقد حرص الرئيس الروسي في خطته على وضع الأسس والمحفزات التي تدفع الروس لبناء الأسر وإنجاب الأطفال والتمسك بالطابع التقليدي الطبيعي للأسرة من حيث الزوج الرجل والزوجة الأنثى والأبناء الطبيعيين بعيدًا عن الشطحات الغربية الغريبة.

كما أكد الرئيس الروسي في هذه الكلمة على أن مستقبل الدولة الروسية يعتمد على تطوير التعليم والتوسع في البحث العلمي وتوفير كافة الظروف والإمكانيات لتحقيق الهدفين وبحيث تصبح روسيا قبل عام 2030 أحد أهم المراكز العملية المتقدمة في العالم وبحيث لا تعتمد على أحد في إنتاج احتياجاتها في أغلب المجالات.

وحتى تتمكن الدولة من السير على الطريق الصحيح ينبغي أن تستند إلى قيادات وسلطات واعية لذلك شدد الرئيس الروسي على العمل على بناء النخبة الجديدة التي ستقود الدولة نحو المستقبل وأكد أن عماد هذه النخبة سيكون هم الشباب لذلك سوف تجند الدولة إمكانياتها لإتاحة الفرص للشباب للانطلاق دون حدود نحو المستقبل.

◄ رؤية جديدة
وأوضح الرئيس الروسي أنه لا توجد دولة تستطيع أن تعيش في عزلة أو نزاع مع من حولها لذلك أكد على الطابع السلمي للدولة الروسية وأنها لا تسعى سوى للعيش في سلام ووئام وطمأنينة مع الدول الأخرى وعلى الأخص الدول المجاورة لها طالما أنهم هم أيضًا لا يهددون أمنها القومي، كما شدد على أهمية إعادة بناء منظومة العلاقات الخارجية للدولة مع الاعتراف بحقيقة أن أصدقاء روسيا الحقيقيين يتواجدون في المجال الأفريقي والآسيوي وأمريكا اللاتينية وأنها على استعداد لإعادة النظر في علاقاتها مع الدول الأوروبية طالما تقوم على أساس الاحترام المتبادل وعلى الأخص السيادة في كافة المجالات.

وفي هذه الكلمة قدم الرئيس الروسي رؤية جديدة لمفهوم السيادة الوطنية، حيث أكد أن السيادة ليست فقط على المجالات الحدودية وأراضي الدولة بل إن السيادة تمتد للسيادة الاقتصادية والإنتاجية والتنظيم الداخلي والعلاقات الخارجية والسيادة في تحديد اتجاهات حركة الدولة في الحاضر والمستقبل والأهم من ذلك هو السيادة الفكرية للمجتمع.

كل ما سبق إنما يؤكد بجلاء أن الناخب الروسي عندما توجه لصناديق الانتخاب كان على ثقة تامة في أنه يساهم بنصيب ملموس في بناء مستقبله وأنه يضع بصمته الوطنية على خريطة رسم المستقبل وأنه على ثقة تامة من أن صوته هذا ليس لاختيار شخص محدد لقيادة الدولة ولكن لاختيار اتجاه الحركة والبناء في المستقبل وقبل كل شيء هو المشاركة النشطة التي تعتبر هذه الانتخابات هي أول خطوة فيها وسوف تليها خطوات غاية في الأهمية في مجال بناء النخبة القادمة واختيار من سيتولى القيادة القادمة من بينها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة