الكاتب الدكتور صلاح البسيوني
الكاتب الدكتور صلاح البسيوني


«المنحة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

صفوت ناصف

الإثنين، 24 يونيو 2024 - 01:28 م

جَلَسَ صَابِرْ أَفَنْدِيُّ فِي حَالَةِ شُرُودٍ وَاضِحٍ أَخْذَهُ عَنْ اَلْجَوِّ اَلْمُحِيطِ بِهِ بَعِيدًا . . فَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ صَرَخَاتِ اِبْنَتِهِ أَثْنَاءً لَعِبَهَا مَعَ أَخَوَاتِهَا . . وَاسْتِغَاثَةُ صَغِيرَةٌ مِنْ تَعَدِّيهِمْ عَلَى لُعْبَةٍ وَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ كُلِّ اَلضَّجِيجِ اَلَّذِي يُطِيحُ بِسُكُونِ اَلْمَنْزِلِ إِلَّا أَنَّ صَابِرْ أَفَنْدِيُّ أَخَذَتْهُ حَالَةٌ مِنْ اَلتَّفْكِيرِ اَلْعَمِيقِ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ مَا يَدُورُ حَوْلَهُ .

دَخَلَتْ اَلسِّتُّ حَمِيدَةٌ . . زَوْجَتُهُ . . تَحَمُّلٌ صِينِيَّةٍ اَلشَّايِ . . لِتَضَعَهَا أَمَامهُ عَلَى اَلتَّرَابِيزَةِ اَلصَّغِيرَةِ . . وَأَخَذَتْ تَصُبُّ اَلشَّايَ فِي اَلْأَكْوَابِ اَلزُّجَاجِيَّةِ وَهِيَ تُرَاقِبُ شُرُودَهُ وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِ لِدُخُولِهَا . . وَمَدَّتْ يَدُهَا إِلَيْهِ بِالشَّاي فَلَمْ يَنْتَبِهْ . . فَوَضَعَتْهَا أَمَامُهُ فِي غَضَبٍ صَامِتٍ . أَخْرَجَ مِنْ جَيْبِ بِيجَامَتِهِ وَرَقَةً كَبِيرَةً بِهَا بَعْضُ اَلْأَرْقَامِ وَالْبَيَانَاتِ عَنْ مَلَابِسِ اَلْعِيدِ . . وَلَحَمَ اَلْعِيدُ وَرَاتِبُ اَلشَّهْرِ اَلَّذِي تَسَلَّمَهُ مُبَكِّرًا عَنْ مَوْعِدِهِ مِنْ أَجْلِ اَلْعِيدِ وَانْتَهَى وَلَمْ يَأْتِ اَلْعِيدُ بَعْد .

تَحَرُّكُ فَجْأَةٍ . . اِعْتَدَلَ وَاقِفًا . . تَوَجَّهَ إِلَى شَمَّاعَةِ اَلْمَلَابِسِ خَلْفَ بَابِ اَلْغُرْفَةِ . . دَسُّ يَدِهِ فِي جَيْبِ اَلْبَنْطَلُونِ وَأَخْرَجَ كُلُّ مَا بِهِ . . قَلَمٌ جَافٌّ . . قُصَاصَاتُ وَرَقٍ . . وَرَقَةٌ نَقْدِيَّةٌ فِئَةَ اَلْخَمْسِ جُنَيْهَاتٍ . . عُمُلَاتٌ فِضِّيَّةٌ لَا تَتَعَدَّى اَلثَّمَانُونَ قِرْشًا بَعْدَ أَنْ أَحْصَاهَا . . أَعَادَهُمْ إِلَى مَكَانِهِمْ فِي جَيْبِ اَلْبَنْطَلُونِ . . عَادَ إِلَى جَلْسَتِهِ . . تَنَاوُلُ كُوبِ اَلشَّايِ اَلْبَارِدِ وَهُوَ لَايَزَالُ مُمْسِكًا بِالْوَرَقَةِ اَلَّتِي أَحْضَرَهَا مِنْ بَيْنِ زِحَامِ اَلْأُوَاقْ بِجَيْبِ اَلْبَنْطَلُونِ .

نَظَرُ إِلَيْهَا مُتَفَحِّصًا لَوَازِمَ اَلْعَامِ اَلدِّرَاسِيِّ اَلْجَدِيدِ . . مَلَابِس . . أَحْذِيَةٌ . . شُنَطٌ . . مَصَارِيف مَدْرَسِيَّةٍ . . كَشَاكِيل وَكَرَارِيسَ وَأَقْلَامٍ . . دَسُّ اَلْقُصَاصَةِ فِي جَيْبِ اَلْبِيجَامَةِ . . وَتَنَاوَلَ اَلْجَرِيدَةَ لِيُعِيدَ قِرَاءَةَ اَلْخَبَرِ اَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ بَعِيدًا مِنْ قَبْلٌ . . مِنْحَةُ رَاتِبِ خَمْسَةِ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَسَاسِيٍّ اَلرَّاتِبِ بِمُنَاسَبَةِ اَلْعَامِ اَلدِّرَاسِيِّ اَلْجَدِيدِ .

 

أَخْذُ عَقْلِهِ يُتَرْجِمُ اَلرَّقْمَ إِلَى قِيمَةٍ نَقْدِيَّةٍ تَصِلُ إِلَى ثَلَاثُينَ جُنَيْهًا عَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ اَلْعَمَلِ اَلطَّوِيلِ اَلَّذِي أَمْضَاهُ مُوَظَّفٌ بِالْحُكُومَةِ إِلَّا أَنَّ اَلْمِنْحَةَ لَمْ تَتَجَاوَزْ ثَمَنَ شِرَاءِ بَنْطَلُونِ لِطِفْلِهِ اَلصَّغِيرِ . . يَرِنَّ جَرَسُ اَلْبَابِ . . مُحَصِّلُ اَلْكَهْرَبَاءِ . . مَطْلُوب سَبْعَ جُنَيْهَاتٍ . . مَدُّ لَهُ يَدِهِ طَلَبًا لِكَعْبِ اَلْإِيصَالِ حَتَّى يُمْكِنَهُ اَلسَّدَادُ فِيمَا بَعْدٌ . . اِعْتَدَلَتْ زَوْجَتُهُ تَذَكُّرُهُ وَتُطَالِبُهُ بِمَصْرُوفِ اَلْبَيْتِ خِلَالَ اَلشَّهْرِ اَلَّذِي لَمْ يَبْدَأْ بَعْدٌ .

 

وَالْإِيجَارُ اَلَّذِي لَمْ يُسَدِّدْهُ لِصَاحِبِ اَلْمَنْزِلِ . . وَقِيمَةُ حِصَّةِ اَلتَّمْوِينِ اَلَّتِي لَمْ تَصَرُّفهَا مِنْ اَلْبَقَّالِ . . وَثَمَّنَ اِسْتِهْلَاكُ اَلْمِيَاهِ . . بِالْإِضَافَةِ إِلَى اَلْكَهْرَبَاءِ اَلَّذِي تَلَقَّى إِيصَالُهُ مُنْذُ لَحَظَاتٍ . . وَغِيَارَ أُنْبُوبَتِي اَلْبُوتَاجَازَ . . وَطَلَبَاتُ اَلْأَوْلَادِ اَلَّتِي وَعَدَهُمْ بِتَدْبِيرِهَا مَعَ مَصْرُوفِهِمْ أَوَّلَ اَلشَّهْرِ . . وَالضَّرُورِيَّاتُ اَلَّتِي لَا تَنْتَهِي كُلَّ شَهْرٍ . . وَهُوَ يَسْتَمِعُ لَهَا فِي شُرُودِهِ اَلَّذِي عَادَ إِلَيْهِ يَحْلُمُ أَنْ يُفِيقَ مِنْهُ لِيَجِدَ فِي اِنْتِظَارِهِ مِنْحَةً أُخْرَى . . مِنْحَةٌ مِنْ اَلسَّمَاءِ .

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة