دائما ما يبحث الإعلام عن الأفكار غير التقليدية، ولكن فيما يتعلق بالعلم، تكون هناك حساسية مفرطة في التعامل مع مثل هذه الأفكار، خوفا ألا يكون لها أساس علمي، ومن ثم يتهم المروجين لها، بتدمير البحث العلمي.

من هذا المنطلق، ترددت كثيرا في الكتابة عن اختراع مصري ينتج ماء من حرق التراب، خوفا من هذا الاتهام، غير أن المبرر الذي قادني للتراجع، هو قول المخترع أحمد المصري، صاحب الاختراع : " المثل يقول الميه تكدب الغطاس، فسوف أريك تجربة عملية، وعليك الحكم بنفسك على النتيجة".

وكان مجموعة من الشباب المتطوع قد تحمسوا للفكرة، وروجوا لها عبر أحد الصفحات المتخصصة بموقع "فيس بوك"، ووضعوا رقم هاتف المخترع، الذي بادرت بالإتصال به، فلم يكن كلامه مقنعا لي، غير أنه وقبل أن أنهي مكالمتي معه دعاني لمشاهدة تجربة عملية، لعلي أغير رأيي.

ترددت كثيرا في الموافقة، غير أنيقلت لنفسي " ولما لا، فكما قال الميه تكدب الغطاس، وان كلامه صادقا، فهذا موضوع جيد، وان لم يكن كذلك، فلن أخسر سوى ارهاق الرحلة من القاهرة إلى مدينة السادات، حيث يوجد المصنع الذي يملكه المخترع.

تساؤلات منطقية

خلال رحلتي، دارت في ذهني الكثير من التساؤلات، معظمها حول الأسباب التي تدفع مخترع للسعي جاهدا لنشر فكرته، إلا إذا كانت هذه الفكرة لا يقبلها العقل والمنطق.

ولأن الثقافة العربية بشكل عام، تؤمن بما يأتي من الأجنبي، كان المخترع حريصا منذ وصولنا إلى مصنعه على إزالة توجساتنا، بأن أطلعنا على شهادة صادرة له من معرض الابتكارات في كوريا الجنوبية عام 2011، عن حصوله على المركز الأول عن هذا الابتكار.

ولم تكن هذه هي الورقة الوحيدة التي تؤكد على مصداقية الاختراع، فمن بين أوراق ملف ضخم يحمله المخترع، أوراق أخرى عن تحاليل أجريت في وزارة الزراعة ومعامل الجامعة الأمريكية على المياه، الناتجة عنه، وكلها يثبت صلاحيته للزراعة والشرب.

أزالت هذه الأوراق القلق الذي انتابني طيلة الرحلة من القاهرة إلى مدينة السادات، ثم بدأنا نستمع إلى تفاصيل الفكرة من المخترع، والتي تقوم باختصار على توفير تفاعلات أشبه بتلك التي تحدث في باطن الأرض، وتنتج الماء.

وانطلقت هذه الفكرة من تفسير المخترع لبعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن المياه في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:" فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا".

أساس الفكرة

ويوفر المخترع بيئة تنتج نفس التفاعلات التي تحدث داخل باطن الأرض، وذلك عبر محرقة تأخذ الشكل الهرمي، يتم حرق التراب أو الرمل داخلها مع بعض المخلفات، ويتم ادخال تيار هواء على هذا التفاعل، وخلال فترة خمس دقائق من بدء عملية الإحتراق ينتج الماء.

والاختراع، كما يشرحه المخترع ، يهدف إلى الوصول إلى "البلازما"، وهي الحالة الرابعة للمادة، التي ينتج عنها الماء.

ويوضح المخترع خطوات الوصول لها، قائلا: " يتم إشعال كل أنواع المخلفات داخل المحرقة (المادة في حالتها الصلبة)، وباستخدام ضغط الهواء (المادة في حالتها الغازية) داخل ممرات مصممة لذلك تزداد نسبة الأكسجين، ويصاحب ضغط الهواء استخدام رذاذ مياه (الحالة السائلة للمادة)، فتتم عملية الاحتراق الكامل للمخلفات التي تنتج ما يعرف بـ (البلازما)".

تجربة عملية

وفي مسعى من المخترع لتقريب الفكرة أكثر وأكثر، رصدت عدسة " بوابة أخبار اليوم " التجربة من بدايتها وحتى خروج شلال مياه قوى من المحرقة ، وحرص المخترع على تناوله أمامنا، ليؤكد لنا على مدى سلامة المياه المنتجه.

وكان السؤال لماذا لم يتم تطبيق الاختراع إلى الآن؟ .. كانت الإجابة في قصاصات من صحف، بعضها يعود إلى عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث أعلن نجله جمال تبني الإخترع، وكان ذلك في أواخر عام 2010، ولكن إلى الآن لم يتم تسجيله كبراءة اختراع في أكاديمية البحث العلمي، رغم أنه حصل على الجائزة الأولى من معرض الابتكارات بكوريا الجنوبية.

ويوجه المخترع رسالة للدولة من خلال بوابة أخبار اليوم، قائلا: " لا أريد أموالا من تطبيق الاختراع، فقط أريد أن تستفيد بلدي من هذه الفكرة، ولو كنت أبغي الفائدة المادية لوافقت على الكثير من العروض التي جائتني لشرائه".. فهل تجد دعوة المخترع آذانا صاغية؟! انا لمنتظرون.