نورى الجراح وهالة محمد
نورى الجراح وهالة محمد


شعراء عرب فى باريس: إقبال لافت على أمسيات أدونيس وحسن نجمي.. ودرويش يمثل غزة

أخبار الأدب

الخميس، 25 أبريل 2024 - 01:33 م

بدأ الربيع الباريسى هذا العام حافلاً بالشعر العربى مع أمسية شعرية لعدد من الشعراء والشاعرات فى معهد العالم العربى ومع أمسية بعدها للشاعرين السوريين نورى الجراج وهالة محمد، ثم أمسيتين أخريين للشاعرين أدونيس وحسن نجمي.

ففى أمسية حافلة جاء حوالى تسعمائة شخص إلى إحدى قاعات متحف اللّوفر لسماع نص أدونيس الجديد الذى يحمل عنوان «اللوفر- فضاءً لأبجدية المستقبل»، فى تقدير كبير لمكانة هذا الشاعر باعتباره أحد أبرز شعراء العالم المعاصرين.

اقرأ أيضًا| محمد سالم عبادة.. بعيدا عن المعارك الكلامية التى شوشت على منجزه قراءةُ فى ثلاثة من ألحان مغامرة موسيقية اسمها حلمى بكر

قبيل الأمسية كان يمكن ملاحظة هذا الحضور اللافت من مختلف جهات العالم، والذين اصطفوا فى طوابير لحضور الأمسية، فهناك الصينى واليابانى والهندى والأمريكى والأوروبى والأفريقى مع وجوه قليلة من العالم العربى معظمهم من المثقفين.

سبق الأمسية ترويج إعلامى من بينها مقابلة صحفية فى جريدة لوموند» تحدث فيها أدونيس عن نصّه الجديد الذى سيقرأه فى الأمسية بالعربية مع ترجمة فرنسية أنجزها الشاعر نفسه بالتعاون مع دوناتيان غراو وهو ما احتواه الكتاب أيضاً الذى صدر أخيراً.



بدا أدونيس (94 عاماً) وهو يخرج إلى خشبة المسرح فى كامل تألقه وحضوره، فزامنت قراءته العربية ترجمة فرنسية على شاشة كبيرة خلفه، فيما صاحب قراءة النص الفرنسي، من قبل فانى أردانت، عرض النصّ العربى على الشاشة.

حفل النص بأسماء وأمكنة وحضارات: جلجامش وإنكيدو وإنهيدوانّا والإسكندر الأكبر وهوميروس وعوليس وفينوس وهولديرلن ونفرتيتى وأمرؤ القيس والمعرى وابن عربى وسومر وبابل وآشور وأوغاريت وتدمر وجبيل وصور وبعلبك ودجلة والفرات والنيل.

ومن خلال تأمل الشاعر لمحتوى القسم الشرقى فى المتحف قدّم قراءة شعرية للتاريخ، فتحاور مع جلجامش وإنكيدو عن «أساطير المخيّلة وأقاليم المعنى؛ وماذا نقول لحضارةُ ولدت فى أحضان الفرات ودجلة، وها هى تُنحَر على ضفافها؟».



ورأى الخراب بجيوشه وأساطيله فى مقابل لا جدوى الأساطير وكواكبها ومجرّاتها «هوذا كأننى أسمع بين جدران اللوفر أبواب آسيا وأوروبّا تنغلق وتنفتح مهداً مهداً وقبراً قبراً. ويا لهول الخراب».
 
يستعيد جلجامش، أيضاً ، وهو يتساءل مع هوميروس «كيف تكون للفكرة يدٌ، وليس لها وجْهٌ؟ وهل للصورة ملاذٌ خارج المعنى؟» و «كيف تنهش أسنانُ التاريخ كبِد الحرّية؟ ولماذا لم يعد الممثل يقومُ بالأدوار التى ليست له؟».

هكذا يمتلئ نص أدونيس بالأسئلة الوجودية التى لا تُنبت قلقاً أو ارتباكاً وإنما تقدّم شهادة عن الحال أو اعتراضاً شعرياً عليه:
«تسألنى عن أحوال الأرض؟/ ابنكَ يجلس فى شقٍّ يغمره الغبار، والحشرات تلتهم زوجتك»./ ويمضى فى المخيّلة مع البطل السومري:«وجهكَ واهنٌ، وجنتاك مرهقتان،/ مظهركَ منهكٌ كمثل مسافرٍ أعياه السفر الطّويل،/ نعم، ليس فى جسدي، فى كلّ خلّية من خلاياه، غير الحزن. لا أحد يعرف وجه الموت.لا أحدٌ يسمع صوت الموت،/ من أين لي، إذاً، أن أنتصرَ عليه؟».

وإذ يتساءل معه «لماذا ليس للموتِ عمرٌ كمثل الحياة؟»، سنجد صداه لدى الشاعر وهو يسمع بين جدران اللّوفر «نحيب الحرير والبهارات» و «وسوسة الحِلِيِّ فى قوافل تتنقل بين الشرق والغرب، فى جرار الغيوم وأباريق الضوء»، ويعلن: «لن أنحنيَ، يا رياحَ الأزمنة. ومهما كانت أجنحتك عاليةً فسوف أظلّ قادراً على كَسرها».

الموت والخلود
يبدو الموت فى النص ملازماً للبحث عن الخلود، وقد هيأ فضاء المتحف هذا المنحى، حيث يقرأ آثار الشرق فيه من خلال رموز أساطيره الكبيرة.

«يا (كتاب الموتى)/ لماذا يموت الإنسان قبل أن يحقق ما نذر حياته لتحقيقه؟/ يا (كتاب الموتى)/ لن أملّ من تكرار ما قاله الشخص الذى كتبك:/ أنا الأمس واليوم والغد،/ وأقدر أن أولد مرّة أخرى».

وهذه القدرة لا تخلو من الخوف الذى نجده فى صوتٍ آخر: 
«نعم، أخاف، لكن من شيء واحد:/ أن أموت قبل أن أوُلد»
.
لهذا، يجد الشاعر فى اللوفر ملجأ للخلود: 
«إنه اللّوفر بيت للانهايات المعنى،/ بيت لإماتة الموت».

فيقول فى حديثه إليه:
«أوه! متحف اللّوفر!/ خذنى إليك وبعثر رمادى فى محيطك الكريم!».

نجمى والمعرى ودرويش
بعد يوم من أمسية أدونيس، كان محبو الشعر على موعدٍ آخر مع الشعر العربى فى أمسية للشاعر المغربى حسن نجمى فى معهد العالم العربى بباريس.

ففى مكتبة المعهد العامة قرأ نجمى وسط حضور لافت قصائد من كتابه المُترجم حديثاً إلى الفرنسية عن «دار أكت سود»، بمصاحبة القارئة للنصوص الفرنسية فيولين شوارتز ومقاطع موسيقية من هند زواري. فبعد مقدّمة من فاروق مردم بيك قرأ الشاعر بعض نصوصه بدءاً من نص بعنوان «ضريح انّا اخماتوفا»، حيث استعاد محنة الشاعرة الروسية الشهيرة مع السلطة وإرهابها:

«قالت كُتبٌ ستنهضُ التّتَريَّة من أبدٍ نومها 
وستمضينَ معنا، بقلبٍ أخضرَ، عائدة إلى بلاط الحياة».

وفى نص آخر بعنوان «النائمة» استهله بعبارة من أغنية أمريكية تقول «لا تفتح النافذة إن لم يكن هناك قمر»، ليعطى لها الصوت:
«إذا جئتَ ووجدتنى نائمة، لا توقظني. فقط تفقد غرفة الأطفال وأصص النَّبتات فى الشرفة./ إسْقِ النَّعنعات قليلاً كى يخضرّ طعم الشاي. أَلْقِ نظرة على خُمِّ الدَّجاجات وانتبه إلى البيض/ وَ وِجارِ الكلب./ قدِّم إلى القِطِّ وجبة المساء. توقّف كيْ تسمع ما ستقوله الببغاء الحمقاء ثانية./ ولا تنسَ، أُنظرْ إلى الليل من أجلي.إذا عُدتَ وكُنتُ نائمةً/ لا تقُلْ إنِّى ميِّتةٌ./ فقط، تخلَّيتُ عن كلّ شيء. خصوصا عن تلك الحياة التى لم تكن حياة تماماً./ وعن نفسي./ وافتح النافذة/ لابُدَّ أنَّ القمرَ هناك».



وفى نص ثالث بعنوان «موت شاعر» يواصل نجمى توغله فيما هو حميمى بين الأم والابن الميّت:
«وتراك مسجّىً فى رايتكَ. وترْتمى كيْ تُدثِّر ليلكَ الذى بدأ./ تتَّكئُ كغيمة بيضاء على فكرة قبرك./ تُقبِّلُ حجر القسوة./ وحْدها، الأمُّ، تعرفُ أنَّ لقبلاتها رائحةً./ أمُدُّ يديَّ الأُختين فأشكر ريش الرَّحم./ وأمسحُ الدّمع الذى به تحمَّمتْ./ ثم أراها فراشة مجنَّحة تُصلِّي./ وتُضاءُ. وتذكر الله./ ثُمَّ تذكُرُكَ./ تأمل أن تراك كما كانتْ تراكَ واقفاً على الباب./ حين سترفعُ رأسها عن الصلاةِ./ (لم نتفق هكذا يا ابني. لِمَ سبقتَ موتي؟)».

قصيدة نجمى فى غنائيتها الصافية تجذب القارئ والمستمع للإنصات إليها، وهى وصل لتجربة نشر فيها حوالى خمسة عشر ديوانا.
فى المكتبة نفسها، لاحظ الحضور عرض دواوين للشاعر محمود درويش كتحيّة لفلسطين وهى تواجه حرب الاحتلال فى غزة.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة