السوريون في مصر صنعوا حياتهم الجديدة، رفعوا علمهم، ولكن غيروا نشيدهم القومي «حماة الديار» واعتبروه رمزا لنظام حملوه مسؤولية الدمار الذي تعرضوا له، وأسسوا المدارس الخاصة بهم.

يتغنون في طابور صباح كل يوم مدرسي، بالنشيد الوطني الذي اختاروه، ومن قصيدة «موطني» من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، والذي لحنه عام ١٩٣٤ الموسيقار اللبناني محمد فليفل.

ولم يكن أمام السوريين المقيمين في مصر لتعليم أبنائهم سوى تأسيس مدارس خاصة بهم، وصل عددها حتى الآن إلى ١٤ مدرسة في القاهرة والجيزة، وتستوعب كل مدرسة ٣ آلاف تلميذ، من مرحلة رياض الأطفال، وحتى الثانوية، وبدأ الأمر في صورة «سناتر» تعليمية ثم تحولت إلى مدارس مكتملة المعالم ويديرها سوريون بداية من الفراش والمدرسين وحتى مدير المدرسة، والهدف الحفاظ على لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم على أمل أن يعودوا إلى بلادهم مرة أخرى، أما أملهم الوحيد هو اعتراف وزارة التربية والتعليم المصرية بشرعيتهم تخفيفا للزحام في المدارس الحكومية المصرية التي لا تتحمل استيعاب آلاف الأطفال السوريين.

البداية في طابور الصباح، داخل السنتر الكائن في أحد المولات التجارية بمدينة السادس من أكتوبر، حيث توجد مدرسة سورية تحمل اسم «الوطن» قائمة بالجهود الذاتية وتمويل عدد من الجهات المانحة المصرية والدولية المهتمة بشأن اللاجئين السوريين.

وانطلقت في السابعة والنصف صباحا حناجر الأطفال الصغار مرددة النشيد الوطني السوري الجديد «موطني»، وتجلجل أبياتها في أرجاء المكان تمنحهم ولو القليل من ذكرى سوريا الجميلة، ثم ينطلق الأطفال إلى فصولهم، ولأن النظام هو كل شيء، فقد وضعوا أسلوبا رائعا لإدارة المدرسة التي يديرها أمير شهلة ابن الثلاثين عاما، الذي يقول لنا إنه يطبق نظاما صارما في المتابعة.

وقال: "كل فصل يحتوى على «دفتر انضباط» مسجل فيه اسم كل طالب يسجل فيه المعلم ملاحظاته على الطلبة في المستوى العلمي والانضباط والحالة النفسية، ويتم تسليمه في نهاية اليوم إلى مشرف الدور الذي يراجع الكشوفات يوميا، وتبدأ متابعة الأطفال الذين لديهم تراجع في المستوى أو الدراسة، كما يقوم مشرف الدور كل أسبوع بدخول كل فصل دراسي ويختبر الطلبة شفهيا لتقييم مدى قدرة المدرس على توصيل المعلومة ويطمئن على مستوى الطلاب، والتأكد من واقعية «دفتر الانضباط»".

ويوضح «شهلة»: "أنهم يقومون بتدريس الحضارة السورية للطلاب من خلال المجسمات كنوع من الأنشطة الذهنية العملية، وهو ما يكون لديهم صورة لبلدهم التي قد يكونوا لم يروا معالمها التاريخية أو الأثرية، ولم نقم بإعداد مادة دراسية لأن وزارة التربية والتعليم رفضت، ونخشى أن يتهمنا البعض بعمل تنظيم لكيان سوري داخل مصر، وهو ما يجعلنا نقوم بنقل الثقافة السورية للطلبة بشكل شفهي".

تجولنا في المدرسة، حيث تميز أحد فصول «روضة الأطفال» بكثرة ألوان حوائطه، وأصرت معلمتهم «تغريد دوامة» أن نشاهد العرض الاستعراضي الذي تدربوا عليه، وهو عبارة عن أغنية باللهجة السورية، لعدد من الرسوم المتحركة، ويقوم الأطفال بتمثيلها مع الغناء والحركة، بالإضافة للدرس الأسبوعي الذي يتولاه المعلم «محمد خير» لتعليمهم إجراء عشرات العمليات الحسابية خلال ثوان باستخدام «العداد الذكي» كنوع من الأنشطة الذهنية المتميزة.

وقالت انتصار السعدي مدير رياض الأطفال بالمدرسة، إن الأطفال في الروضة والصفوف الابتدائية الأولى ظروفهم أصعب بكثير من أسرهم لأنهم يتربون خارج بلادهم ولا يستطيعون زيارة معالمها أو رؤيتها على الطبيعة وهو ما يجعل مهمتنا كمعلمين أصعب من غيرنا حيث أننا نسعى إلى مساعدة الأطفال في إطلاق العنان لخيالهم في رسم صور لمعالم بلادهم السياحية أو الأماكن المؤثرة في تاريخها، تقول: كلنا سعداء بالرسالة التي نؤديها لأطفالنا لكي نتمكن من تنشئة جيل جديد من الأطفال الصامدين والذين سيأتي عليهم اليوم الذي يعودون فيه لبلادهم ليبنوها من جديد.