الدكتور هاني أبو العلا
الدكتور هاني أبو العلا


الدكتور هاني أبو العلا يكتب: كلمة في أذن واضع امتحان

بوابة أخبار اليوم

السبت، 18 مايو 2024 - 10:33 ص

لا شك إن امتحان الطلاب في مراحل الشهادة الابتدائية، والشهادة الاعدادية والثانوية هو بمثابة مراحل فارقة تمثل مفاصل مشوار التعليم، التي يمكن خلالها تقييم مستوى تحصيل الطلاب والمفاضلة بين بعضهم البعض، هو ما يستدعي التأني في وضع اختبارات محكمة يهدف كل سؤال فيها لقياس عناصر مهارية ومعرفية محددة سلفاً .

وكما يعرفه خبراء التعليم والتربية، فالاختبار مقياس دقيق، تقيس كل جزئية فيه مهارة ووحدة معرفية شديدة التحديد، كما إن له شروط دقيقة تتعلق بالشمولية والدقة والوضوح والارتباط الدقيق بالهدف، كما يراعى في الاختبار أن يكون موجها لكل مجتمع الدارسين على اختلاف مستويات التحصيل لديهم، إذ لا يفترض التميز لكل طالب في مجتمع الدارسين .

وقد لفت انتباهي في الفترات الأخيرة اهتمام واضعي بعض الاختبارات في بعض الشهادات بوضع أسئلة امتحانية تثير الاستغراب والدهشة ليس فقط للطلاب، لكن أيضا لكثير من المدرسين، والأمر الغريب ليس في وصول الطالب للحل الصحيح، إنما في الهدف الذي أراد واضع الامتحان من وراء وضع مثل هذا السؤال، وهل تم تدريب الطالب من خلال المناهج الموضوعة على مثل هذا الهدف، وهل هذا الهدف يصلح لبناء جيل قادر على مواجهة التغيرات من حولنا، وجابهة التحديات في سوق العمل من بعد؟؟؟؟، كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة .

فعلى سبيل المثال، جاء في أحد الاختبارات للشهادة الاعدادية؛ ايجاد جمع كلمة " الكٌتاب" وكانت الاختيار من بين " الكتب _ الكتاتيب- الكاتبون" ، وجاء بآخر ؛ ما جمع كلمة " الخيال" ويختار الطالب الإجابة من  بين "الخيول- الاخوال- الأخيلة- الخلال"، هي نفس النمط من الأسئلة ، التي تمثل فرقعات إعلامية تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، كما تداولت غيرها، وربما يتذكر البعض ما جاء بامتحانات الثانوية العامة بالعام الماضي، من أسئلة أثارت اندهاش الطلاب، بل وبعض المدرسين، مثل جمع كلمة "حليب" وجمع كلمة "اخطبوط" وجمع كلمة "وحي" وغيرها .

وحينما أحلل مثل هذه المفردات الامتحانية لا أجدها إلا بمثابة شبكة صيد للدروس الخصوصية، وسناتر اللذين تخصصوا في إفساد التعليم والذوق العام وأنشأوا تلك التجمعات الطلابية في عدد من شوارع المدن، ليلقنوا الطلاب بعض الكلمات دون فهم أو وعي بأعداد غفيرة في أوكار  تشبه أو كار "النينجا ترتلز" أسفل العمارات، في أماكن أشبه بالجراجات .

وربما تذكرني مثل هذه المفردات الامتحانية التائهة ببعض أحداث المسرحية الكوميدية القديمة " الدخول بالملابس الرسمية" التي  زاعت في ثمانينيات القرن الماضي، بطولة الفنانة سهير البابلي والرائع أبو بكر عزت من اخراج السيد راضي . 

وتحكي المسرحية حكاية سهير البابلي "نشوى" المرأة الثرية المطلقة، التي تعيش فقط مع خادميها ومساعديها، وتحاول أن توهم الجميع من حولها بأنها في قمة السعادة من خلال الحفلات التي تقيمها، وفي يوم من الأيام تعلن نشوى عن حاجتها لوجود مساعد طباخ بمرتب عال، ويضطر "ابوبكر عزت" البروفيسور ممتاز العاطل عن العمل أن يضغط على كرامته من أجل الوظيفة. وهنا تدور مناظرة بين أبو بكر عزت و أحمد نبيل، الذي جاء للحصول على نفس الوظيفة، ويبادر كل منهما الآخر بسؤال يظهر فيه قدرته وخبرته في مجال الطبخ، ويكون سؤال ابو بكر عزت هو"ليه سموا الجمبري جمبري وما سمهوش جعبري؟؟" . 

وربما كان الهدف من هذا السؤال الساخر أوضح من أهداف وضع بعض أسئلة الامتحانات اليوم، فقد رأى المؤلف والسيناريست إن هذا السؤال يحقق نسب كبيرة من الفكاهة وضحك الجمهور، وهو ما قد حدث بالفعل، أما بعض تلك الأسئلة العائمة في الامتحانات النهائية، فلا أجد لها هدف .

الأمر الآخر الأهم في تلك المسألة، هو عدم مراعاة واضعي مثل هذه المفردات الامتحانية للجوانب الوجدانية للطلاب ممن يؤدون الامتحان، اللذين يحجم بعضهم عن إكمال الامتحان بنفس مستوى الاستعداد حينما يجد مثل هذه المفردات، التي تمثل عقبة يتوقع أن يكون ما بعدها سواد .

وهنا لابد أن نهمس في أذان واضعي الامتحانات: فلا ضير أن يكون هناك تباين في مستوى المفردات الامتحانية لقياس التباين بين مستويات الطلاب، لكن فليكن مثل هذا التباين في قياس مهارات التحليل والاستنتاج والاستنباط والربط وغيرها من المهارات، التي يتطلبها بناء مصرنا الجديدة، ولنبتعد عن المباراة في قياس الحفظ واختبار الذاكرة، التي لم يعد لها معنى مع وجود تلك التقنيات الحديثة، التي جعلت قدرة شريحة لا تتعدى أبعادها المليمترات في الحفظ والتخزين تتعدى الذاكرة البشرية بملايين المرات .
التعليم أمانة في دولة علمت العالم .
حفظ الله مصر.

كاتب المقال: أستاذ نظم المعلومات الجغرافية ووكيل كلية الآداب جامعة الفيوم

  

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة