محمود بسيونى
محمود بسيونى


الموقف السياسى

جاهزون لكل الاحتمالات

محمود بسيوني

الجمعة، 10 مايو 2024 - 04:43 م

عقب نهاية حرب لبنان 2006، قال حسن نصر الله أمين عام حزب الله إنه لو علم أن عملية خطف جنديين إسرائيليين كانت ستؤدى إلى جولة العنف التى استمرت 34 يوماً لما قمنا بها قطعاً!.

تذكرت هذه الكلمات وأنا أتابع تطورات الأوضاع فى قطاع غزة ويشغلنى سؤال، ماذا استفادت القضية الفلسطينية من أحداث  أكتوبر الماضى، وهل وضع متخذ قرار تنفيذ هذه العملية توابع ما سيحدث فى ذهنه قبل تنفيذها؟

بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إلى 34 ألفاً و844 شهيدًا و78 ألفًا و404 مصابين منذ 7 أكتوبر الماضى، وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ الصراع الإسرائيلى الفلسطينى.

وعادت دبابات الاحتلال الإسرائيلى إلى الجانب الآخر من معبر رفح، بعدما رحلت عام 2005، عقب توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية وأمريكية.

وأصبح هناك واقع جديد فى آخر قطعة أرض متماسكة، يمكن أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

وعلى الجانب الآخر لم تحقق إسرائيل أى انتصار، لا وصلت إلى الأسرى، ولا أوقفت إطلاق الصواريخ من القطاع، بل زادت عُزلتها الدولية، وتسببت فى الكشف عن ازدواجية المعايير فى الغرب، الذى يتحدث عن نشر ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها، بينما الواقع يقول إنهم صمتوا أمام المذابح، والتى قام بها جيش الاحتلال ضد المدنيين المحاصرين فى القطاع المنكوب.

التاريخ يقول إن فلسطين ضحية المتطرفين، مَن حولوا مدينة السلام إلى هدف لحرب دينية، بين مَن يحاولون هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل من ناحية، وبين مَن يطاردون اليهود ويقتلونهم على الهوية.

تعرف مصر ذلك جيداً، فهى مغروسة فى الصراع منذ اشتعاله عقب نكبة عام 1948، ودفعت الثمن من دماء أبنائها، ومن قدرتها على التنمية التى توقفت تماماً طوال سنوات الحرب حتى تحررت سيناء، ووَقَّعت اتفاقية السلام وهى مكسب لو تعلمون عظيم، نترحم من أجله على الزعيم الراحل أنور السادات الذى استعاد الأرض بالسلاح وبالتفاوض، ووضع القضية الفلسطينية على الطريق السليم، وهو البحث عن حل سلمى عادل، ينتهى بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

رعاية مصر للسلام كانت نتيجتها خروج الاحتلال من غزة وأريحا، وتواجد السلطة الفلسطينية كمكون رئيسى على الأرض الفلسطينية، حتى أَطلَّ التطرف برأسه، وعادت الأمور إلى المربع صفر، ووصل بنيامين نتنياهو إلى الحكم، وبصحبته كل أعداء إقامة الدولة الفلسطينية مثل ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وعلى الجانب الآخر يقف يحيى السنوار ومحمد الضيف، وهما الأكثر تشدداً داخل حركة حماس، ليشتعل الوضع كله، وتدخل المنطقة فى صراعٍ عنيف ودموى غير مسبوق، وصلت آثاره السلبية إلى مصر.

تحرك الرئيس عبد الفتاح السيسى فور اشتعال الأوضاع، ورفض أى محاولة لتهجير الفلسطينيين قسرياً إلى سيناء، وهى الخطة الإسرائيلية للتخلص من سكان القطاع وتصفية القضية، ووضعت مصر خطوطها الحمراء أمام الجميع، وحذرت العالم من تلك الخطوة.

وبالفعل نجحت مصر فى مواجهة المخطط، وتحركت لحماية الإنسان الفلسطينى المحاصر، وذلك بأكبر قدر من المساعدات الإنسانية، سواء عبر معبر رفح أو عبر الإسقاط الجوى بالتعاون مع الأردن الشقيق والشركاء الدوليين.

تعاملت مصر مع حملات التشكيك فى دورها بالرد الواقعى على الأرض، وواجهت الاستفزاز الإسرائيلى بثباتٍ أسطورى، ينم عن دراية وحكمة، وحرص على بقاء دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية، والتمسك بالأمل حتى النهاية.

وتنبهت مصر لتوجه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، نحو إعادة احتلال مدينة رفح الفلسطينية مجدداً، وحذرت أمريكا والشركاء الغربيين بوضوح، ولأول مرة تخرج الولايات المتحدة عن مساندتها العمياء لإسرائيل، وتحذر من خطورة التوجه الإسرائيلى، وأنها تهدد أمن المنطقة ومصالحها، وانتقل الضغط إلى داخل الحكومة الإسرائيلية، وتردد نتنياهو فى إعلان موقفه النهائى، وانخرط فى مفاوضات القاهرة، وقدمت مصر المخرج عبر ورقتها التفاوضية، التى لاقت قبولاً لدى حماس وإسرائيل، وأشادت بها الولايات المتحدة، وهى تقوم باختصار على الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة مقابل الإفراج عن الرهائن.. وتنفس المفاوض المصرى الصعداء.

فى الأمتار القليلة قبل الهدنة وقعت عملية كرم أبو سالم، وانطلقت الصواريخ لتعيد الأمور إلى المربع الأول، فتتعثر الهدنة ويصبح لدى حكومة المتطرفين فى إسرائيل المبرر لاقتحام رفح، ورفع الضغط عنها، وتحميله على مصر والشركاء الدوليين.

رغم قتامة مشهد تقدم دبابات الاحتلال نحو معبر رفح من الجانب الفلسطينى، إلا أن مصر لم تيأس من استكمال المفاوضات، رغم ارتفاع وتيرة التشدد على الجانبين، تمكنت من تشكيل رأى عام دولى مساند للموقف المصرى الرافض لاقتحام رفح، وهو ما دفع البيت الأبيض لاتخاذ قرار غير مسبوق بتأجيل صفقة بيع 6500 من ذخائر الهجوم الجوى المباشر المشترك (JDAM) لإسرائيل، تبلغ قيمتها حوالى 260 مليون دولار الأسبوع الماضى، كما أوقفت تسليم 1700 قنبلة جوية من نوع «مارك -82»، و1800 قنبلة جوية من نوع «مارك-84» إلى القوات الجوية الإسرائيلية، والتى كان من المُفترض أن تعزز مخزونها من الذخائر الموجهة بدقة. 

إدارة بايدن قالت إن التأخير يرجع إلى فشل إسرائيل فى معالجة بعض المخاوف الأمريكية، بشأن الغزو البرى لرفح فى جنوب غزة، فى الوقت الذى تصاعدت فيه نبرة الرفض الدولى والإقليمى لأى تصعيد إسرائيلى فى رفح، لما له من تأثيرات كارثية على الوضع الإنسانى فى القطاع، وفى ظل وجود أكثر من مليون نازح فى رفح.

ماراثون التفاوض المصرى المستمر لأكثر من 200 يوم منذ بداية الأحداث، كان هدفه منع تصفية القضية الفلسطينية فى مقامرة غير محسوبة العواقب، من جانب اليمين المتطرف فى إسرائيل ومن حركة حماس من ناحية أخرى.

التحركات المصرية للتعاطى مع الأزمة فى لحظتها الدقيقة، والتى تسعى لتجنيب مصر والمنطقة خطر توسيع الصراع وممارسة الصبر الاستراتيجى، فى حرب المتطرفين المستعرة على جثة الشعب الفلسطينى، يؤكد أننا جاهزون ومستعدون لكل الاحتمالات، وأن مصر قادرة على احتواء المغامرات الإقليمية غير المحسوبة، وأنها طرف أمين بالفعل على القضية الفلسطينية، وما تبقى من حلم دولتها المستقلة.. شاء من شاء وأبى من أبى.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة