الحشاشين في التاريخ
الحشاشين في التاريخ


«الحشاشين» في التاريخ.. هؤلاء هم خلفاء زعيمهم بن الصباح (4)

محمد الشماع

الخميس، 28 مارس 2024 - 10:36 ص

ارتباط حركة الحشاشين بزعيمها ومؤسسها «حسن بن الصباح» منطقي وطبيعي، إلا أن الاقتراب من أفكار الحركة في التاريخ، والحكم عليها بشكل (شبه) نهائي، يحتم على الدارسين والباحثين أو حتى الجمهور القارئ أو المشاهد العادي، معرفة مصير الحركة بعد موت الزعيم والمؤسس «حسن بن الصباح». 


في مايو من العام 1124 ميلادية مرض «حسن بن الصباح»، وشعر أن نهايته تقترب، فأعد العدة لمن يخلفه، ووقع اختياره كما قلنا سابقاً على «برزجميد» الذي كان قائداً لمدة 20 عاماً لقلعة «لاماسار»، وكان «برزجميد» هو خليفة «بن الصباح» الأول، وشاركه الحكم «ديدار أبو علي الأردستاني» مكلفاً بشؤون الدعوة، و«حسن بن آدم القسراني» مكلفاً بشؤون إدارة الحركة، و«كيا باجعفر» مكلفاً بقيادة القوة العسكرية.

اقرأ أيضًا| «الحشاشين» في التاريخ.. هذا هو زعيمهم «3»

بعد مرور سنتين على ولاية «برزجميد» وموت «بن الصباح»، شن السلطان السلجوقي «سانجار» هجوماً كبيراً على الإسماعيليين، بعد أن ظل لمدة 20 عاماً مهادناً لهم، وهو ما نستطيع أن نستنتج منه أن «بن الصباح» كان على وفاق مع الدولة لهذه المدة الطويلة، وهذا ما لا تذكره صراحة المصادر التاريخية التي كتبت عن الحركة الحشاشية، ربما لنقص شجاعة أو إمعاناً لشيطنة الرجل أكثر وأكثر. المهم أن الإسماعيليين وحركة الحشاشين نفسها كانت في خطر محدق بعد هذا الهجوم.


ابن الأثير في كتابه «الكامل» يشير إلى هذه الهجمات، ويؤكد أن الدولة السلجوقية شعرت بأنه آن الأوان للقضاء على حركة الحشاشين، والمذهب الإسماعيلي بأكمله، وذلك بعد موت الزعيم المؤسس، ووكان يقف وراء تلك الفكرة الوزير «معين الدين كاشي»، وبالفعل أرسلت الدولة جيشاً كبيراً وأمرهم بأن يقتلوا كل من يجدونه على المذهب الإسماعيلي، وأن يهزموهم شر هزيمة. 


ويسجل ابن الأثير انتصارين للدولة السلجوقية على الإسماعيليين، ويسجل أيضاً أن المهاجمين استطاعوا أخذ الكثير من الغنائم البشرية والمادية، إلا أنه أيضاً يسجل انتصاراً ساحقاً للإسماعيليين في معركة بشمال أصفهان.


ويؤكد برنارد لويس في كتابه «الحشاشون.. فرقة ثورية في تاريخ الإسلام» أن انتقام الإسماعيليين من هذه الهجمات لم يتأخر، حيث استطاعوا أن يقتلوا الوزير «كاشي» صاحب فكرة الهجوم ومتبنيها، بنفس الطريقة التي قيل إن «حسن بن الصباح» دربهم عليها. 


اغتيال وزير في الدولة أمر صعب على السلطان «سنجار»، فأمر هو الآخر بشن هجوم كاسح على قلعة «آلموت» معقل الدعوة ومكان الحكم، ولكنه لم يفلح في شيء.
صار الإسماعيليون أقوى في عهد «برزجميد»، بل استطاعوا بناء قلاع أخرى، وهو ما دفع الدولة لمحاولة عقد صلح معهم. إلا أن رسل الحشاشين الذين وفدوا إلى قصر الحكم تم قتلهم من الناس، فردوا بهجمات شديدة قيل إنهم قتلوا فيها أكثر من 400 شخص، وغنموا الكثير من الغنائم.
كان «برزجميد» حاكما إدارياً أكثر منه صاحب فكر مثل «حسن بن الصباح»، وتروي المؤلفات الإسماعيلية عنه أنه كان حكيماً وشهماً حتى مع أعدائه، وقد حكم الحركة لمدة 14 سنة، حتى مات.


بعد «برزجميد» جاء ابنه «محمد»، وقد عينه وريثاً له قبل وفاته بثلاثة أيام فقط، وتذكر بعض المصادر أن الحركة الحشاشية في هذا العهد اغتالت الخليفة العباسي، الرشيد، ويقول برنارد لويس ساخراً إن قائمة الشرف في فترة حكم «محمد بن برزجميد» تضم 14 حالة اغتيال، أبرزها السلطان السلجوقي شخصياً، وكان اسمه «داود»، واغتاله أربعة فدائيين من سوريا.


مدت الحركة في هذا العهد نشاطها ووجودها إلى أماكن أخرى، توسعت وانتشرت بقوة، وصلت إلى أماكن صارت الآن جورجيا وأفغانستان، وامتدوا فكرياً إلى ما هو أوسع.


وبعد مرور سنوات من هذا الانتشار، وتحديداً بين عامي 1146 و1147 ظهر حاكم سلجوقي لمدينة الري في أصفهان، وكان اسمه «عباس»، كان هذا الرجل شرساً للغاية، طواقاً للهجوم على الإسماعيليين والحركة الحشاشية، ويقال بالفعل إنه هاجم الكثير من مناطق نفوذ الإسماعيليين، وقتل منهم عدداً كبيراً في مذابح، حتى يُقال إنه بنى أبراجاً من جماجم الإسماعيليين.


هنا كانت الحركة الحشاشية في خطر حقيقي بعد تقدم «عباس» الكبير في كل الأقاليم، عاش المذهب الإسماعيلي أياماً صعبة، وقد دفع هذا سكان قلعة «آلموت» للبحث عن خليفة آخر يعيد لهم مكانتهم غير «محمد بن برزجميد»، ليقع اختيارهم على «حسن» آخر، وهو «حسن بن محمد بن برزجميد»، والذي يُقال إنه عندما بلغ سن الحلم أبدى رغبة في دراسة وبحث تعاليم المؤسس «حسن بن الصباح».


ولكن الأب، زعيم الحركة، رفض هذا الاختيار، بل أعدم حوالي 250 شخصاً طالبوا بتولي ابنه حكم الحركة، حتى مات «محمد» ميتة طبيعية في 1162، وخلفه «حسن»، وكان حينها بعمر الـ35.


أخذ «حسن» الحركة الحشاشية إلى منطقة أخرى تماماً، فقد أعلن في أحد الأيام انتهاء العمل بالشريعة تماماً، لأن الدين قد استوفى غرضه، وقال لأهل «آلموت» بل لجموع الإسماعيليين في العالم، أن الإمام المستتر أتاه وأبلغه بهذه الرسالة، وهي رسالة أسمتها بعض كتب التاريخ «قيامة حسن بن برزجميد»! وكانت هذه الرسالة هي السبب في تسمية الحشاشين عند بعض المؤرخين الغربيين بـ«حركة الملاحدة».


قبل الإسماعيليين هذا الأمر واستقبلوه بترحاب واحتفالات كبيرة، فقد تركوا الشريعة تماماً، إلا أن بعضهم رفضه، حتى أن أحدهم طعن «حسن» وأزهق روحه، بعد أربعة أعوام فقط على خلافته الحركة.


وخلف «حسن» ابنه «محمد الثاني»، وكان شاباً في التاسعة عشرة من العمر، وكان كاتباً مجيداً، لكنه كان منحازاً أيضاً لأفكار أبيه، ولكن الحركة في أثناء حكم «محمد الثاني» لم تتعرض لأية أخطار، كما أنها لم تكن في خصومة شديدة مع أحد.


«محمد الثاني» ربما هو أكثر زعماء الحركة الحشاشية بقاءً في الحكم، فقد مات في 1210، أي أنه كان زعيماً لفترة تقارب 42 عاماً، ليخلفه ابنه «جلال الدين»، الذي استطاع أن يعيد الحركة إلى الشريعة مرة أخرى، إذ أنه لم يكن راضياً عن فكرة «القيامة» التي دعا إليها جده «حسن».


أعاد «جلال الدين» الشريعة مرة أخرى، ولكنه كان مضطرباً على الجانب السياسي، فتارة يتحالف مع السلاجقة، الذين كانوا في أضعف حالاتهم، وتارة يتحالف مع العباسيين في بغداد، لتظهر في هذه الفترة أنباء عن خروج قائد من أواسط آسيا، قاصداً غزو بلاد المسلمين، هذا القائد كان «جنكيز خان».


مات «جلال الدين» صغيراً بمرض الدوسونتاريا، ليخلفه ابنه «علاء الدين»، الذي حافظ أيضاً على الوفاق مع العالم السني المحيط به، ولكنه كان ضعيفاً للغاية، فيُقال تاريخياً إن حكم الحركة الحشاشية في هذه الفترة كان في يد النساء! ما دعا الحركة أن تعود إلى أفكار «القيامة» من جديد، أو الإلحاد بمعنى أدق.


أصيب «علاء الدين» بعد خمس سنوات فقط من حكمه بلوثة عقلية، ويقول الجويني في كتابه «تاريخ فاتح العالم» إنه دخل في صراع مع ابنه «ركن الدين خورشاه» الذي حاول الثورة على أبيه، وسانده في ذلك زعماء الإسماعيليين، والذين كان لديهم شرط واحد، وهو ألا يمس الحاكم الفعلي «علاء الدين» أي ضرر، فهو عندهم مقدس، حتى لو عانى من الخبل!


إلا أنه قُتل بواسطة مجهولين، ولكن على أية حال تولى «ركن الدين خورشاه» الحكم، ليواجه أكبر محنة في تاريخ الحركة، لا سيما مع هجوم التتار لقلعتهم المقدسة!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة