ما إن أمسكت 100 مؤسسة إعلامية بمفاتيح «مغارة بنما» حتى بدأت أوراق شجرة الحسابات المصرفية لنحو 128 سياسيا وموظفا عامًا حول العالم تتساقط واحدة تلو الأخرى.. لكن يبقى السؤال الآن: ما سر «جبروت» تلك الدولة البنمية التي اهتز لها عرش العالم؟

ضربة البداية
أيقنت الحكومة البنمية أن الاعتماد على عملة قوية ربما يجعل اقتصادها جزءًا من أكبر تكتل في العالم، وهو ما حدث بالفعل عندما تخلصت في عام 1904 من عملتها المحلية، واتخذت من «الدولار» عملة رسمية لها، وتحقق الحلم بدمج نظامها المصرفي في أسواق العالم المالية القائمة على العملة الأمريكية.

وأمام قرارات «بنما» المتعلقة بتغيير قوانينها المصرفية عام 1970، دخلت البنوك الدولية في «لهفة» على المشاركة في الثورة المالية الخارجية لتلك الدولة الواقعة في قلب قارة أمريكا الجنوبية.

هنا الدولار
بالفعل نجحت بنما في الاستفادة من النظام النقدي المبني على الدولار، وتجاوزت مخاطر سعر الصرف واحتمال حدوث أزمة في العملة مقابل الدولار الأمريكي، ومن هنا انهالت على بنوكها حسابات العشرات من الساسة وكبار المسئولين حول العالم.

وببساطة شديدة، تم تجاوز حدوث أزمات مصرفية باندماج نظام بنما المصرفي في النظام المالي الدولي، بعدما وفرت طبيعة البنوك البنمية لعملائها مفتاح فهم كيفية عمل النظام ككل بشكل سلس، وعندما تكون محافظ هذه البنوك متوازنة، لا يهمها توزيع السيولة، بفتح أو سحب ائتمان، سواء في الأسواق المحلية أو في الأسواق الدولية.

«بِركة» مصرفية
بمرور السنوات، صارت بنما بمثابة بركة صغيرة تتصل عبر نظامها المصرفي بمحيط دولي ضخم من السيولة، فعندما تتجاوز معدلات العوائد المعدلة حسب المخاطر في بنما تلك العوائد في الخارج، تقوم بنما بالسحب من محيط السيولة الدولي، وعندما تتجاوز العائدات في الخارج تلك في بنما، تقوم بنما بإضافة سيولة (ائتمان) إلى المحيط في الخارج.

لمواصلة التشبيه، يعمل نظام بنما المصرفي مثل قناة بنما في الإبقاء على توازن مستويات المياه على جانبي القناة، ولا غرابة في أن تكون مستويات الاعتماد والودائع غير مرتبطة بعلاقة متبادلة في بنما بالنظر إلى الدرجة العالية الموجودة من التكامل المالي، وتلك الرؤية سجلها «ستيف إتش هانكي - أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز» في إحدى الصحف العالمية.

بنوك بالجملة
بمرور السنوات تحولت تلك الدولة الصغيرة إلى مركزٍ اقتصادي ومالي «رهيب»، إذ يركز اقتصادها على الخدمات المرجحة بشكل كبير تجاه البنوك والتجارة والسياحة، فضلا عن الأنشطة التجارية والشحن المرتبطة بقناة بنما ومرافق الموانئ الواقعة في بالبوا.

ولا يمكن تخيل أن مدينة بنما التي لا تتجاوز مساحتها 9 آلاف و166 كيلومترًا مربعًا، تضم وحدها 80 بنكًا عالميًا، فضلا عن كونها مسئولة عن إنتاج 55% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

«المرونة».. كلمة السر
وبحسب «هانكي»، فإن نظام بنما المالي المبني على الدولار ونظامها المصرفي المندمج دوليًا حقق نتائج ممتازة بالمقارنة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى، فكانت (أولا) معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبنما مرتفعة نسبيا وكانت تقلباتها منخفضة نسبيا، ثم (ثانيا): عكست أسعار الفائدة أسعار السوق العالمية، معدلة بالنسبة إلى تكاليف ومخاطر المعاملات.

(ثالثا) كانت معدلات التضخم أقل قليلا من تلك التي في الولايات المتحدة، و(رابعًا) كان سعر الصرف الحقيقي لبنما مستقرا للغاية ويسير باتجاه انخفاض طفيف قياسا بسعر الصرف للولايات المتحدة، و(خامسًا) والأهم: أثبت نظام بنما المصرفي، الذي يعمل دون وجود بنك مركزي مقرض كملاذ أخير على أنه شديد المرونة.

بل إن عددًا من الخبراء المصرفيين نصحوا بإتباع النموذج البنمي والحذو حذوها عن طريق «التخلي عن القومية النقدية عبر التخلص من البنوك المركزية والعملات المحلية، ودمج أنظمتها المصرفية مع أسواق رأس المال الدولية».

معلومات سريعة
جمهورية بنما هي إحدى دول وسط أمريكا الجنوبية، ومساحتها 78 ألفًا و200 كيلومتر مربع، يحدها من الشمال البحر الكاريبي والمحيط الأطلنطي ومن الجنوب المحيط الهادئ ومن جهة الجنوب الشرقي كولومبيا ومن جهة الشمال الغربي كوستاريكا.

تقع على جزء من اليابسة الذي يربط بين أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، والذي يبلغ طوله 770 كيلومترًا على المحيط الأطلسي و417 كيلومترًا على المحيط الهادئ.

تعتبر بنما دولة طولية الشكل حيث أن عرضها يتراوح بين 80 و190 كيلومتر، ومن أهم معالمها القناة بنما، ولغتها الرسمية الإسبانية، وتستخدم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية، وعملتها بالبوا وتعادل دولار أمريكي.

المفاجأة أن لـ«بنما» أكبر اقتصاد في منطقة أمريكا الوسطى، وذلك قبل غواتيمالا، كوستاريكا والسلفادور، بل والأسرع والأكبر نموا من ناحية دخل الفرد بمنطقتها.