صورة موضوعية
صورة موضوعية


أصل الحكاية | "قصة المسحراتي: درب التراث والفولكلور العربي"

شيرين الكردي

الإثنين، 08 أبريل 2024 - 11:08 م

قصة المسحراتي في مصر تعود إلى ما يقرب من 12 قرنا مضت، تحديداً في عام 853 ميلادي. يعود الأصل الأول للمسحراتي إلى عهد الدولة العباسية، حيث كانت تُستخدم لتنبيه الناس لتناول وجبة السحور قبل بدء صيام شهر رمضان المبارك كانت المسحراتي تتجول في الشوارع في ساعات الليل المتأخرة، مرددين أناشيد دينية وأحيانًا يستخدمون آلات موسيقية لجذب انتباه الناس وتنبيههم بقرب وقت الصبح. تعتبر هذه العادة تراثاً شعبياً في العديد من البلدان الإسلامية، وما زالت موجودة حتى يومنا هذا في بعض المجتمعات. 

 

"اصحى يا نايم، اصحى وحد الدايم، وقول نويت بكرة اتحييت، الشهر صايم والفجر قايم"، هذه الكلمات البسيطة تسكن القلوب وارتبطت لدى الجميع بفرحة شهر رمضان، وبخاصة الأطفال، وهي التي أبدع في كتابتها الشاعر فؤاد حداد ولحنها وغناها الفنان سيد مكاوي.

 

بداية الحكاية المسحراتي :

 

حكاية المسحراتي تعود إلى زمن بعيد في الثقافة العربية، حيث كان المسحراتي شخصية مهمة في الحياة اليومية، كانت مهمته أن يستيقظ قبل الفجر ويجول في الأحياء ينادي بصوت عالٍ لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل بداية صيام شهر رمضان.

 

في ذلك الوقت، كانت هذه المهنة تعتمد على العمل الشاق والانتظام، حيث كان يتحرك المسحراتي بين الشوارع والأزقة ينادي بصوته القوي لتنبيه الناس. وكان يحمل قارورة ماء لتذكير الصائمين بشرب الماء قبل بداية الصيام.

 

مع تطور الحضارة والتكنولوجيا، تغيرت دورة الحياة وتغيرت أيضًا عادات الناس. أصبح الناس يعتمدون أكثر على التنبيهات الإلكترونية مثل المنبهات والهواتف الذكية لتذكيرهم بوقت السحور. وبالتالي، تلاشت دور المسحراتي تدريجيًا وأصبحت هذه المهنة شبه منقرضة في العصر الحالي.

 

بشكل عام، تعكس قصة المسحراتي تطور المجتمع والتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي شهدها العالم عبر العصور.

 

وتعريف كلمة "مسحراتي" :

 

كلمة "مسحراتي" تعني في اللغة العربية الفرد الذي يقوم بالمسحرات، وهو شخص يستيقظ قبل الفجر في شهر رمضان المبارك ليجول في الأحياء والشوارع ينادي بصوت عالٍ ليذكر الناس بتناول وجبة السحور قبل بداية الصيام.

 

ظهور المسحراتي

 

وبمرور الوقت وتوالى العصور، تفنن الناس في وسائل السحور؛ لإيقاظ بعضهم بعضا، وظهر المسحراتي في ربوع العالم الإسلامي، حتى إن بعضهم كان يوقظ الناس بالشعر، فظهر شعر القوما، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان، الوزن الأول مركب من أربعة أقفال ، ثلاثة متوازية فى الوزن والقافية، والرابع أطول منها وزنا، وهو مهمل بغير قافي، والثاني من ثلاثة أقفال مختلفة الوزن، متفقة القافية،يكون القفل الأول منها أقصر من الثاني، والثاني أقصر من الثالث، وقد ابتكر هذا النوع من الشعر رجل بغدادي يسمى أبو نقطة لتسخير الخليفة العباسي الناصر لدين الله (577-623هـ).

 

المسحراتي في مصر 

 

وقد احتفلت مصر بوظيفة المسحراتي، حتى شارك في ذلك بعض ولاتها، فقد ورد أن والى مصر في العصر العباسي عنبسة بن إسحاق (٢٣٨هـ - ٨٥٢م) كان يذهب من مدينة العسكر(عاصمة مصر في العصر العباسي) إلى جامع عمرو بن العاص ماشيًا، وكان ينادى على الناس في طريقة بالسحور.

 

وكان المؤذنون بالجوامع يقومون بالتسحير، فينادوا في الناس:كلوا واشربوا وما أشبه ذلك، على ما هو معلوم من أقوالهم ويقرأون الآية الكريمة التي في سورة البقرة، وهى قوله تعالى( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

 

أما السحور في غير الجوامع، فقد كان بالطبلة المعروفة لدينا الآن، يطوف بها المسحراتي على البيوت، ويضربون عليها لإيقاظهم، وأما أهل الإسكندرية، وأهل اليمن، وبعض أهل المغرب، فكانوا يُسحّرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت، وينادون على أصحابها، وأما أهل الشام فإنهم يُسحّرون بدق الطار( نوع من الطبل أشبه بالرق) مع الغناء والرقص، وأما أهل المغرب، فإنهم يفعلون قريبا من أهل الشام، مع استخدام الأبواق.

 

وفيما يتصل بالمسحراتي في القاهرة وربوع مصر المحروسة، فيتجول في الدروب في هزيع الليل الأخير مُمسكا بيده طبلة صغيرة، يديها بقطعة من الجلد، أو مقرعة دقيقة، ليقف بكل باب ينادى على أصحاب الدار ليصيب بعض الخير مما رزقهم الله مترقبا منهم في نهاية الشهر نفخة العيد.

 

أما عن أول مسحراتي 

 

ويعتبر الوالي عتبة بن إسحاق هو أول من قام بمهنة المسحراتي عام 832 هجرية، حيث كان يسير على قدميه من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص، وكان ينادي ويقول: "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة"، ومنذ ذلك الحين أصبحت المهنة تلقى قبولًا عند عامة الناس لكون الوالي أول من عمل بها.

 

وفي عصر المماليك ظهر "ابن نقطة" وهو شيخ طائفة المسحراتية، وكان المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وطور المسحراتية مهنتهم فقد مارسوا الطرق على الطبلة بالعصا، وكانت الطبلة تسمى "بازة " وكانوا يطرقون عليها دقات منتظمة قوية ومدوية كافية لإيقاظ شارع بأكمله. ثم تطورت المهنة وظهر المسحراتي وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص يمتع السامعين، ويحبب المواطنيين في الاستيقاظ لسماعه وتناول السحور .

 

أجر المسحراتي

 

أما أجر المسحراتى فتغير على مر العصور. فقد كان يتقاضي جزءاً من الخراج وبعض المحاصيل والحبوب.

وارتبط الأجر بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء ذرة أو قمح، وحسب ما يجود به المتسحر حسب قدرته، أما الفقراء فكان المسحراتي لا يقف أبدا عند منازلهم لتناول الأجر .

 

أما الآن، فقد تغير الوضع، فمع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا اقتربت مهنة المسحراتي من الاندثار والانقراض، فالناس لا ينامون في ليالي رمضان، وإذا فعلوا قام المنبه والهاتف الجوال بدور المسحراتي، إذ يكفي أن تضبطه لتستيقظ في موعد تناول السحور.

 

لكن رغم ذلك مازال المسحر اتي يجول ويصول من حين لآخر في مصر وشوارعها، ليس لإيقاظ النائمين فحسب، ولكن للتعبير عن الفرحة بقدوم رمضان، والاحتفال بأحد مظاهر الشهر الكريم وممارسة طقوسه القديمة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة