حدث استثنائي بلا شك أن تجلس أمام مبدع ظل صامتًا طوال ما يقرب من عقدين كاملين لذا كان طبيعيا أن يجيء سؤالنا الأول عن أسرار الاعتزال والاختفاء المفاجئ فأجابنا المبدع المعتزل وهو يجلس في صالون منزله الكلاسيكي، وتبدو إلى جواره لوحة زيتية لرجل يرتدى طربوشا، ويمتلك ملامح صارمة..

لن أحاول أن أفلسف الأمر كل ما هنالك أن طاقتي الإبداعية نفدت، وكانت تقل شيئا فشيئا، فروايتي "حمام الملاطيلي" تبلغ صفحاتها 77 وهي مخطوطة، في حين تعد "الأقمر" 66 صفحة، أما "حمص أخضر" فلا تستغرق سوى 35 صفحة، إذن كل رواية يقل عدد صفحاتها شيئا فشيئا، أي أن الطاقة تنفد على مراحل حتى صرت لا أقدر على أعباء الكتابة، إضافة إلى أنني أُحلت إلى المعاش عام 1998 وصرت متقاعدًا، لا أحتك بالواقع ولا يفور عقلي كما اعتدت أثناء فترة العمل كمهندس معماري التي كانت تتطلب الحركة الكثيرة، وكان هذا يؤدى إلى تنشيط العقل كي يفرز أفكارًا متدفقة، وعندما كان يحل الليل كنت أكتب حتى مطلع الفجر.. هكذا كانت كلمات إسماعيل ولى الدين.


• فقط هذه هي أسبابك للانسحاب المحير من الحياة الثقافية؟!
لا فروايتى "شجرة العائلة" كانت من ضمن الأسباب التى دفعتنى إلى الانسحاب, فقد كتبتها فى أربع سنوات وأحداثها تدور ما بين عامى 1952 حتى 1982 حيث أنها رواية تسجيلية تختزل تاريخ هذه العقود الطويلة فى خمسة أجزاء, وكنت أجمع الصحف والمجلات الصادرة فى تلك الفترة من أجل توثيق الأحداث, مما كان يضطرنى إلى الجلوس يوميا لمدة أربع ساعات, وبعد كل هذا الجهد رفض الناشر إصدارها معتذرا بأن هذه الفكرة لن تبيع, ولأننى مصر على أن يحتوى نصى على طين الواقع قررت ألا أمسك بالقلم لأننى غير قادر على الغوص كما تعودت دائمًا.

• وهل نشرت كل أعمالك؟
لدىّ ثلاثون قصة لم تنشر بعد ومنها سبع قصص فقط نشرت على صفحات المجلات, من بينها "جنون الحياة" التى تحولت إلى فيلم.

• وكيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟
عندما كنت تلميذًا فى كلية الهندسة اعتدت على كتابة يومياتى التى مازلت محتفظا بها فى صورة كراريس, والآن حين أحاول قراءتها من جديد لا أستطيع فخطوطها صغيرة جدا, ومن حسن حظى أن الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين كان صديق أخى, وجارنا فى نفس الوقت وحينها كان رئيس تحرير روز اليوسف, فقدمت إليه قصة يابانية مترجمة عنوانها "صدر امرأة" وقد نقلتها عن الإنجليزية, التى كنت أقرأ بها أعمال سارتر وألبير كامى وألبرتو مورافيا, فقام بهاء بنشرها فى مجلة صباح الخير, والطريف إنه كان يرى إننى أصلح أن أصبح صحفيا جيدا, وقد كلفنى بإجراء تحقيق عن مشروعات التخرج عند طلاب بكالوريوس الهندسة, لكنى وقعت فى حرج أن أسأل أحدا من زملائي, ولم ترقنى فكرة أن اكون صحفيًا.

• نحن نسأل عن مشوارك مع الأدب؟
قابلت توفيق الحكيم فى المجلس الأعلى للفنون والآداب الذى أصبح فيما بعد المجلس الأعلى للثقافة وكنت فى تلك الفترة أكتب انطباعاتى ويومياتى, واتذكر منها مقالا عن رحيل مارلين مونرو فقدمت له انطباعاتى هذه فقال لى ستصير كاتبًا جيدًا فى المستقبل.

• وهل تتذكر اللحظة التى قررت أن تكتب القصة؟
أثناء ذهابى إلى منطقة عملى بالأزهر, بجوار متجر "داوود عدس" لفت نظرى حمام شعبى وقررت أن أدخله وعرفت أن اسمه حمام مرجوش, وعندما قررت أن اكتب الرواية فاخترت اسم حمام الملاطيلى ليكون اسقاطًا على نكسة 67, التى قصمت ظهورنا جميعا, وعملى اقتضى الذهاب إلى مدينة الاسماعيلية قبل العدوان وبعده, وقد تعلق قلبى بها حتى صارت أحب المدن إليّ, وحين رأيتها بعد النكسة وقد تهدمت مبانيها وخلت شوارعها وهجرها أهلها وخيم عليها الخراب هنا جاءت لى فكرة حمام الملاطيلي.

لقاء مع يحيى حقي
• وكيف انطلقت مسيرتك فى عالم النشر؟

كنت جالسًا مع صديقى المخرج الراحل أحمد راشد فى سينما أوبرا, وقريبا منا جلس يحيى حقى وزوجته الفرنسية, وفى وقت الاستراحة اخذنى راشد وقدمنى إلى حقى وقال له: إسماعيل كاتب رواية عن حمام شعبى فاندهش يحيى حقى وسألنى: هل دخلت الحمام ؟ فقلت له نعم مرة واحدة, وحينها كان يرأس مجلة المجلة ثم طلبنى بعد 45 يومًا وقال لى لقد تصفحت الرواية وأريدك أن تقرأها لى بنفسك فقرأت له النص على مدى يومين, حيث كنت أذهب إلى منزله الساعة الثامنة صباحا فقال لى أعجبتنى روايتك جدا, وقرر أن يكتب لها مقدمة وأرسلنى إلى الفنان التشكيلى الراحل صبحى الشارونى كى ينشرها واتفق معى أن ادفع 60 جنيهًا, وأذكر أن غلافها كان بريشة الفنان الراحل مصطفى حسين.

• وهل أحدثت ضجة حين نشرت مثل الفيلم؟
أنيس منصور أول من كتب عنها كان ذلك فى مقال نشر فى صفحة الأدب بجريدة الأخبار بعد ذلك كتب عنها أحمد بهاء الدين فى مجلة الهلال وأحمد أبو كف فى المصور

• هل هاجم أحد الرواية ؟
لا, رؤوف توفيق وسمير فريد وإبراهيم الوردانى أشادوا بالرواية وهاجموا الفيلم

• وكيف ترى الفيلم؟
الفيلم سيئ جدا..وبالمناسبة هو ليس أفضل أعمال صلاح ابو سيف, وأن الفيلم الكامل كان أفضل والحقيقة أن مقص الرقيب شوه الفيلم

• اتهمك البعض بأنك تروج للإباحية والمثلية الجنسية؟
غير صحيح لقد حاولت أن أعبر عن فداحة النكسة التى شوهت أخلاقيات المجتمع والعمل ملىء بالإسقاطات الرمزية ؛قد استلهمت الشخصية المثلية من فنان تشكيلى معروف

فاتن حمامة علمتني كتابة السيناريو
• ألم تفكر فى كتابة السيناريو؟

فاتن حمامة علمتنى فن كتابة السيناريو عندما اشترت مجموعة قصص طويلة قصتى "حب تحت الحراسة" ضمن اتفاق على شراء ثلاث قصص بألف جنيه, طلبت منى أن اكتب سيناريوهاتها فقلت لها لا أعرف الا أنها قالت لى سوف أعلمك,و قد حدث ذلك فعلا.

• هل ترى أنك ظلمت نقديا؟
الصحافة احتفت بي بينما لم يهتم النقاد بأعمالي

• هل ليلى مراد هي البطلة الحقيقية لروايتك "حياة مكشوفة"؟
نعم؛ الحكاية بدأت عندما كنت ازور صديقا لى فى جريدة الأخبار فوجدته محتفظاً برقم تليفون ليلى مراد تحت زجاج مكتبه, فكتبت الرقم بسرعة وصرت أطاردها حتى أصبحنا أصدقاء, وعندما انهيت روايتى عنها ارسلتها إليها فأعجبتها قالت لى انشرها ‘فقد أكرمتنى فيها كثيرا

"عاطف الطيب" فهمني جيداً

• هل شوهت السينما أعمالك؟
نعم, مثلما حدث لفيلم درب الهوى الذى يحكى عن البغاء فى فترة الأربعينيات, بينما كان يحكى النص الأدبى عن البغاء فى فترة الثمانينيات, عن قوادات عمرهن ثمانون عاماً يرسلن فتيات صغيرات إلى الزبائن المقيمين فى بعض فنادق شارع كلوت بك, لا أعرف لماذا قاموا بتغيير زمن أحداث هذا الفيلم, الذى أخذ عن قصتى التى كنت أدين فيها الانفتاح الاقتصادى الذى أعتبره كارثة قومية, الوحيد الذى اقترب من روح نصى الأصلى هو المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب فى "أبناء وقتلة".

• وهل تنوى كتابة مذكراتك؟
لا أستطيع أن أكتبها ولن أمليها لأحد.

• ما الأعمال التي تحبها؟
الثلاثية, بداية ونهاية لنجيب محفوظ, وصح النوم,وقنديل أم هاشم ليحيى حقى, وأرخص ليالى وبيت من لحم ليوسف إدريس.

• لماذا تعد الكاتب الأوسع انتشارا؟
بعدما نشرت فى سلسلة كتاب اليوم رواية طائر اسمه الحب أحدثت صدى قويا حتى اتصل بى ناشرى و طلب منى إعادة طبعها وباعت 18 الف نسخة وأما الطبعة الجديدة من رواية "الباطنية" فباعت 20 الف نسخة وكانت طبعها الأولى قد نفدت فى ثلاثة أيام.

• ألا تفكر فى إصدار أعمالك الكاملة؟
لن أطلب من أحد نشر أعمالي.

شخصياتي تعيش فى الواقع
* كيف تستلهم شخصياتك الروائية؟

انا أستلهم شخصيات رواياتى من النماذج التى أقابلها فى الواقع متل أستاذة الآثار الشهيرة التى هاجمت رواية "حمام الملاطيلى" اتهمتها بأنها تسىء إلى الآثار الإسلامية ولانها شخصية سخيفة فقررت الانتقام منها فجعلتها بطلة لروايتى "حمص أخضر".

• فى اعتقادك لماذا تقبل الناس على قصصك؟
ربما أسلوبى سهل ويستطيع الانسان ان ينهيها فى جلسة واحدة

• ما هو برنامجك اليومى فى العزلة؟
أصلى الفجر وأنام ثم استيقظ فى الظهر, لأقرأ الجرائد, وفى المساء أذهب إلى المقهى المجاور, وبعد ذلك اجلس على مقعدى المفضل وأستمع إلى الراديو.