الكاتبة صفاء عبد الصبور
الكاتبة صفاء عبد الصبور


«معطف» قصة قصيرة للكاتبة صفاء عبد الصبور

صفوت ناصف

الأحد، 23 يونيو 2024 - 12:41 م

 

  لهيب الشمس الحارقة أحال بشرتها إلى اللون الأسمر وأدى إلى حدوث الكثير من التصبغات والجفاف ما جعل ذلك يطغى على لونها الأصلي، فصار الصيف عدوها اللدود، ولمَ لا؟ وهو يزيد فوق شقائها شقاءً أثناء عملها كسائقة كل يوم منذ مطلع الفجر حتى المساء لتعول أسرتها، فهي لم يتغير لونها فقط بل كل شيء في حياتها تغير فتبدلت السكينة والحياة الهادئة البسيطة إلى كبدٍ وعناء وتحول الدفء والأمن إلى شتات إثر وفاة الزوج.

نفحات من الهواء البارد داعبت وجنتيها وقطرات من الغيثِ بَشرتها بقدوم الشتاء الذي تفضله كثيرًا عن الصيف الذي يُباعد بينها وبينعذاب قيظ الصيف، غير أن ثمة عقبة تعتريها وتفسد عليها فرحتها باقتراب الشتاء، فبرده القارس لا يرحم فكم كان يشعرها أن عظامها الدقيقة تتآكل حين تسري برودته التي تغلب جسدها النحيل الذي بات عليه مواجهة الشتاء الفظ دون سترة تحتمي بداخلها،

رغم ذلك أخذت تُمني نفسها بالمعطف الذي عزمت شراؤه هذا العام، وأقسمت أن هذه المرة لن تجعل أمرًا آخرًا يثنيها عنه، وأنه سيكون في مقدمة أولوياتها فهي لم تنس ما فعله بها الشتاء الماضي الذي كان شديد البرودة بشكلٍ غير معهود وكم عانت من البرد والمطر والعواصف الهائجة، ولم يفصلها عنه غير إلحاح الابنة الوسطى لتجلب لها حذاء جديد غير البالي،

 فهي بحاجة إلى معطف ثقيل يقيها صقيع الصباح وآخر الليل ويتصدى للأمطار،فهي مهما ارتدت من طبقات من الملابسلم تفلح في توفير الدفء، لا شيء له مفعول المعطف المعد للتدفئة، ذلك الذي حال بينها وبين شراؤه العام الماضي حاجات أبنائها، فهي لا تنتهي وتلتهم كل ما تكسبه من عملها ولا يتبقى لها سوى القليل، وها قد مر عام وارتفع ثمن المعطف الضعف لكن ليس هناك من خيار آخر غير الحصول عليه لتتوقف معاناتها اليومية مع البرد.

 

راحت تُمني نفسها بالدفء الذي سيَحول بينها وبين قسوة البردوها قد حل الشتاء الذي كانت تعشقه في الماضي حينما كانت تنعم بالدفء داخل منزلها الصغير الذي كان يعج بالطمأنينة والراحة، وكوب الشاي مع قطعة الكيك في المساء ومشاهدة زخات المطر من خلال النافذة المؤصدة التي لا تسمح للبرد أن يدخل ولكن أين هي اليوم؟ فلا حائل بينها وبين قسوة الشتاء عليها والعالم أيضًا، لكن لا بأس كل شيء سوف يكون على ما يرام فلا توجد أية التزامات مادية عليها وثمن المعطف قد وفرته وليس هناك من أسباب تفصلها عن تحقيق هذا الحلم الذي يبدو صغيرًا لكنه كبيرًا بداخلها.

وها قد حانت اللحظة ولا يفرق بينها وبين معطف الأحلام سوى بضع لحظات، وبالفعل وصلت أمام المتجر وعينيها تلمعان بالسعادة لمشاهدته على المانيكان وهي تحدث نفسها في لهفة ووجل أنها عقب دقائق سوف يستقر على جسدها ..

 فجأة تجلى في انعكاس زجاج المتجر مرأة برفقتها طفلًا يحمل قفصًا من العصافير يسيران في سلامٍ، تتراقص أقدامهم وقلوبهم على الطريق.

ألقت على المعطف نظرة أخيرة.. نظرة حسرة لكنها لم تخلو من الأمل ثم تتبعت خطوات المرأة والطفل واقتربت منهما وسألت المرأة من فضلك كم ثمن قفص العصافير هذا؟!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة