بعد إعلان الحكومة تحرير الشوارع من الباعة الجائلين ونقلهم لأسواق بديلة فى الترجمان واحمد حلمى ووابور الثلج وروض الفرج، عاد مسلسل فوضى واحتلال الأرصفة والميادين والشوارع من جديد.. ليرجع نفس المشهد العشوائي لشوارع 26 يوليو وبولاق وأمام دار القضاء العالي وشارع بديع بروض الفرج، وميدان الجيزة وغيرها من الشوارع والميادين.

«بوابة أخبار اليوم» انتقلت إلى عدة مناطق بالقاهرة والجيزة التى عاد فيها الباعة الجائلون لاحتلال الأرصفة ورصدت حالة هجرة جماعية لهؤلاء الباعة من الاسواق البديلة التى خصصتها لهم الحكومة.. إلى الشوارع والميادين من جديد. تحدثنا مع الباعة للتعرف على اسباب عودتهم للشوارع مرة أخرى ومقترحاتهم لاخلائها بإرادتهم ووضع حد للعبة القط والفأر بينهم وبين المحافظة. وناقشنا المسئولين للتعرف على خطتهم لحل المشكلة إلى الابد دون رجعة.

خطة موسعة لنقل الباعة الجائلين

البداية كانت محافظة القاهرة والتى كانت قد اعلنت منذ فترة عن تنفيذ خطة موسعة لنقل الباعة الجائلين الموجودين بالشوارع والميادين إلى أسواق حضارية مخصصة لهم، وبالفعل بدأت الخطة فى عام 2014 الماضى والتى تم تنفيذها على مرحلتين الأولى بدأت بنقل الباعة من منطقة وسط البلد وشوارع قصر النيل وطلعت حرب، إلى جراج الترجمان بصفة مؤقتة حتى يتم نقلهم بعد ذلك إلى أرض وابور الثلج بميدان عبد المنعم رياض، أما المرحلة الثانية فكانت تضم الباعة الجائلين الموجودين بميدان رمسيس، ومنطقة بولاق أبو العلا حيث تم نقلهم إلى جراج أحمد حلمى ويبلغ عددهم نحو 549 بائعا جاء ذلك فى إطار سياسة محافظة القاهرة بإنشاء مجمعات تجارية كبرى تستوعب أكبر حجم من الانشطة التجارية لتخفيف الضغط المروري، والتكدس من قلب العاصمة، وبالفعل قامت محافظة القاهرة على مدى العامين الماضيين بتجهيز عدة أسواق تجارية، انتقل إليها عدد كبير من الباعة الجائلين.

عادوا من جديد

قمنا بجولة على ارض الواقع فى وسط البلد فوجدنا أن شارع طلعت حرب خال تمامًا من الباعة الجائلين إلا أن البعض عاد من جديد الى شارع بولاق فى وكالة البلح وافترشوا أرض الشارع و اغلقوه تمامًا مما أثار استياء وغضب الأهالي دون وجود أي أثر لشرطة المرافق أو أجهزة الحي المسئولة وعندما حاولنا التحدث مع الباعة الا انهم رفضوا الحديث خوفا من تصويرهم قائلين « احنا بناكل عيش وفاتحين بيوت كتيرة من ورا الفرش ده والاسواق اللى بتوفرها الحكومة محدش بيروحها خالص».

إغلاق الرصيف

ولم يختلف الوضع فى 26 يوليو عن المشهد امام صيدلية الاسعاف التى يوجد بها منفذ خروج لمحطة مترو جمال عبد الناصر حيث استغل الباعة ذلك وافترشوا الارض امام سلالم المترو مما تسبب فى اغلاق الرصيف امام حركة المواطنين فيقول احمد سلامة موظف «كنت بمشى براحتى بعد ما الشرطة ازالت جميع الاشغالات ولكن دلوقتى نعانى من البائعين اللى فرشوا بضاعتهم على الرصيف واحنا مش عارفين نمشى» وأناشد المسئولين يرجعوا الحملات تانى فيما قال عبدالله -بائع نظارات-: «أنا راجل على باب الله» ولاأملك اى شىء للرزق وعندى أسرة تحتاج للعيش ففكرت اعمل ترابيزة وأضع عليها نظارات للمارة حتى أستطيع الانفاق على بيتى لان الزباين بتيجى هنا لكن مش هتروح الترجمان ولا احمد حلمى ويضيف على أحمد بائع متجول: تركنا الاسواق البديلة لأنها صحرا لا يوجد فيها مشترى واحد واضاف نقترح على الحكومة ان تجهز باكيات بسور المترو بطريقة منظمة وبإيجارات معقولة يتجمع فيها كل الباعة الجائلين مما يجعل الساحة واسعة وسهلة المرور وراحة للباعة وحفظ بضاعتهم خاصة أن سور المترو طويل ويكفى الجميع وفى نفس الوقت يدر عائدا للمحافظة.

الأمر الذى تسبب فى تحويل منطقة الاسعاف الى «عتبة ثانية». يقول محمد رامى -موظف- ان الباعة الجائلين خرجوا عن كل الاعراف والقانون وتحدوا الشرطة واحتلوا الارصفة من جديد.

ويضيف خالد كارم -موظف- لماذا لم يتم عمل محاضر لهؤلاء الباعة.. ويؤكد ايمن حبيب - صاحب محل - الان الامر يحتاج الى وقفة حاسمة وسريعة من قبل الحكومة فالباعة احتلوا واجهات المحلات لعرض بضائعهم ومن يعترضهم يشهرون الاسلحة البيضاء فى وجوههم.

الترجمان.. أشباح

انتقلنا إلى أسواق الترجمان التى أعدتها المحافظة للباعة الذى اعلن محافظ القاهرة أنه سيكون مولا شاملا يحتوى على 3 الاف بائع وبلغت التكلفة الاجمالية له 10 ملايين جنيه الا ان المفاجأة ان المول هجره الباعة ولم يتبق سوى اعداد قليلة جدا لا تتعدى 50 بائعا يشكون وقف الحال.

روض الفرج

ولم تختلف الأوضاع فى وسط القاهرة عن شوارع الأحياء الفرعية والشعبية ففى منطقة روض الفرج وتحديدًا فى شارع بديع الذى سيطر عليه الباعة الجائلون بالكامل ولم يتبق من الشارع الا مساحة بسيطة جدا يعبر من خلالها التكاتك المخالفة حيث فرشوا واحتلوا الارصفة بأقفاص الدواجن والطيور والعيش وعربات الخضراوات والفواكه فيقول أحمد فاروق بائع منتجات دواجن: كنت أعمل فى السياحة وبعد الثورة وضرب السياحة جلست بلا عمل فكرت فى بيع منتجات الدواجن بحثا عن الرزق بدلا من اكون عاطلا واضطررت لعرض الدواجن فى الشارع لكى يراها الزبون ويشتريها.

«بارك» للحمير

انتقلنا إلى الأسواق التي اعدتها المحافظة للباعة الجائلين فالاكشاك والباكيات الخاصة بالاسواق البديلة فى روض الفرج تحولت الى «اسطبل حمير».. نعم «اسطبل حمير» ويعج المكان بالحشرات والقمامة والروائح الكريهة والمظهر غير الحضارى.

رمسيس خالٍ

ورغم ان الباعة عادوا من جديد الى بعض المناطق الا ان ميدان رمسيس حتى الان لم يعد اليه الباعة الجائلون لان الميدان يحظى بتواجد امنى مكثف من قبل رجال المرافق والمرور بالاضافة الى ان الميدان يسهل السيطرة عليه امنيا مما يخيف الباعة الجائلين ويحول دون عودتهم مرة اخرى للميدان ويبقى السؤال لماذا لا يتم تعميم تجربة ميدان رمسيس على باقى الاماكن فالمواطنون سعداء بالسيولة المرورية الموجودة فى الميدان بسبب ازالة الاشغالات بالاضافة الى ان الارصفة عادت من جديد لكى يتمتع بها المواطنون فى السير دون عوائق او مضايقات.

وبالنسبة للأسواق البديلة فى أحمد حلمى لم يحضر اليها أحد من الباعة ولا الزبائن، ففى اللحظة الاولى التى تضع فيها قدميك فى سوق احمد حلمى ترى مشهدا «لايسر عدو ولاحبيب».. الباعة ينتظرون الفرج والبعض الاخر هجروا السوق وانتشروا فى شوارع العاصمة فيقول رمضان جابر - بائع إكسسوارات فى منطقة أحمد حلمي- انتقلنا الى هنا فى يوم 25 إبريل 2015 بهدف تجميل وسط البلد لكن كان يجب ان يؤخذ فى الحسبان «الراجل الغلبان اللى بياكل عيش شريف» معتبرًا هذا القرار عشوائى غير مدروس.

إدينى حقى

ويضيف محمد شعبان - بائع - انه من وقت «ما جينا» أحمد حلمى وحالنا واقف، إن طلعنا نشوف رزقنا ينزلوا ورانا على الرصيف ياخدونا ويحبسونا، متسائلاً «على إيه وأنا لاقى راحة يعنى دنا لو لاقى نصف العمى هنا هفضل مش ههين نفسى علشان تجرى ورايا تأخد شوية البضاعة وأنا فى هذه السن» ويضيف أنا فاتح بيت هأكل عيالى ازاى لما أنت مستحوذ على كل حاجه، إدينى حقى علشان أديك حقك.

ويقول حسين محمود، أحد البائعين، إحنا عندنا بهذه المنطقة ما يقرب من 60 بائعا، والاتجاه الآخر أكثر من 100 بائع، ناس قديمة وكبيرة فى السن ولديها أطفال؛ طبعًا اتظلموا بهذه القرارات التعسفية، وبدأوا ينزلوا تانى الميدان ويتبهدلوا وتتاخد البضاعة ويتسجنوا»، متسائلاً إيه الحل؟.

وابور الثلج

أما مشروع وابور الثلج فهو حلم تبخر، وذلك بعد وعود كثيرة من الحكومة بتوفير مول وابور الثلج كبديل للباعة الجائلين «لحست الحكومة وعودها».. هذا ما اكده مسئول بمحافظة القاهرة موضحا ان هناك عنصرا جديدا دخل فى هذا الموضوع وهو اعادة تخطيط وتقسيم مثلث ماسبيرو الذى يعد من اهم واغلى منطقة فى القاهرة واكثر الاماكن التى بها خليط بين العشوائيات والحداثة، فهذه المنطقة تم وضعها ضمن خطة اعادة تخطيط مثلث ماسبيرو واصبحت فى حكم المنزوع ملكيتها لكى يتم اعادة تخطيطها.

مولد وصاحبه غايب

ومن محافظة القاهرة الى محافظة الجيزة لنجد ابرز الحالات الصارخة لعودة الباعة الجائلين فى ميدان الجيزة الذى تم تطويره مؤخرا لكن سرعان ما تحول مرة اخرى الى ميدان للفوضى والباعة الجائلين من جديد حيث اختفت الارصفة والحدائق وحل مكانها استاندات ملابس واحذية وادوات منزلية وتحف.

المسئولون يردون

اما رأى المسئولين فقد اكدوا انهم يقومون بحملات مستمرة لمواجهة عودة الباعة الجائلين ..حيث يقول اللواء محمد أيمن عبد التواب نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية والشمالية ان الدولة قامت بتوفير اماكن بديلة للباعة لكن بعضهم قرر ترك هذه الاماكن بارادته مضيفا انه لايوجد تقصير فقد قمنا بعمل اسواق للجملة داخل سوق الترجمان وعملنا خطوط مواصلات لتوصيل المواطنين الى الاسواق وتم عقد اجتماع بحضور محمد عبد الله نقيب الباعة الجائلين مع الباعة الجائلين بسوق أحمد حلمى، للاستماع إلى مطالبهم، وبحث شكاواهم وطالب الباعة بتعديل تصميم السوق، وتغيير باب الباكيات ليكون فى مواجهة موقف أحمد حلمى، لسهولة التواصل مع الزبائن، كما طالبوا بالحصول على التراخيص اللازمة لضمان حقوقهم واستدامة مصدر رزقهم، وطالبوا أيضاً بوجود أبواب للسوق لحماية بضائعهم، متعهدين أنه لا رجوع إلى الشارع مرة أخرى، واكدوا تعاونهم مع الأمن وقسم الشرطة، مشيرين إلى أن سوق احمد حلمى بعد تطويره قد نال رضاء الجميع.

سوق الزاوية

واضاف نتعامل مع هذا الملف بحكمة ومنطق بحيث نحافظ على حقوق الدولة من ناحية، والحفاظ على أكل عيش المواطن من ناحية أخرى حيث نقوم ببناء الأسواق المناسبة فى كل منطقة لاستيعاب بائعيها مضيفا جار الانتهاء من إنشاء سوق حى الزاوية الحمراء الجديد لإنهاء مشكلة الباعة الجائلين بوسط القاهرة، بتكلفة تبلغ 30 مليون جنيه.. وأضاف أن السوق عبارة عن مبنى معدنى يتضمن 500 باكية، ويتميز بانه يقع بجوار سوق غزة القديم بشارع بورسعيد الذى يعج بحركة المواطنين وهو ما يجعل الباعة الجائلين ليس لهم حجة فى الرفض، مشيرا إلى أنه سيتم نقل الباعة الجائلين بوسط البلد بالمنطقة الغربية وايضا بالمنطقة الشمالية الى سوق الزاوية الجديد. وأوضح نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، أن هذه الخطوة تأتى فى إطار جهود الدولة لحل مشاكل الباعة الجائلين، والقضاء على الأسواق العشوائية، بإقامة أسواق بديلة حضارية متطورة ومتكاملة الخدمات لتجميع الباعة الجائلين بها.

ويضيف اللواء ابراهيم خليل رئيس حى جنوب الجيزة ان الحملات مستمرة صباحا ومساء على ميدان الجيزة لازالة الباعة الجائلين بالتنسيق مع شرطة المرافق مؤكدا انه يشرف بنفسه مع مساعد مدير امن الجيزة على هذه الحملات.