مع كثرة المخاوف من ندرة المياه في العالم بفعل التغيرات المناخية وعوامل الطبيعة، ظهرت أفكار جديدة لمواجهة هذه التهديدات.. وفي مصر توصلت عقول الباحثين إلى استخدام وحدات لمعالجة المياه الناتجة عن استخدامات المنازل والمساجد والمدارس.

وتقدر كمية هذه المياه بـ10 مليارات متر مكعب، منها 7 مليارات متر مكعب تعرف بـ«المياه الرمادية»، وهي تلك التى يمكن معالجتها عبر هذه الوحدات، لإعادة استخدامها في أغراض الزراعة.

و«المياه الرمادية» هي مياه متوسطة بين المياه النقية الصافية (التي يطلق عليها اصطلاحا بالمياه البيضاء) وبين مياه الصرف الصحى الملوثة (التى يطلق عليها أيضا اصطلاحا بالمياه السوداء) وتنتج المياه الرمادية من مياه الوضوء والمغاسل وأحواض الاستحمام، والناتجة عن غسيل الملابس فى الغسالات الأوتوماتيكية.

ومن جانبها، أكدت وزارة الإسكان، أنها عازمة على تعميم الفكرة، بعد أن أثبتت نجاحها في التجربة العملية التي أجريت في ثلاثة أماكن.

صاحب فكرة هذه الوحدات هو د.وائل أبو العز، استاذ الهندسة الكيميائية بجامعة إلمنيا، الذي قضى فترة طويلة من حياته في اليابان، يعمل في إحدى جامعتها، فلفت انتباهه خلال اقامته هناك، استغلالهم للمياه الرمادية، بما فيها مياه الصرف الصحي.
وبعد عودة أبو العز إلى مصر، ظلت فكرة استغلال هذه المياه تراوده، لاسيما أن الأمر لم يعد ترفا، بل صار ضرورة، بعد أن اقترب تشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي ستكون له تداعيات سلبية على تخفيض حصة مصر من المياه.
ويقول أبو العز: «مشكلة الوحدات الموجودة بالخارج أنها مرتفعة الثمن، ومن ثم فإن استيرادها سيكون مكلفا للغاية، فكان التفكير فى انتاج وحدات بخامات محلية، الأمر الذى تحقق قبل ثلاث سنوات».
وتختلف الوحدات التى انتجها د.أبو العز، من خلال مركز تطوير المشروعات وتكنولوجيا الأبحاث العلمية، الذى يرأسه، عن الوحدات المستخدمه بالخارج، فى أنها تتعامل فقط مع المياه التى لا تختلط بالصرف الصحي.
وقال: «ثقافة وطباع الشعب المصري، لا تقبل التعامل مع المياه التي تختلط بالصرف الصحي، ومن ثم فإننا نتعامل فقط مع المياه التي لم تختلط بالصرف الصحي، التي تقدر كميتها بـ 7 مليارات متر مكعب».

قبل ثلاث سنوات
بعد أن وصل د.أبو العز لانتاج هذه الوحدات، بدأ يفكر فى تسويقها، وكانت البداية قبل ثلاث سنوات، من خلال مشروع بحثى تم تنفيذه بين مؤسسة «مصر الخير» ومركز تطوير المشروعات وتكنولوجيا الأبحاث.

بدأ المشروع فى مسجد صلاح الدين بمحافظة المنيا، حيث تم استغلال مياه الوضوء بعد معالجتها فى رى حديقة المسجد، وأظهرت الفكرة نجاحا، شجعهم على الانتقال لتجربتها على نطاق أوسع.

ويقول د.أبو العز: كان النطاق الأوسع للتطبيق، من خلال بروتوكول تعاون رباعى بين أكاديمية البحث العلمى ومركز تطوير المشروعات وتكنولوجيا الأبحاث العلمية، ومؤسسة «مصر الخير»، الإدارة المركزية للمدن المستدامة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة الاسكان، ومن خلاله تم الاتفاق على تنفيذ الوحدات فى 10 أماكن بالمدن الجديدة.
ومؤخرا، تم الاتفاق على عودة المشروع مرة إلى المساجد، بعد توقيع بروتوكول تعاون بين أكاديمية البحث العلمى ومؤسسة مصر الخير، لزراعة سطح مسجد السيدة نفيسة بالخضراوات والفواكه.
وكان باحث بالمعمل المركزى للمناخ الزراعى قد حصل على تمويل من أكاديمية البحث العلمى، لتنفيذ أنظمة جديدة لزراعة أسطح المنازل بدون تربة، فجاء التفكير فى تطبيق تلك النماذج فوق سطح مسجد السيدة نفيسه، باستخدام مياه الوضوء بعد معالجتها عبر الوحدات التى أنتجها د.أبو العز.


نتائج مشجعة
ويبقى تطبيق هذه الوحدات فى أماكن متفرقة غير مؤثر على المستوى القومى، فهل يمكن أن نرى قريبا توجها لتعميمها؟
د.هند فروح، رئيس الإدارة المركزية للمدن المستدامة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة الاسكان، قالت إن الوحدات تم تطبيقها فى أربعة أماكن إلى الآن، فى جهاز مدينة 15 مايو، ومدرستين بالشرقية ومدينة السادات بالمنوفية، والمركز الثقافى البيئى فى الشيخ زايد، وذلك وفق البروتوكول الرباعى الموقع بين أكاديمية البحث العلمى ومركز تطوير المشروعات وتكنولوجيا الأبحاث العلمية، ومؤسسة «مصر الخير»، الإدارة المركزية للمدن المستدامة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة الإسكان.
وأوضحت د.هند، أن نتائج تطبيق هذه الوحدات إيجابية للغاية، حيث أثبتت تحاليل المياه بعد معالجتها، أنها مطابقة للأكواد المصرية فى الزراعة.
وتوقعت رئيس الإدارة المركزية للمدن المستدامة، اتخاذ خطوات أكثر تقدما لتعميم الفكرة، بعد الانتهاء من تنفيذ الوحدات العشر، التى يتضمنها البروتوكول.


شروط للتعميم
ويثني د.نادر نور الدين، استاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، على الفكرة، داعيا إلى تعميمها شريطة أن تكون اقتصادية.

ويقول: «التكاليف العالمية لتنقية المياه تقدر بـ2 جنيه للمتر، فهل تكلفة التنقية عبر هذه الوحدات ستكون فى هذا المعدل أم لا».

وأضاف: «إذا كانت هذه الوحدات المنتجة محليا فعالة، يمكن أن توفر على الدولة ملايين الدولارات التى ستنفق في استيراد مثيلاتها من كوريا واليابان".