بالزيارة الأخيرة التي قام بها إلى العاصمة البحرينية المنامة منذ أيام المحقق الدولي المصري الأصل البروفيسور محمود شريف بسيوني رئيس لجنة تقصي الحقائق المستقلة حول أحداث فبراير ٢٠١١ والتصريحات التي أدلي بها عن أن المملكة أوفت بالتزاماتها ونفذت توصيات اللجنة.. تكون مملكة البحرين قد وضعت في هدوء شديد نهاية متميزة لأحداث عاصفة استهدفت وجود المملكة نفسها في الفترة ١٤ فبراير ٢٠١١ إلى ١٦ مارس من نفس العام عندما تعرضت إلى مؤامرة متكاملة الأركان استطاعت من خلالها إيران استثمار أجواء ثورات الربيع العربي في عدد من الدول العربية مثل تونس ومصر وبعدها في اليمن وليبيا وأخيرا سوريا في عملية خلط بشع للأوراق عبر مجموعات من التنظيمات والتشكيلات والجمعيات بعضها رسمي والآخر يمارس عملا سريا يدين بالولاء لولاية الفقيه في إيران ويتعامل مع إيران كما لو كانت قبلته السياسية، وفي مخطط فشلت فيه إيران طويلا بضم البحرين إلى إيران والتعامل معها كأحد محافظات إيران، ومن تلك التنظيمات جمعية الوفاق الشيعية وهى جمعية معترف بها وإن كانت تأثرت في تحركاتها ومواقفها في الأزمة بتنظيمات سرية غير شرعية مثل حركة أحرار البحرين وحركة حق وجميعهم يعتبر امتداد للمشروع الإيراني في البحرين ومنها إلى بقية دول الخليج.

«بوابة أخبار اليوم» تقدم القصة الكاملة للجنة بسيوني لتقصي الحقائق في البحرين باعتبارها حدثا استثنائيا وتجربة فريدة سعت إليها القيادة في المملكة ونموذجا يحتذى في معالجة أزمات داخلية محتدمة.

في ٢٩ يونيو ٢٠١١ وفي إطار معالجة توابع أزمة فبراير من نفس العام، أصدر الملك حمد بن عيسي آل خليفة، الأمر الملكي رقم ٢٨ بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.. القرار كان وطنيا بامتياز دون طلب من أي جهة أو ضغط من أي منظمة دولية وطلب من اللجنة تحديد ماذا كانت الأحداث التي شهدتها المملكة في الفترة بين ١٤ فبراير الي ١٦ مارس ٢٠١١ قد حدث خلالها انتهاكات قواعد حقوق الإنسان الدولية، كما طلب من اللجنة تقديم سرد كامل للأحداث ووصف أي عمل من أعمال العنف التي وقعت والجهات المتورطة فيها والتحقيق في الحالات المزعومة لوحشية الشرطة والعنف من قبل المتظاهرين والمحتجين والتحقيق في ظروف عمليات التوقيف والاعتقال وحالات الاعتقال القسري.

القرار اتخذ من خلال التشاور مع هيئات مختلفة بما فيها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهى لجنة مستقلة تماماً عن الحكومة البحرينية وأعطيت لها الحق في الوصول الكامل لكل مؤسسات الدولة وكافة المسئولين والحصول على كل الملفات التي تتعلق بعملها.

وتشكلت اللجنة من خمس قامات قانونية وخبرات دولية برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني وهو صاحب باع طويل في مجال القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولي وهو نفس تخصص د.بدرية العوضي كويتية الجنسية فهي خبيرة معروفة في القانون الدولي والشريعة ود.ماهنوس ارسنجاني وهي إيرانية الأصل وخدمت عشرات السنين في مكتب الشئون القانونية للأمم المتحدة والقاضي فيليب كيري أحد حجج القانون الدولي وعمل لمدة ست سنوات كقاضي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والبروفيسور السير إنجيل ورد لي سيمون وهو خبرة دولية في مجال لجان تقصي الحقائق.

وقامت اللجنة طوال عملها والذي استمر حوالي خمسة أشهر بجمع الآلاف الشكاوى والإفادات حول حالات الوفاة والتعذيب والإساءة اللفظية وسوء المعاملة البدنية والإساءة النفسية وإساءة استعمال السلطة والاستخدام المفرط للقوة، وكما قال د.محمود بسيوني إنها المرة الأولى التي تقبل حكومة لاتزال تمارس سلطتها بأن تفتح جميع ملفاتها وأن تستقبل كل أنواع التهم الموجهة إليها وأن تسهل عمل من يسعون إلى تقييم أدائها وربما إقامة الحجة على تقصيرها.

وانتهت اللجنة إلى تقرير شامل في ١٢ فصلا حول حقيقة ماحدث وبالتفاصيل الصغيرة وقدمت ١٧ ملاحظة شملت على انتقادات واضحة لبعض رجال الأمن والتحقيقات حول مخالفتها في تعاملها مع المتظاهرين لمبدأ الضرورة والتناسب وانتهاكات للحق في محاكمة عادلة وفصل موظفين في القطاع العام والخاص وتعرض عدد من دور العبادة للهدم والاعتداءات على الأجانب والمقيمين وانتقدت الإعلام.

والمثير أن الملك حمد بن عيسي أشار في الكلمة التي ألقاها في الاحتفال الذي أقيم لتسلم التقرير القبول به وتشكيل فريق عمل حكومي لدراسة التوصيات والنتائج وأمر بتشكيل لجنة وطنية مستقلة من الحكومة والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ ملاحظات لجنة بسيوني وضمت ١٩ عضوا من الشخصيات البارزة من كل قطاعات المجتمع وأصدرت عدد من التقارير الدولية حول تنفيذ تلك التوصيات بما فيها محاكمة المتورطين من رجال الأمن في عمليات التعذيب واعدة المفصولين من العمال والطلبة وتقديم تعويضات للمتضررين ولأهالي المتوفين والأهم إدخال إصلاحات هيكلية على النظام القضائي والوضع في السجون وتمت إعادة المحاكمات التي تمت محاكم الطوارئ وإجراء عمليات تدريب وإعادة تأهيل لرجال الشرطة وأعضاء النيابة والقضاة وأقامت الحكومة بإجراءات إضافية ومنها إنشاء مفوضية لحقوق السجناء والمحتجزين.

ولعل الخلاف الوحيد مع لجنة تقصي الحقائق جاء على خلفية البند السادس عشر من ملاحظاتها عندما أشارت إلى عدم وجود علاقة واضحة بين الأحداث في البحرين وإيران وقد عدل رئيس اللجنة محمود بسيوني من موقفه ذلك بعد أكثر من خمس سنوات عندما أشار في تصريحاته أثناء زيارته الأخيرة للمنامة انه اطلع على تقارير أمنية حديثة تثبت تورط أطراف أجنبية في أحداث البحرين.

وكشف وزير الإعلام البحريني علي الرميحي عن السر وراء ذلك في انه في وقت الأحداث وأثناء عمل اللجنة كانت هناك أسباب عديدة دفعت إلى عدم اطلاع المحققين في لجنة بسيوني عن التدخلات الأجنبية وبعد استكمال التحقيقات اختلف الوضع وتم اطلاعه على تلك المعلومات فتغيرت قناعاته بوجود ذلك التدخل الأجنبي وقد رد الديوان الملكي علي بيان اللجنة حول وفاء البحرين بكامل التزاماتها وتنفيذ كافة التوصيات بالتأكيد على أن ذلك لن يكون نهاية المطاف للمشروع الإصلاحي الذي أقره الملك حمد بن عيسي آلي خليفة.

وأشار إلى أن عملية الإصلاح مستمرة ومستندة من التأييد الشعبي لذلك المشروع الذي ورد في ميثاق العمل الوطني والذي تم الاستفتاء عليه في فبراير عام ٢٠٠١.