صورة موضوعية
صورة موضوعية


فوضى جذابة فى إعادة اكتشاف الذات

أخبار الأدب

الأحد، 23 يونيو 2024 - 02:01 م

منى عبد الكريم

قد يجد الإنسان فى القفز خارج القيود الصارمة والأمور المنضبطة متنفسا لإعادة اكتشاف جمال خفى فى تلك الأشياء التى تصيبها الفوضى، وحين اختارت الفنانة سارة السمان عبارة «فوضى جذابة»، التى سمعتها ذات مرة وظلت عالقة بذاكرتها، عنواناً لمعرضها الفردى الثانى الذى استضافه مؤخراً جاليرى أوبونتو بالزمالك، فإن الأمر كان له علاقة وثيقة باكتشاف ذاتها ومحاولة فهم نفسها فى خضم أمور الحياة المتداخلة المرتبكة، ولتبحث من خلال أعمالها الفنية ماهية كونها امرأة، أُمًا، زوجة، صديقة وأختاً لتقوم بكل تلك الأدوار معاً ، وتؤدى - كونها امرأة - عشرات المهام متحملة عناء إعادة ترتيب الفوضى، ليس بمعناها السلبي، وإنما لتحقيق التوازن بين كل تلك التداخلات والمهام اليومية، وكذلك بين ما تريد فعله فى حياتها وإدارة الحياة مع أبنائها وزوجها.

تقفز سارة فوق حواجز المعتاد فى صياغة أعمالها الفنية،  فمجموعة البورتريهات التى قدمتها هى عبارة عن مزيج من وجوه متعددة، جمعت فيها بين وسائط مثل: الكولاج والفوتوغرافيا والرسم والطباعة المونبرنت وغيرها إذ وظفت أنماطاً فنية مختلفة، وعلى ذلك فإن لوجوهها شخصية قوية تترك انطباعاً بذاكرتك لتعاود مشاهدتها مرة بعد مرة، فالإنسان الواحد هو عبارة عن كل أولئك الأشخاص الذين يمر بهم فى حياته والذين يساهمون بشكل كبير فى تكوين شخصيته وصياغة تجاربه، لتقول سارة: أعتقد أن الإنسان هو مزيج من العديد من الجوانب؛ لذلك أنا جزء من الكل لا وجود لى منفردة. مضيفة من خلال تدريج وتركيب وسائط متعددة من بورتريهات مختلفة فى بورتريه واحد، أصل إلى صورة واحدة تعكس كوننا مزيجاً من الأشخاص الذين يشكلون حياتنا، أما جذورى فمثل الماضى والحاضر المتغير باستمرارية وهذه التراكيب تعكس فوضى جذابة تشكل تجارب حياتي.

وحين تقفز السمان خارج إطار لوحاتها لتكمل عملها الفنى على جدران الجاليرى فهى تتخلص من القيود مجدداً، ليصبح الجمال حليفاً للخروج عن المألوف والنمطي، وربما لهذا استوقفتنى عبارة «السماح باللعب» التى قدمت من خلالها مجموعة من أعمالها الفنية والتى مزجت فيها بين طريقة الرسم الطفولية بعفويتها وبين ما تفرضه ضوابط التعليم الفنى الأكاديمي، إذ قدمت سارة مزيجاً مُتخيلاً يُذكرنا بقصص الأطفال التى قرأناها ونحن صغار،  والتى تصحبك من العالم الواقعى لتشعل خيالك بحواديت الطفولة، إذ تقول الفنانة : الأطفال لديهم قدرة على رسم كل ما يشعرون به دون قيود، أما نحن فنعود للواقع الذى يُكبلنِا، ولذا أردت أن أقدم مزيجاً بين شغلى كفنانة دارسة ورغبتى فى التحرر من الضوابط، لأنى أعطيت لنفسى الحرية أن أبدأ اللعب،  أن ألعب وأن أستمتع بالفن تماماً كما يفعل الأطفال، لأننا كلنا بدأنا الرسم وأحببنا شعورنا بالحرية فيما كنا نتخيله، ويجمع عملى بين الفن الذى أعطاه لى الأطفال فى عائلتى والذى كان إلهامًا للبداية، حيث منحت نفسى الإذن باللعب وتحمل المخاطر كما يفعل الطفل. 



وفى أعمالها لا تتوقف سارة عند توظيف البورتريه كأداة لترجمة المشاعر الإنسانية.. إذ تعتبر  الجسد كله كذلك مرآة تعكس أفكار الإنسان وأحاسيسه، فيتحول الجسد والمساحات المحيطة به، وكذلك عملها الفنى ذاته، لسرديات تغوص فى اللاوعى. وفى حركة الجسد ككل ثمة مشاعر يمكن قراءتها.. إذ تقول سارة مثلا حركة الأيدى تعبر عن مشاعر كثيرة، وهنا تأتى مجموعة «ِEmbrace» أو «تعانق» التى مزجت فيها سارة بين بطلة لوحاتها والتى صورتها فوتوغرافياً، ومجموعة من الأيدى التى اعتمدت فيها على مراجع لشكل الأيدى فى اللوحات الكلاسيكية، إذ وظفت اليدين لعمل تكوينات مختلفة وجديدة لمزجها بالموديل، وعلى الرغم من كونها شخصية واحدة إلا أن هذه التركيبات كانت تعطى مشاعر جديدة وقصصاً مختلفة لنفس البطلة.

وتضيف سارة: من خلال الإمكانيات اللانهائية التى ينتجها التخيل  وترتيب وإعادة سياق الصور الموجودة، بالإضافة إلى المراجع من اللوحات الكلاسيكية، أبدأ فى رؤية قصص تتكشف وتتضح ملامحها وكأننى أحكى قصة لنفسي، تلك السردية مهمة بالنسبة لى بقدر أهمية القطع النهائية حيث تشكل جزءًا أساسيًا من تجربتي. فكرت أن أرسم وأفرغ وأن أخرج باللوحة بره إطار الورقة أو الكرتون وأستكمل الرسم على الحائط أتحرر خارج كل القيود، كنت أريد أن أتحرر.

قدمت السمان أعمال معرض «فوضى جذابة» تحت أربعة عناوين رئيسية يحمل كل منها جزء من تجربتها إلا أنها جميعا معا تشكل جوهر الفكرة فى استكشاف الذات، ومن بينها كذلك مجموعة الجذور، فجذورنا هى الأصل والعائلة التى نشأنا بها.. إنها الأفكار والتقاليد التى نحملها معنا، لتطرح السمان  تساؤلا عن تلك الأشياء التى يجب أن نحملها معنا  وتلك  التى يجب أن نتحرر منها ونغيرها فى مسار حياتنا.. حيث ترى سارة أنه من السهل جدا أن نلقى باللوم على ما نتعرض له فى حياتنا على أسباب خارجية، ولكن الأهم هو أن  نعود لنفسنا ونتعمق فيها ونتلمس جذورنا،  لأننا بالنهاية نحن من يقوم بتفسير الأشياء طبقا لوجهة نظرنا، ويبدو أن سارة تدعونا فى  كل أعمالها إلى تلمس جذورنا والتعرف على ذاتنا إذ يأتى هذا المعرض امتداداً لتجربتها فى معرضها الفردى السابق  «متوازيات»  الذى استهلت كلمتها فيه قائلة: نحن لا نرى الأشياء كما هي؛ ونحن نرى الأشياء كما نحن.

جدير بالذكر أن سارة السمان ولدت بالقاهرة عام ١٩٨٣، وحصلت على البكالوريوس فى الفنون البصرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. ثم عملت فى مجال التصميم الداخلى قبل أن تعود لدراسة الرسم تحت إشراف الفنان المصرى الشهير مجد السجينى حتى وفاته فى عام ٢٠١٥، وسارة السمان هى فنانة تعمل بوسائط مختلطة وكولاج تجمع بين الصور المعاد تدويرها والرسوم واللوحات، وتعكس أعمالها تعقيد الذات والبيئة المحيطة بها. وقد شاركت سارة فى عدد من المعارض الجماعية بمصر، ويعد معرض فوضى جذابة هو ثانى معارضها الفردية الذى تستضيفه قاعة أوبونتو بالزمالك.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة