صوره موضوعية
صوره موضوعية


«الحشاشين» في التاريخ.. هذا هو زعيمهم «3»

محمد الشماع

الجمعة، 22 مارس 2024 - 08:45 م

قولاً واحداً، فإن زعيم الحركة التي سُميت فيما بعد بـ«الحشاشين» هو حسن بن الصباح. فالحركة التي كتب عنها كثير من المؤرخين والدارسين والباحثين العرب والأجانب المستشرقين، اختلفوا في معظم تفاصيلها تقريباً، لكنهم أجمعوا على أمر واحد، وهو أن زعيم الحركة، هو بن الصباح.

ورغم أن الحكايات كثيرة فعلاً حول هذا الرجل، إلا أن كتاب «تاريخ فاتح العالم» للعلامة علاء الدين الجويني هو أحد المصادر الشرقية القليلة للغاية التي تحدثت عن حسن بن الصباح معتمدة على وثيقة قيل إن حسن هو نفسه كاتبها، وهو أمر يقترب من الواقعية، لأن ما أجمع عليه المؤرخون حول شخصية حسن، فضلاً عن دعوته السياسية والفكرية، أنه كان كاتباً أيضاً.

 

اقرأ أيضًا | حكايات| رمضان الثمانينيات للراقين و«الرايقين».. عروض أفراح.. رقص.. ومسرح عالي الدسم

الوثيقة التي أوردها الجويني في كتابه تقول إن حسن لم يُولد في «الري» كما هو شائع، بل وُلد في مدينة «قم» الشهيرة في بلاد أصفهان، والتي تضم اليوم أكبر مزارات للشيعة. تعلم حسن في «نيسابور»، بعد أن انتقل إليها هو وعائلته، التي كانت تنتمي إلى المذهب الشيعي الاثني عشري.

لكنه في فترة شبابه انتمى عقائديًا إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي، بسبب تأثره فكرياً برموز المذهب. حسن كان أحد نوابغ عصره، وقد أظهر ذلك في فترة شبابه، فهذا ما جعله موظفاً في بلاط الدولة السلجوقية، التي كان يحكمها في هذا الوقت السلطان ملك شاه، وكان أكبر وزرائها هو نظام الملك الطوسي.

تدعي بعض الكتابات أن ثمة علاقة صداقة طفولة بين حسن بن الصباح ونظام الملك الطوسي، وهو ادعاء يستحيل عملياً ومنطقياً حدوثه، بسبب فارق السن الكبير بين الرجلين، الذي يصل إلى ما يقرب من 20 سنة، ما ينفي اشتراكهما في مرحلة تعليمية واحدة، كما أشار البعض، أو حتى علاقة صداقة منطقية بسبب اختلاف مذاهب الرجلين، حيث أن حسن شيعي بينما نظام الملك سني، ولاختلاف مكان ولادتهما في الأساس.

لكن الأكيد هو حدوث خلاف بين الرجلين في مرحلة ما، الرواية الأوروبية منطقية نسبياً في هذا الأمر، حيث تؤكد أن الخلاف دب بينهما حينما كان حسن بن الصباح يعمل في بلاط الدولة حول مهمة أسندها إليه ملك شاه، وهي «حسابات الديوان». وتقول الرواية إن حسن أظهر براعة وسرعة في إنجازها، وهو ما استدعى حقد نظام الملك عليه، باعتبار أن إجادته فيها ستقربه إلى السلطان ملك شاه، وهو أمر كان شائعاً في هذه الأزمان وهذه الظروف، ولهذا كان من البديهي أن يعمل نظام الملك على طرد حسن بن الصباح من بلاط الدولة، بل من الدولة كاملة.

ربما ألقى الطوسي عليه تهمة إيواء خارجين عن الملة والقانون في بيته، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى حد الإعدام، ولهذا خرج حسن من أصفهان التي كانت تحت السيطرة السلجوقية السنية، ناجياً بنفسه إلى العراق، ثم إلى الشام، وأخيراً وصل إلى مصر، عاصمة الخلافة الفاطمية الشيعية الاثني عشرية، التي ينتمي إليها عقائدياً حسن.

استقبل حسن بن الصباح استقبالاً كبيراً في بلاط الدولة الفاطمية، رغم تداعيات الأزمة الكبرى التي كانت تعيشها الدولة حينها، والمسماة فيما بعد بـ«الشدة المستنصرية»، لكن الخلافات ظهرت سريعاً، ولم يكن حسن بن الصباح على وفاق مع بدر الدين الجمالي أمير الجيوش، الذي انحاز هو وابنه إلى الابن الأصغر المستعلي، كخليفة لوالده المستنصر، بينما انحاز حسن إلى نزار الابن الأكبر للمستنصر، باعتباره الأكثر نضجاً وأحقية بالخلافة.
حدث الخلاف، وسيطر الجمالي على الأوضاع، وصار حسن ونزار مطاردين في مصر طوال سنوات وجوده في القاهرة، التي تشير بعض الروايات إلى أنها امتدت لثلاث سنوات، حاولا خلالها الاستقلال بالإسكندرية، لكنهما لم يستطيعا تنفيذ خطتهما.

خرج حسن من الإسكندرية، وكاد أن يدفع حياته ثمناً لموقفه، كما كاد أن يدفع حياته ثمناً لتعطل سفينته المبحرة من ميناء الإسكندرية غرباً إلى بلاد المغرب العربي. وبعد نجاته غير من مسار رحلته، فاتجه شرقاً عائداً إلى بلاده من جديد.

تجربة الإسكندرية لم تنجح، لكن حسن حاول تكرارها أخرى في بلاده، وتحديداً في قلعة «آلموت»، إحدى قلاع «جبل البرز»، حيث مكث الرجل حوالي تسع سنوات كاملة يبشر بدعوته النزارية (نسبة إلى نزار)، ويعلن استقلال القلعة عن الدولة، التي غضبت جداً من حسن بن الصباح، فصار عدوًا لها بعد أن كان عدواً فقط لنظام الملك الطوسي.

عاش حسن بن الصباح في قلعة «آلموت» أكثر من 30 سنة كملك متوج على عرشها، وقيل إنه لم يغادر بيته في القلعة إلا مرتين أو ثلاثة، وكان يعيش حياة متقشفة يقضيها في التأمل والتفكير والتخطيط والكتابة، بينما كان أتباعه يزدادون بشكل كبير، حتى قيل إن بلاد أصفهان كاملة كانت تحت السيطرة الفكرية لحسن بن الصباح.

ليس فكرياً فقط، بل كانت حركة حسن بن الصباح مسيطرة عسكرياً أيضاً، وقد بدأت استراتيجيتها بشكل دفاعي، حيث كان رجال الحركة يُحسنون الدفاع عن قلعتهم، لكن تلك الاستراتيجية تحولت إلى استراتيجية هجومية في بعض الأحيان، معتمداً على مد نفوذ حركته، حيث استطاع رجاله أن يسيطروا على الكثير من القلاع الأخرى، والكثير من المناطق حتى حدود المنطقة التي هي أفغانستان حالياً، وقد اعتمدت الحركة في هذه الاستراتيجية أيضاً على سياسة الاغتيالات، والتي كان أحد ضحاياها عدو حسن بن الصباح الأول، نظام الملك الطوسي.

بعض الروايات التاريخية تقول إن حسن بن الصباح كان وراء اغتيال نظام الملك، وهذا أمر به بعض المنطقية، باعتبار أن نظام الملك هو عدو حسن بالفعل، فيما ترجح بعض الروايات الأخرى أن السلطان ملك شاه هو من تخلص من نظام الملك الطوسي، وهو أمر أيضاً لا يخلو من منطقية، وحوادث مثل هذه تكررت في السابق بدل المرة، عشرات المرات.

بعد رحيل نظام الملك الطوسي، ومن بعده السلطان ملك شاه نفسه، عاش حسن بن الصباح فترة من الهدوء، وبدأت دعوته تتخذ منحى آخر، وبدأ مثلما تشير بعض الروايات يدوّن أفكاره ومنطقه بيده، وحاول التركيز على نشر مذهبه الديني بالتدوين.

مات حسن بن الصباح ميتة عادية، وعاشت الحركة من بعد موته لسنوات طويلة للغاية، وبينما كان يُنظر إليها من أعدائها: السلاجقة والعباسيين وأهل السنة باعتبارها قوة غاشمة باطشة باطلة تحيد عن الاتجاه الصحيح سياسياً ودينياً، كان ينظر إليها باقي فرق الشيعة باعتبارها حركة النخبة وقوتها الحقيقية ضد أعدائهم.

مات حسن بن الصباح ووقع اختياره على «برزجميد» كخليفة له، والأخير كان قائداً لإحدى القلاع التي استولت عليها الحركة، وهي قلعة «لاماسار»، حيث أتى به حسن بن الصباح وكلفه بخلافته بالحركة، وكلف «ديدار أبو علي الأردستاني» بشؤون الدعوة، و«حسن بن آدم القسراني» بشؤون الإدارة، و«كيا باجعفر» قائداً للقوات، على أن يعملوا الأربعة في تعاون حتى يظهر الإمام المستتر (نزار أو ابنه أو من يخلفهما).

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة