الحدودالشمالية الشرقية لمصر
الحدودالشمالية الشرقية لمصر


خبير آثار: ملوك مصر أمنوا حدودها عبر سيناء منذ عصر مصر القديمة

شيرين الكردي

السبت، 27 أبريل 2024 - 08:59 م

 تأمين سيناء بدأ منذ أن وطىء أرضها نبى الله يوسف وإخوته وأبيه نبى الله يعقوب وذكر اسمها مرتبطًا بالأمن فى سورة يوسف آية 99 " ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" وكان لمصر عند سيناء عدة أبواب لدخولها دليلًا على قوة حصونها وتأمينها ضد أى عدوان كحائط صد لكل من تسول له نفسه مس أمنها، وذكرت هذه الأبواب فى القرآن الكريم حين طلب نبى الله يوسف من أبنائه أن يدخلوا مصر من عدة أبواب فى سورة يوسف آية 67"َقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ" ربما كان يخشى عليهم من الحسد.

وكانت وما تزال سيناء حائط الصد الأول ضد أى اعتداء على مصر ويشهد تاريخها العسكري بذلك على مر العصور، فعلى أرضها دحر المصريون الهكسوس ملوك الرعاة، كما أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية.

اقرأ أيضا| فى حكايات التجلى الأعظم| خبير آثار يكشف معالم عيون موسى الحقيقية   

تأمين سيناء فى عصر مصر القديمة

وأوضح الدكتور ريحان، أن المصريون القدماء حرصوا على تأمين سيناء عن طريق إنشاء الحصون والقلاع على طريق حورس الحربى، هو طريق بري يربط مصر بآسيا، ومن قوة هذا الطريق ومناعة حصونه رفض بنو إسرائيل الخروج منه واختاروا طريق جنوب سيناء المرتبط بتعدين الفيروز.

ويبدأ طريق حورس الحربى من القنطرة شرق إلى مدينة رفح المصرية، كان محميًا بأحد عشر حصنًا تم بناؤها خلال الأسرتين الثامنة عشر والتاسعة عشر في عهد الإمبراطورية المصرية، للدفاع عنها ومراكز حراسة على الحدود الشرقية للبلاد. وكانت هذه الحصون مدعومة بنظام معقد من مخازن الحبوب والآبار، وكانت تقع على بعد مسافة يوم واحد من بعضها البعض، مما سمح للجيش (أو التجار) بعبور شبه جزيرة سيناء بأمان، واعتُبروا من الأهمية بمكان بحيث تم تمثيلهم في معبد سيتي الأول في الكرنك، ويشير نقش معركة الملك سيتي الأول في ساحة الأعمدة بمعبد الكرنك إلى وجود  12 حصنًا عسكريًا تم اكتشاف حصون منها القنطرة شرق وتل حبوة وتل البرج وبئر العبد، أكبرها بتل حبوة الذى كان حصنًا عسكريًا بقلعة ثارو أول قلعة شيدت على الطريق.

ويشير الدكتور ريحان، إلى أن بردية أنستاسي تحمل رسومات متنوعة نقشها تحتمس الثالث تشير إلى محتويات القلعة من مركزًا للجيش المصري وثكنات الجنود ومنازل الضباط والمخازن المركزية للدولة واسطبل.

تلاها 11 حصنًا كنقاط إنذار مبكرًا قبل وصول أي جيش فاتح إلى قلعة ثارو ذات الموقع الاستراتيجي، كما هناك مجتمع اقتصادي ومنطقة جمركية جمركية لتحصيل الضرائب الجمركية قبل وصولها إلى الدلتا.

كما عثرت البعثة الأمريكية في تل البرج على مجموعة من الفخار الأزرق اللون يعود تاريخه إلى الأسرة الثامنة عشرة. منها رسم للملك رمسيس الثاني وجرار تحمل أختام توت عنخ آمون، مما يدل على استخدام طريق حورس من قبل العديد من الملوك المصريين مثل تحتمس الثالث ورمسيس الثاني ومرنبتاح وحورمحب.

كما كشفت البعثة الأثرية المصرية العاملة في المنطقة بتل أبو صيفي قرب تل حبوة في القنطرة شرق عن قلعة سيلا المدينة الرومانية بجدرانها التي يبلغ عرضها 13 متر تتداخل مع مساحات وغرف للحراس، وكان طريق حورس وبه 11 قلعة لتأمين مصر ضد هجمات محتملة من سوريا، وذكر مسار طريق حورس  في عدة نصوص تشير إلى الحرب ضد الهكسوس والتي تظهر في لوحة لمعبد سيتي الأول بالكرنك، وهناك وصف للطريق في نص مكتوب تحت حكم تحتمس الثالث وفي بردية عن حرب الملك أحمس الأول.

