مدحت عبدالدايم
مدحت عبدالدايم


أتوموبيل الفن

مدحت عبدالدايم يكتب: «ستروين» إسماعيل يس تدور بالمنفلة وتشهد حبه الأخير

أخبار السيارات

السبت، 25 مايو 2024 - 06:01 ص

لم تكن حياة إسماعيل ياسين إسماعيل على نخلة الشهير بـ "إسماعيل يس" سوى ملحمة درامية عنيفة، تعاقبت فصولها المؤلمة منذ مولده بمدينة السويس فى 15 سبتمبر 1912، إذ كان ابنًا وحيدًا لأب يعمل صائغًا ويمتلك محلًا كبيرًا، توفيت والدته وهو طفل فاضطر والده للزواج فعاش طفولة قاسية جراء معاملة زوجة أبيه له، وحينما بلغ عمره 17 عامًا تفتحت موهبته الغنائية نظرًا لعشقه صوت الفنان محمد عبد الوهاب، فرغب فى تعلم فنون الغناء فى القاهرة، لكن والده عارضه بشدة.

يقول فى لقاء إذاعي: "اعتادت الجماهير أن ترانى أضحك، على الرغم من متاعبى ومصائبي، ولو قلت ما بداخلى لأبكيت الناس كما أضحكتهم، تعلقت بعبد الوهاب وبسببه أردت الالتحاق بمعهد الموسيقى بعد إشادة بعض الأصدقاء بصوتي، فسرقت من جدتى ستة جنيهات كانت تدخرها بكيس المرتبة، وفى القاهرة وجدت المعهد مغلقًا، لأننا كنا فى الصيف، أنفقت ما بحوزتى من نقود وذهبت عند أولاد خالي، وكان أبى يحسن ضيافتهم كلما زارونا، سألونى عن سبب الزيارة فقلت لتعلم الغناء بالمعهد، فقالوا أنهم لا يحبون أن يكون بالعائلة من يشتغل بالفن، واضطررت إلى مغادرة بيتهم، هائمًا على وجهى فى الشوارع، لم يكن لدى عمل فلجأت إلى مسجد السيدة زينب للمبيت فيه، وعرفنى خادم المسجد بعد أن طالت لحيتى واتسخت ملابسي، وكان المسجد يظل مفتوحًا إلى الفجر، وبعد فترة وجيزة باتوا يغلقونه بعد صلاة العشاء، فانتقلت إلى مسجد "مراسينا" بالجوار، وفى الليلة الأولى اتهمونى بسرقة "طاقم شاي" وعرضونى على إمام المسجد، قصصت له حكايتى فاصطحبنى إلى بيته وغسل لى ثيابى ومنحنى 35 قرشًا لأعود إلى أبي، وكانت الأجرة 32.5 قرشًا، رجعت فوجدت محل أبى مغلقًا وإذ به يفرش أمام محل آخر صغير ويعمل بيده، فى إصلاح المصاغ، بعد تدهور أحواله، وحينما رآنى احتضننى وبكى".

تم حبس والده لتراكم الديون عليه، ثم توفى فور خروجه من محبسه، فعمل إسماعيل بمحل للأقمشة ثم مناديًا بموقف سيارات، وراوده حلم الغناء مجددًا فعاد إلى القاهرة ليعمل فى المقاهى الشعبية، حاول الغناء بالأفراح صادحًا بأغنية عبد الوهاب "أيها الراقدون تحت التراب" فكان نصيبه الضرب المبرح، لكنه واجه ذلك الاعتداء بسرد النكات، فحاز إعجاب الحضور، ووجهه الزجال محمد عبد المنعم "أبو بثينة" إلى تقديم المنولوجات بدلًا من الغناء، وكانت نقطة تحول فى حياته إذ عرف طريقه إلى الصالات الفنية بداية فى عام 1934، وتقاضى أجرًا زهيدًا، بلغ خمسة جنيهات ونصف، فكان يستأجر بدلة "سموكن" بعشرة قروش، ويأكل ويسكن ويعد المنولوجات بجنيهين ونصف، وعمل مع الراقصة حورية محمد، وبدأت شهرته من خلال الإذاعات الأهلية وتحويل أغانى عبد الوهاب إلى منولوجات، من ذلك أغنية "يا وردة الحب الصافي" التى حولها إلى "يا حلة العدس الدافى .. تسلم ايدين اللى غلاكي" و"سهرت منه الليالي" إلى "راهنت فيه بمالى .. مال السباق ومالي".

تعرف إلى الكاتب أبو السعود الإبياري، وقدم عشرات المونولوجات التى حققت نجاحًا كبيرًا، وبفرقة "بديعة مصابني" كانت انطلاقته إلى جوار المنولوجست الكبير "سيد سليمان" وفى سوريا ولبنان حقق نجاحًا كبيرًا من خلال جولات فرقة بديعة، وعلى إثر نجاحه تعاقدت معه الإذاعة المصرية ليقدم منولوجًا كل أسبوع لقاء أربعة جنيهات شهريًا، وارتفع أجره بفرقة بديعة إلى ستة جنيهات، واستجلبه الريحانى ليقدم منولوجاته بين فصول مسرحيته "حكم قراقوش" لقاء عشرة جنيهات فى الشهر، وتنبأ له بمستقبل واعد، فيما عرف طريقه إلى السينما عام 1939، عندما رشحه فؤاد الجزايرلى للمشاركة بفيلم "خلف الحبايب" وفيلم "مصنع الزوجات" عام 1941، وسطع نجمه من خلال أفلام "نمرة 6، على بابا والأربعين حرامي، أحب الغلط" عام 1942، وفى عام 1943 شارك بأفلام "نداء القلب، نداء الدم، حب من السماء، الطريق المستقيم" وفى العام التالى قدم أفلام: "نور الدين والبحارة الثلاثة، نادوجا، من الجاني، عريس الهنا، تحيا الستات، أما جنان" بالإضافة إلى عشرة أفلام عام 1945، وخلال خمسة أعوام شارك فى 68 فيلمًا، أبرزها: صاحب بالين، قلبى دليلي، حبيب العمر، العرسان الثلاثة، عنبر، صاحبة العمارة، بلبل أفندي، ليلة العيد، فاطمة وماريكا وراشيل، على أد لحافك، عفريتة هانم، صاحبة الملاليم، الناصح، ليلة الدخلة، المليونير، الزوجة السابعة، الآنسة ماما، آخر كدبة".

لم يحالفه التوفيق فى حياته الزوجية فبعد زيجتين كان مصيرهما الطلاق ساءت حالته النفسية، إذ دامت الزيجة الأولى نحو شهرين، فيما استغرقت الزيجة الثانية أسبوعًا واحدًا فقط، وراوده الأمل فى الزواج مجددًا حينما رأى الآنسة "فوزية" صديقة زوجة مدير المسرح الذى يعمل به، وكانت من الإسكندرية، وهَمَّ بمصارحتها بمشاعره نحوها لولا خجله الشديد، وفى عام 1950 تصادف أن اشترى سيارته الأولى "ستروين" موديل 1948، ذات محرك سعة 425 سى سى، قوة 27 حصانًا، تعمل بنظام "المنفلة" وتعرف لدى الشركة الفرنسية المصنعة لها بـ "البطة"، وظهرت فى بعض أفلامه بلونها الأبيض تحمل أرقام "9185" وتدرب على قيادتها من أجل أن يسافر بها إلى الإسكندرية حيث تقيم "فوزية"، وهناك رآها ولم يشأ أن يفاتحها بشيء، وبعد عودته فاتح زوجة مدير الفرقة بحقيقة شعوره نحو صديقتها، فرتبت لهما لقاءً بكازينو "شاطئ الإبراهيمية" وعلم أنها ترتاح إليه ولكنه تخشى الارتباط به لما يشاع بأنه "زير نساء" وارتاحت لصدقه ومزاحه بأنه "لا زير ولا قلة" وتزوجا وأنجبا ابنهما الوحيد ياسين، ورافقته إلى نهاية الرحلة فى 24 مايو 1972 على إثر أزمة قلبية. 

امتلك إسماعيل يس سيارة أخرى طراز "بويك " بلغ ثمنها 1200 جنيه، وذلك بعد أن طبقت شهرته الأفاق وحملت مجموعة من أفلامه اسمه، فى واحدة من الظواهر الفنية التى لم تتكرر كثيرًا، ولم يسبقه إليها فى العالم العربى سوى الفنانة "ليلى مراد" وأبرزها: "مغامرات إسماعيل يس، عفريتة إسماعيل يس، إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة، إسماعيل يس فى الجيش: فى متحف الشمع، فى البوليس، فى جنينة الحيوانات، فى الأسطول، للبيع، فى مستشفى المجانين، فى دمشق، طرزان، بوليس حربي، فى الطيران، فى السجن" فيما قدّم للمسرح 61 مسرحية سجل منها للتليفزيون نحو ثلاثين مسحت جميعها عن طريق الخطأ، إلا فصلين من مسرحية "كل الرجالة كده" وفصل واحد من مسرحية أخرى، ويعزى إليه تطوير فن المونولوج الذى كان قصة واحدة فجعله ثلاث قصص موزعة على ثلاثة كوبليهات، وكان أول من قدم النكات بين المنولوجات، فيما صادف حظًا عثرًا فى العقد الأخير من حياته، وإن بقى ظاهرة فنية تستعصى على التكرار.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة