حلم كبير، انجاز عظيم.. وعد به الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من 3 ملايين مواطن في كفر الشيخ، مشروع عملاق، سيخلق آلاف فرص العمل، ويحقق إضافة كبيرة للاقتصاد الوطني.. ويعيد لمصر بصفة عامة وكفر الشيخ بصفة خاصة مكانتها المتميزة في إنتاج الأسماك.. هدية قدمها الرئيس لمصر، ووعد بافتتاحها قريبا، أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط ببركة غليون بمنطقة مطوبس بكفر الشيخ، على مساحة 20 ألف فدان، يتم افتتاحها على مراحل، ستوفر فرص عمل لأكثر من 15 ألف مواطن، 5 ألاف عمالة مباشرة، وأكثر من 10 ألاف عمالة متغيرة، المشروع يتم العمل فيه على قدم وساق، اللودرات والمعدات لا تتوقف على مدار الساعة.. أكثر من 5 ألاف عامل، يواصلون الليل بالنهار لكي يخرج هذا الانجاز العظيم إلى النور ، ويتم افتتاحه في الموعد المقرر له في أغسطس القادم.. تم الانتهاء من أكثر من 75 % منه في وقت قياسي.. مشاهد تسر العين وتسعد النفس تؤكد قدرة الإنسان المصري على الانجاز.

ننفرد بأول زيارة ميدانية للمشروع وقضت يوما كاملا مع العمال ورصدت الملحمة الوطنية التى يجسدها العاملون بالموقع، ومشاهد الانجاز الكبير الذى تحققه الشركة الوطنية للثروة السمكية التابعة للقوات المسلحة.

وسط الأراضى الوعرة، والمدقات، وسط البرك المائية، والأراضى غير الصالحة، يشق مشروع عملاق، يحول منطقة تقع على ساحل البحر وتمتد لاكثر من 20 الف فدان، من مكان مشهور «بأنه منطقة هجرة غير شرعية» إلى منطقة انتاجية متميزة للاسماك للداخل والخارج.

كانت الساعة تقترب من السادسة، وكانت الشمس قد بدأت تنسج خيوطها، اشعتها ولدت «ساخنة» توحى بان اليوم سيكون شديد الحرارة، خرجنا من القاهرة، لدينا رغبة ولهفة شديدتان، لزيارة هذا المشروع الضخم، الذى سيغير حياة ومستقبل محافظات الدلتا، انطلقت السيارة وانطلقت معها خيالاتنا عن انجاز جديد سيضاف لسجل الانجازات، قطعنا اكثر من 5 ساعات متواصلة، حتى نصل لهدفنا، وقفت السيارة امام لافتة ضخمة مكتوب عليها «المشروع القومى للاستزراع السمكى بمنطقة بركة غليون».. المنطقة التى تبعد عن محافظة كفر الشيخ أكثر من 120 كيلو متراً، بالقرب من الطريق الدولى الساحلى، شاء القدر لهذه المنطقة التى تضم اكثر القرى الفقرا، ان تصبح منطقة استزراع سمكى ومنطقة صناعية ومنطقة تعليمية، ومنطقة تصدير ايضا، من يقرأ كلمة المشروع القومى يطرأ على ذهنه فجأة المشروعات القومية الوهمية التى كانت تتوقف قبل ان تبدأ فى عهد الرئيس الاسبق مبارك، لكن بمجرد ان وطئت اقدامنا ارض المشروع، ازيلت اى أفكار سلبية عن المشروع من عقولنا، ولم يتبق سوى الانبهار والاندهاش من ضخامة المشروع، سارت بنا سيارات الدفع الرباعى وسط المدقات والاراضي «الرخوة» لم نشعر بصعوبة الطريق، لان عقولنا وقلوبنا وكل حواسنا كانت فى حالة ذهول مما تراه اعيننا، سرنا وسط احواض الاسماك، بمختلف أنواعها، الحفر يتم بدقة كعقارب الساعة.. العمال يتحركون يمينا ويسارا، العمل يشبه خلية النحل لا احد نائم او متوقف او حتى جالس.. ملحمة وطنية يجسدها عمال مصر الاوفياء، اقتربنا منهم حاولنا ان نتحدث معهم، وعندما شعروا بوجودنا لم يتوقفوا عن العمل، بل تحدثوا معنا وهم يواصلون العمل، اكدوا لنا ان العمل فى الموقع طوال اليوم، العامل يقدم 8 ساعات من جهده وقوته، لمصر كل يوم، ويأتى عمال اخرون ليستلموا منهم، اى ان العمل متواصل على مدار الساعة.

مشروع عملاق

منطقة بركة غليون بمطوبس التى يقع عليها المشروع كانت عبارة عن بركة من المياه منخفضة والأرض غير صالحة للزراعة او البناء ولم تكن مناسبة لأى نشاط آخر، سوى الاستزراع السمكى، هذا المشروع ليس مجرد مشروع استزراع سمكى تقليدى.. بل منظومة متكاملة تشمل مزارع سمكية ومنطقة صناعية ومنطقة خدمية، ويضم ايضا مركز تدريب ومركز تطوير أبحاث، ومصنعا لتعليب الأسماك وتغليفها ومصنعا لإنتاج العلف .. كما توجد اماكن للتدريب والتأهيل، وتم الاستعانة فيه بالخبرة الصينية حيث تم تطبيق اخر الدراسات التى تم التوصل اليها فى الصين فى مجال الاستزراع السمكى، تم عمل دراسات كثيرة قبل اختيار مكان هذا المشروع، ومن اسباب اختيار هذا المكان هو قربه الشديد من البحر المتوسط وقربه ايضا من النيل، كما ان طبيعة الارض لا تصلح لاى شئ سوى الاستزراع السمكى، والسبب الاخر هو ان المشروع يقع وسط 5 قرى بها نسبة عالية من الفقر والبطالة، وبالتالى المشروع سيوفر لهم العمل المناسب، كما ان احد الاسباب هو اغلاق باب الهجرة غير الشرعية تماما حيث ان هذه المنطقة كانت منطقة تهريب وهجرة غير شرعية، لهذه الاسباب تم اختيار المكان.. التقينا المهندس سامى الغنام مدير المشروع الذى بدأ يسرد لنا تفاصيل المشروع، قائلا: هذا المشروع القومى سيغير مفهوم الاستزراع السمكى فى مصر، ويعمل به اكثر من 5 آلاف عامل، وهو اول مشروع يستخدم التكنولوجيا الحديثة والمتطورة فى الاستزراع السمكى، حيث ان المشروع مساحته 20 الف فدان، المرحلة الاولى منه على مساحة 2719 فدانا، والمرحلة الثانية 2815 فدانا والمرحلة الثالثة 6174 فدانا، والمرحلة الرابعة 7 الاف فدان، جارى العمل فى المرحلة الاولى وسيتم افتتاحها قريبا، وتم الانتهاء حتى الان من اكثر من 75 % من العمل، اما المرحلة الثانية يجرى الان العمل فيها رفع مساحى وتخطيط، وستكون مزارع نيلية: البلطى والبورى.. ولن تستغرق المراحل التالية وقتا طويلا لان المرحلة الاولى هى التى تم فيها وضع البنية التحيتة للمشروع بالكامل.

2 مليار وحدة جمبري

ويضيف أن المشروع يضم 453 حوض سمك بحرى مساحة الحوض الواحد 50متر فى 150مترا ، و626 حوض سمك جمبرى، مساحة الواحد 40مترا فى 40مترا، كما يوجد ايضا 186 حضانا لتحصين الزريعة ورعاية الاسماك، كما ان المشروع به معمل للتفريخ، لإنتاج «الزريعة» بمعدل 20 مليونا من الأسماك البحرية «البورى، الوقار، الدنيس، القاروص» و2 مليار وحدة جمبرى، وهذا بهدف وضع حد لمشكلات الصيد الجائر فى البحار، ومحاربة صيد الزريعة ببحيرة البرلس.. والمزرعة بالكامل عبارة عن مشروع صديق للبيئة ولا توجد به اى مصادر للمياه الملوثة.. بالإضافة إلى 10 ورش لتربية اليرقات والجمبرى.

ويشير المهندس رامز مدحت مدير مشروع المنطقة الصناعية،إلى ان المدينة الصناعية التى سوف يتم الانتهاء منها قريبا، مساحتها 55 فدانا، وبها مصنع علف السمك مساحة 1518 مترا وينتج 180 ألف طن سنويا.. ومصنع الفوم على مساحة 5250 مترا، ومصنع الثلج على مساحة 1900 متر.. ومصنع «بروسسينج» ومعمل ابحاث ومركز تدريب لتدريب العمالة، وتدريب الزريعة الذين لا يتبعون المشروع، ويوجد بها ايضا 7 عمارات سكنية للعاملين ومنطقة ترفيهية وملاعب، ومسجد.

كما ان المشروع به قناتان مائيتان الاولى طولها 6 كيلو، تسير فيها المياه التى تغذى جميع الأحواض، للمياه المالحة القادمة من البحر، والاخرى طولها 1.5 كيلومتر للمياه العذبة، وتصبان فى حوض المزج، والذى يتم فيه خلط المياه العذبة بالمالحة، لكى يتم لضبط نسبة الملوحة فى المياه والتى تتناسب مع السمك والجمبرى، وهذا يتم وفقا لدراسات شديدة الدقة، كما يوجد ايضا 8 قنوات لتغذية السمك، و52 لتغذية الجمبرى، واكثر من 26 مصرفا فرعيا، كما توجد محطة صرف ومحطتين رفع واحدة من البحر والاخرى من النيل، وتوجد محطة كهرباء لتشغيل المشروع.

تشغيل أهالي المنطقة

ويوضح عادل البص المشرف العام على المشروع ان لدينا تعليمات مشددة بضرورة ان يكون العمال العاملون بالمشروع من اهالى القرى المجاورة، وبالفعل قد جمعنا كل من يريد العمل من الاهالى وقمنا بتشغيله فى المشروع، ويشير الى ان المشروع غير شكل الحياة فى المنطقة تماما ، فسعر الاراضى تضاعف فى المنطقة، واسعار الشقق السكنية ايضا ارتفعت بشكل كبير، وأسعار تأجير السيارات والمطاعم والمحلات، وجميع سكان القرى المجاورة للمشروع استفاد اهلها منه رغم انه لم يتنه بعد.
المشروع يستهدف رفع القيمة الانتاجية للاسترزاع السمكى، حيث ان الانتاج سيصل الى 3 الاف طن سمك للفدان الواحد، فى الدورة الواحدة التى تصل لـ 18 شهرا، وانتاج 2000طن جمبرى فى الدور الواحدة التى لا تستغرق اكثر من 6 شهور، ولا يمكن تربية الجمبرى سوى فى فصل الصيف فقط، حيث انه فى الشتاء يموت اى ان الجمبرى دورة حياته مرة واحدة فى العام.. وانواع الاسماك التى سيتم استزراعها «البورى الوقار الدنيس، القاروص» وسيتم طرح الانتاج فى السوق المحلى و سيتم تصدير الفائض من خلال مراكز توزيع القوات المسلحة.
كما انه تم عقد بروتوكول مع كليتى الزراعة والطب البيطرى بجامعتى كفر الشيخ وقناة السويس وسيتم تعيين اوائل الخريجين فى المشروع، كما ان المزرعة ستتعامل مع الزريعة الذين يستزرعون السمك بطريقة خاطئة وسيتم تدريبهم، وتسويق منتجاتهم ايضا، وكذلك مصنع الثلج والفوم والتغليف سيتم السماح للصيادين باستخدامه اى ان المشروع لا يقتصر فقط على العاملين به.
منتج عالمى
يقول د. إبراهيم الهواري عميد كلية الثروة السمكية بجامعة كفر الشيخ: مشروع الاستزراع السمكى العملاق الذى تشرف القوات المسلحة على تنفيذه شمال المحافظة سيحقق طفرة كبيرة فى سوق الغذاء.. حيث ستتوافر الاسماك عالية الجودة بالاسواق وسيعتمد المواطنون عليها كمصدر رئيسى للبروتين بدلا من اللحوم الحمراء والدواجن.. مشيرا إلى أن المشروع يعد منظومة متكاملة لتفريخ واستزراع وتربية الأسماك وتصنيعها.. وذلك من خلال وجود مفرخ عملاق لتفريخ الزريعة اللازمة للاستزراع السمكي بالمزرعة.. ومصانع الأعلاف اللازمة لتغذية الأسماك.. ومصانع لتعليبها وتغليفها وحفظها تمهيدا لطرحها بالأسواق.. كما يوجد بالمزرعة مراكز تدريب وابحاث من أجل تطوير العمل بها بصفة مستمرة ورفع كفاءتها.

وأوضح د.الهواري أن المزرعة مخصصة لاستزراع الأسماك البحرية ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة وأيضا مرتفعة القيمة الغذائية.. ومن المميزات الكبيرة للمزرعة ابتعادها عن أي مصادر تلوث وبالتالي سترتفع جودة منتجاتها لتصل إلى المستويات العالمية..

وأضاف أن شواطئ محافظة كفر الشيخ تمتد بطول 118 كيلو مترا وتطل على البحر المتوسط وبها العديد من الاماكن التى تصلح لتكرار هذه المشروعات العملاقة.. كما يمكن استغلال الاقفاص السمكية المخالفة بنهر النيل التى يتم تدميرها ومصادرتها فى الاستزراع السمكى داخل مياه البحر المتوسط، كما انه يقضى على ظاهرة الاقفاص السمكية الملوثة.