ويتابع الدكتور ريحان، بأن جيوش تحتمس الثالث أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، والذى فاقت عبقريته العسكرية كل تصور فى تاريخ العسكرية القديمة والحديثة سارت شرقًا لتأمين سيناء حتى مناطق آشور وشمال سوريا ولبنان وبلاد النهرين (العراق) ومملكة بابل وخيتا وجميع موانئ البحر المتوسط الواقعة فى مناطق سوريا ولبنان وفلسطين حيث أصبحت قواعد حربية لجيوش تحتمس الثالث والتى اكتشفت إحدى استراحاته على الطريق الحربى بشمال سيناء منذ يومين، والتى كان يستخدمها خلال قيامه بحملاته الحربية لتوسيع الإمبراطورية المصرية شرقًا.

كما أمّن رمسيس الثاني (1304-1237 ق.م.) سيناء ضد تمرد مملكة خيتا التي حرضت سكان سوريا ضد مصر وسارت جيوش رمسيس الثانى عبر الطريق الحربى بشمال سيناء لإخماد الفتنة.

تأمين سيناء فى العصر الرومانى    

ونوه الدكتور ريحان، إلى استمرار الأباطرة الرومان فى تأمين سيناء عبر الطريق الساحلي بشمال سيناء والذى يعد من أقدم الطرق حيث كانت التجارة والغزوات تفضله لقلة رمله واعتدال هوائه، كما تسهل حمايته من ناحية البحر مما جعل له أهميته الحربية في الفترة الرومانية واليزنطية، وكانت الفرما التي تبعد 35 كم شرق مدينة القنطرة شرق المفتاح الاستراتيجي لسيناء على شاطئ البحر المتوسط عند قرية بلوظة، وكانت مدينة محصنة فى العصر الرومانى لتأمين سيناء.

وازدادت أهمية الطريق الحربى في عهد الإمبرطور جستنيان في القرن السادس الميلادي الذي اهتم بتأمين حدود مصر الشرقية ضد الفرس، وأنشأ الإمبراطور جستنيان حصونًا على أرض سيناء لحمايتها من هجمات الفرس الذين كانوا ينافسون البيزنطيين على تجارة الحرير، وكانت الأديرة التى أنشأها بسيناء فى القرن السادس الميلادى حصونًا عسكرية تؤدى الوظيفتين الدينية والحربية حين تعرضها لأى هجوم ومنها دير طور سيناء الذى تغير اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى بعد العثور على رفاة القديسة كاترين على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها ويرتفع 2642م فوق مستوى سطح البحر.

تأمين سيناء فى العصر الإسلامى     

وأردف الدكتور ريحان، أن تأمين سيناء فى العصر الإسلامى كان عن طريق إنشاء مجموعة من القلاع والحصون لتأمين سيناء ضد أخطار الصليبيين والمغول حيث بنى بها الخليفة العباسي المتوكل على الله حصنًا على البحر تولى بناؤه عنبسة بن اسحق أمير مصر في سنة 239هـ /853م عندما بنى حصن دمياط وحصن تنيس.

وتعرض الفاطميون لخطر الصليبيين، حين تقدم  بلدوين الأول (512هـ / 1118م) بجيش عن طريق شمال سيناء ووصل إلى غزة ثم العريش وبحيرة سربنيوس التى عرفت فيما بعد باسمه (بحيرة البردويل) وعجز أن يتابع سيره داخل مصر فعاد من حيث أتى ومات بسيناء ثم حمل جثمانه للقدس ودفن بكنيسة القيامة.

وتابع الدكتور ريحان، أن العصر الأيوبى شهد إنشاء صلاح الدين لطريق حربى لتأمينها ضد أخطار الصليبيين وأنشأ عليه قلعتين، قلعة الجندى برأس سدر وقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا .

وخرج صلاح الدين عام (566 هـ / 1170م) عن طريق سيناء بمراكب مفككة حملها على الإبل، ولما وصل إلى أيلة (العقبة حاليًا) ركّب تلك المراكب وأنزلها البحر ونازل أيلة برًا وبحرًا حتى فتحها وترك بها حامية أيوبية وعاد إلى مصر، كما شيد صلاح الدين بسيناء قلعته الشهيرة بجزيرة فرعون وقلعة الجندى برأس سدر وكان له طريق حربى بسيناء وهو الممر الرئيسي لجيوشه من القاهرة ويبدأ من السويس إلى وادي الراحة بوسط سيناء ثم عين سدر عند قلعة الجندي ثم إلى التمد حيث يتفرع فرعان أحدهما يسير جنوب شرق إلى قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون والآخر يستمر شرقًا حتى يلتقى بدرب الحج عند نقب العقبة .

ويروى الدكتور ريحان، قصة دحر أكبر حملة على قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا  ودور الحمام الزاجل فى سرعة توصيل رسائل الاستغاثة  وهى حملة الأمير أرناط صاحب حصن الكرك بالأردن عام1182م، وقد حمت قلعة صلاح الدين بطابا سيناء كلها من أكبر هجوم للصليبيين هدد طريق الحج والحجاج المتجهين إلى مكة المكرمة.

حين حاصر أرناط قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا مانعًا حاميتها من الوصول إلى مصادر مياه الشرب، فيما أكمل باقي الأسطول طريقه إلى عيذاب، ووصل بعضهم إلى باب المندب وعدن، وأحرق الأسطول ستة عشر مركبًا للمسلمين.، واستولوا على مركبًا لنقل الحجاج في عيذاب، كما استولوا على مركبين محملين بتجارة وبضائع من اليمن ودمروا مؤن الحجاج في ساحل عيذاب.

فبعث قائد الحامية بالقلعة إلى القيادة بقلعة صلاح الدين بالقاهرة عن طريق الحمام الزاجل فتم بناء أسطول في الإسكندرية، وقام قائد الأسطول حسام الدين لؤلؤ بحل المراكب مفككة على الجمال وأشرف على تجميعها في يناير 579هـ ، 1183 م ، قسّم حسام الدين لؤلؤ الأسطول إلى قسمين، الأول غادر إلى قلعة أيلة واستولى على المركبين والقسم الثاني ذهب إلى عيذاب، لنجدة الحجاج المسلمين، ثم عاد لؤلؤ إلى رابغ، ليواجه الصليبيين في ساحل الحوراء، وكان عدد رجال أرناط أكثر من ثلاثمائة بقليل، ولدى وصول لؤلؤ، قتل معظم رجال أرناط  وتم صد أكبر حملة هددت القلعة وموكب الحجاج.

وأردف الدكتور ريحان، بأن برج الحمام الزاجل يقع فى الجزء الشرقى من التحصين الشمالى لقلعة صلاح الدين بطابا، وعثر بداخله قبل أعمال الترميم عام 1986 على بيوت الحمام " بنانى الحمام"، وبها بقايا حبوب من الشعير والفول.

وكانت ترسل رسائل الحمام بوضعها تحت جناح الحمامة أو تشّد إلى ذيلها، ولزيادة الثقة كانت تكتب الرسالة مرتين تُرسلان مع حمامتين تُطلق أحدهما بعد ساعتين من إطلاق الأخرى حتى إذا ضلت إحداهما أو قتلت أو افترستها إحدى الجوارح أمكن الاعتماد على الأخرى، وجرت العادة على ألا يُطلق الحمام في الجو الماطر ولا يُطلق قبل تغذيته التغذية الكافية.

وأردف الدكتور ريحان، بأن سيناء شهدت فصولًا من الصراع العربي الإسرائيلي ابتداءً من مايو 1948 عندما بدأت وحدات من المتطوعين تعبر سيناء في طريقها لفلسطين للمشاركة في درء الخطر الصهيوني ثم تقدمت وحدات الجيش المصري عبر سيناء لمقاومة إنشاء دولة إسرائيل، وشهدت طرق سيناء عام 1956 العدوان الثلاثي مستخدمين عدة محاور بسيناء وأخضعت إسرائيل سيناء للحكم العسكري حين احتلالها عام 1967 وقسمتها لمنطقتين هما شمال سيناء وألحقتها بقطاع غزة وجنوب سيناء ووضعتها تحت إدارة مستقلة وعينت حاكمًا عسكريًا على كل منطقة وأقامت في سيناء المستوطنات أهمها أوقيرا بجوار شرم الشيخ، ذى هاف قرب دهب، زاحارون 10كم شرق العريش، ياميت 7كم قرب رفح.

ثم جاءت حرب 1973 لدحر العدوان وفتح الطريق لاستعادة سيناء وتم توقيع اتفاقية كامب دايفيد في 26 مارس 1979، وبدأت مراحل استعادة أرض سيناء كا آخرها استعادة المضايق بوسط سيناء والمنطقة شرق المضايق من العريش حتى رأس محمد في 25 أبريل 1982، واستعادة رفح وشرم الشيخ في سبتمبر 1988، والتحكيم في المنطقة المتنازع عليها في طابا مارس 1989، وانسحاب إسرائيل من طابا حتى 19 مارس 1989 ورفع العلم المصري على طابا.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة