محمد عدوى
محمد عدوى يكتب : أم كلثوم فى شوارع بغداد .. هلال ذهبى .. الفن المصرى حاضر فى « أوسكار العراق »
الثلاثاء، 21 مايو 2024 - 10:32 ص
ربما لأن العلاقة بين القاهرة وبغداد تاريخية، وربما لأن جذور المحبة راسخة وممتدة، لا تشعر وأنت تطأ قدماك أرض العراق أنك غريب، لا تشعر إنك في مكان جديد، حتى لو كانت زيارتك الأولى، وحتى ولو قدمت بهواجس وشائعات عن المكان الذي عانى لسنوات.. في بغداد أنت لست ضيفا، في بغداد تستمع لأم كلثوم ويتحدث معك أهلها بإفيهات عادل إمام، في بغداد ترتسم بسمة حقيقية غير مصطنعة على وجوه من يعرف أنك مصري..
قديما قال شاعرنا الكبير أحمد شوقي: “دع عنك روما وأثينا وما حوتا، كل اليواقيت في بغداد والتوم”.. ويواقيت بغداد هي أهلها، وتومها وإن كان يقصد بها “أمير الشعراء”، الفضة، إلا أنها ومع إصرار محبيها تحولت إلى ذهب.. الذهب الذي لا يصدأ وإن تعرض للقصف والدمار.. ذهب هلال العراق الحبيب..
بدعوة من الصديق حيدر النعيمي، مؤسس مهرجان “الهلال الذهبي”، زرت للمرة الأولى بغداد الحبيبة، هي الأولى لتقصير منى دون شك، لكنها لن تكون الأخيرة، بإصرار مني دون مجاملة.. “الهلال الذهبي” فكرة لمعت في ذهن حيدر من سنوات خمس، تكريم نجوم الفن ومن أعطى للعراق إبداعا وفنا كان لا بد أن يعطيه العراق تكريما وإمتنانا..
حيدر النعيمي، عراقي شاب، لم يترك بغداد وقت الأزمة، ولم يترك يوما ليفكر في غيرها، ابن أصل، والده الراحل الملقب بـ”أبو حمده”، واحد من رموز الصناعة العراقية، وله إسهامات اقتصادية وصناعية كثيرة في مناطق باب الشيخ وفضوة عرب والفضل والباب الشرقي وباب المعظم، دارس للتاريخ والفن، وعمل صحفيا في أكبر الصحف والفضائيات، وله سمعة طيبة في كل الأوساط الفنية والإعلامية والسياسية أيضا، حيدر باع الكثير من ممتلكاته ليحقق حلم خروج الهلال الذهبي للنور من سنوات خمس، قالوا عليه وقت إعلانه عن النسخة الأولى أنه “مجنون”، وإن التوقيت غير مناسب، لكنه أصر وعافر حتى خرجت الدورة الأولى التي حملت اسما واحدا من أساطين العراق، الفنان راسم الجميلي، ووقتها عرف المجتمع العراقي وأهل الفن أن هناك شيء ما يحدث، وأن حيدر ورفاقه عازمين على استكمال “أوسكار العراق” بأفضل صورة ممكنة، وتوالت النسخ والدورات التي كانت تشهد في كل مرة تكريم لاسم من الأسماء المهمة، فجاءت دورة الفنان بهجت الجبوري، ثم دورة الفنانة فوزية السندي، والرابعة كانت باسم الفنان سامي قفطان، والخامسة باسم الفنانة سعدية الزيدي، وأخيرا الدورة السادسة التي حملت اسم الفنان جواد الشكرجي.
هذه المرة فكر حيدر وبعد أن صارت الجائزة رسمية تحت رعاية وإشراف نقابة الفنانين العراقيين، وبعد أن استقرت الأوضاع هناك، وبعد أن حقق “الهلال الذهبي” مصداقية وسمعة طيبة من خلال تواجد لجان تحكيم محايدة ومن خلال تصويت جماهيري محايد أيضا، فكر حيدر ورجاله في أن يمتد “الهلال الذهبي” إلى خارج العراق، وكان من المهم أن يتواجد الفن المصري، وبالفعل حصل النجم أحمد زاهر على تكريم خاص عن أدواره في رمضان الماضي، في مسلسلي “محارب” و”نعمة الأفوكاتو”، كما حصلت النجمة اللبنانية ماجي بوغصن على تكريم، وحصل الممثل اللبناني عبده شاهين على تكريم آخر.. الدورة السادسة كانت كما الدورات السابقة، لها شجون، حتى أن ممثل قدير مثل العراقي حسن حسني الذي قدم أعمالا فنية لمدة أكثر من نصف قرن، كان متأثرا لحد البكاء لتكريمه لأول مرة في بلده، وهنا يكمن نجاح وأهمية “هلال العراق الذهبي”.
هنا القاهرة من بغداد
دائما ما أبحث في الغربة - إن جاز التعبير - عن شيء ما يذكرني بمصر - إن جاز التعبير أيضا - فلا شيء ينسيني، لكن في بغداد الوضع مختلف.. فلا هي غربة ولا غابت مصر.. تمشي في شوارع بغداد فتسمع أم كلثوم تصدح بأغنياتها.. سألت سائق سيارة ركبنا معه صحبة مصرية خالصة، ضمت الصديق والكاتب الصحفي الكبير محمد قناوي والصديقة والكاتبة الصحفية الكبيرة نورا أنور، هل قمت بتشغيل أم كلثوم خصيصا لنا بعدما عرفت إننا من مصر، فضحك وقال “الست مزاج عراقي ونحن نحبها ونستمع لها في أي وقت”، شعرت بفخر، وشعرت بإحراج حقيقي، لماذا يغيب عنا أثر “الست” وتأثيرها؟
في شوارع بغداد هناك حالة من الوهج والتعمير، قبل أن اتحدث، بادرني المخرج العراقي بلال، الذي رافقني في جولة، بأن هناك حالة حراك وتعمير لبناء جسور جديدة في أغلب شوارع بغداد، ولم ينس أن يخبرني بفخر بإن عددا منها يشيد بأيادي مصرية، ومن خلال شركات مصرية.
ذهبت إلى الفندق لأجد مصر حاضرة بأحاديث عن عادل إمام ومحمد هنيدي ونور الشريف والسينما المصرية بشكل عام، وقررنا الذهاب في جولة لتفقد شارع من أهم شوارع بغداد، شارع الشاعر الكبير، المتنبي، الشاهد على ماضي وحاضر بغداد.. ماض وتاريخ لشارع رمز للثقافة والأدب والفكر، وشاهدا على آلاف من المؤلفات والكتب والأسماء المهمة أثرت وتأثرت فيه ومنه، كما كان شاهد على إرهابا غاشم وأيادي سوداء أرادت أن تمحي التاريخ عبثا، رأيت مصر ومؤلفاتها القديمة والحديثة، رأيت أشعار شوقي وروايات محفوظ وقصص إدريس تجاور كتابات هيكل والعقاد، رأيت إصدارات “الأخبار” و”الأهرام” وأعداد خاصة لمجلات مصرية، وأفيشات أفلام وصور لمحمد صلاح، وعرفت أن فكر مصر وفنونها وأدبها من الأكثر مبيعا.
سرت متأملا ومكتشفا، إلى أن باغتني مقهى يحمل اسم أم كلثوم، تنبعث منه أغاني “الست” وتملأ جدرانه صورا لـ”كوكب الشرق”، قبل أن يباغتني محل للمرطبات يحمل اسم غريب “الحاج زبالة”، والذي عرفت أنه من معالم شارع “الرشيد”، وأنه تاريخ، واستقبلنا مالكه الذي عرفنا منه أنه استقبل العديد من مشاهير القاهرة.
عدت إلى قرية دجلة، أحدث المنشأت العراقية، لتستقبلنا الأغاني المصرية، جلست مع أحد كبار رجال الأعمال، فتحدث عن نيته في الاستثمار في مصر، مؤكدا أن حلمه المقبل سوف يكون على سواحل مصر.. والحقيقة أنك أينما ذهبت في بغداد تجد القاهرة.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة