«زاد مؤخرا انتشار القنوات الفضائية القائمة على الترويج للدجل والخرافات والشعوذة والسحر وإيهام الناس بالقدرة على تزويج العانس وفك السحر وزيادة المحبة بين الزوجين أو التفريق بينهما وغيرها من الأمور، وقد وجدت هذه القنوات نفسها بلا رقيب يمنعها من تضليل الناس والتكسب من حاجاتهم فزادت من غيها..نستطلع رأى عدد من رجال الدين حول هذه القنوات وسبل التعامل معها وموقف الشرع حيالها».

فى البداية يقول د. نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن هذه القنوات مجرد وسيلة للتكسب ولكن عن طريق غير ما شرعه الله وهو طريق السحر والشعوذة وإيهام الناس فقد ذكر الله السحر فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم، كما ورد ذكره فى السنة المطهرة، وثبت أن النبى -صلى الله عليه وسلم- صنع له لبيد بن الأعصم سحرا، يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله: «﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.

ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اجتنبوا السبع الموبقات» وعد منها السحر، ولقد ذكر العلماء أن جمهور المسلمين على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعنى كونه مؤثرا بذاته، ولكن التأثير هو لله تعالى وحده؛ لقوله تعالى﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فقد نفى الله عز وجل عن السحر التأثير الذاتى ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله تعالى، ولا تتجاوز حقيقته حدودا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء، ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل فى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾: إن الحبال لم تنقلب فى الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خيل ذلك للمشاهدين، ومن الآيات الكريمة نفهم أن الشياطين هم الذين يعلمون الناس السحر، وأن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويحرم على الإنسان أن يتعلم السحر أو الشعوذة إذا كان يريد بذلك خداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، ولكن إن كان القصد من ذلك هو كشف حيل المحتالين وفضح أعمال المخادعين فلا بأس، كما يحرم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذى ينفعه أو يضره، يقول: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أتى عرافا فصدقه فيما قال فقد برئت منه ذمة الله ورسوله».

النفع والضرر من الله
وينصح د. نصر فريد واصل الناس بالابتعاد عن هذه القنوات ويجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله تعالى، ولا يقع فى ملكه تعالى إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به، وأن يقوى كل إنسان صلته بالله، عن طريق الذكر والصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين، فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.

ويشدد د. عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر على أن هذه القنوات عليها إثم كبير لأنها تنشر الشعوذة والخرافات فى المجتمع على عكس ما ينبغى أن تكون عليه رسالتها فى بناء الأوطان والعقول وحفظ الدين وصيانته لا التكسب منه ولذا ينبغى ان تكون لها ضوابط تحكمها وأن تجد من يردعها .

ويوضح أن هدفها التكسب فى مجال يخالف الدين والعقيدة التى أكدت أن الانسان لا ينفع ولا يضر وأن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى وهذه القنوات لا هدف لها إلا الحصول على أموال الناس بالباطل لدرجة أن أحد الذين يقولون إنهم يداوون بالقرآن الكريم جعل قيمة الكشف عنده والعلاج 10 آلاف جنيه فكيف يستقيم هذا؟! فالأمر إذن لا علاقة له بالدين وإنما هى تجارة وينبغى على الناس أن ينتبهوا لهؤلاء النصابين والذين يستغلون الناس فالشياطين لا يمكن أن تتحكم فى الزواج أو الطلاق والشيطان نفسه فى خطبته يوم القيامة يتبرأ من أتباعه كما يقول القرآن :»﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. ويقول تعالى: ﴿إن عبادى ليس لك عليهم سلطان﴾. أى أن الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المخلصين بل إن الشيطان نفسه يتبرأ ممن يدعى عليه القدرة على التفريق بين الأزواج أو تزويج العانس أو فك السحر وغيرها من الأمور التى يقوم عليها عمل الدجالين والسحرة.

ويوضح أن السحر له علاج فى القرآن من قراءة فاتحة الكتاب والرقية الشرعية يقرأها الانسان على نفسه أو يقرأها عليه من يثق فى صلاحه وتقواه شريطة ألا يتكسب منها.

دور الدولة
ويؤكد أن قنوات الشعوذة لا ترسى لا قواعد أخلاقية ولا دينية وهى تلجأ للخزعبلات والخرافات لانصراف الناس عنها إما لأكاذيبها أو لهبوط مستواها فلا تجد فيها إلا مذيعاً فاشلاً أو مقدم برامج فاشلاً ولذلك تلجأ لنشر الخرافات لجذب المعلنين إليها بما لا يساهم فى بناء الأوطان وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولذلك يجب على الدولة أن تضرب بقوة عليها وعلى القائمين عليها ولا تترك الناس فريسة للأوهام..يجب أن تكون هناك رقابة من الدولة ومن هيئة الاستثمار التى تملك السيطرة على الفضائيات لمنع نشر الدجل والشعوذة والخرافات والترويج لها،وعلى الجميع كذلك أن ينبه لهذه المخاطر أما عن الأزهر فهو ليس بيده سلطة المنع ولا يملك إلا التنبيه والبلاغ والتوضيح للناس فليس لدينا ضبطية ولا نملك إلا أن نقول هذا خطأ وهذا مخالف للشريعة وهذا حرام ونوضح للناس الحرام والحلال وعلى من بيده سلطة المنع أن يمنع لأن هذه مسئوليته أمام الله.

ويشير د. نبيل عجيب إمام وخطيب بأوقاف الإسكندرية إلى أن السحر حقيقة قائمة، وهو حرام بإجماع علماء المسلمين، ويحرم كذلك تعلمه وتعليمه.. وقال الإمام النووى كما فى شرحه على مسلم: وهوحرام بإجماع علماء المسلمين وَأَمَّا عَدُّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّحْر مِنْ الْكَبَائِر فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا الصَّحِيح الْمَشْهُور، وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّ السِّحْر حَرَام مِنْ الْكَبَائِر فِعْله وَتَعَلُّمه وَتَعْلِيمه .

حد الساحر
ويؤكد أن الساحر الذى يباشر السحر بنفسه كافر، ويقام عليه حد القتل من قبل ولى الأمر ما لم يتب،وقال الحطاب المالكى فى مواهب الجليل:ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السِّحْرَ رِدَّةٌ وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ السَّاحِرُ إذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ،والكهانة أيضاً حرام، قال المنذرى فى الترغيب والترهيب: الكاهن هو الذى يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطىء أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك.

ويؤكد أنه يجب على المسلم أن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها، ويحذر من سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحفاظاً على دينه وعقيدته.

ويختتم بقوله:نحن ننصح هؤلاء السحرة والمشعوذين، ونقول لهم : أنقذوا أنفسكم من عذاب الله، فلا بد يوماً يأتى يقف فيه الكلُّ بين يدى الله تعالى، فماذا أنتم قائلون فيما سعيتم فيه من إلحاق الأذى بالمسلمين، قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (58) سورة الأحزاب،فلا بد من ساعة تأتى ليحاسب فيها الجميع أمام الله، كما قال تعالى «وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (281) سورة البقرة.

ومن جانبه أكد مصدر مسئول بالشركة المصرية للأقمار الصناعية «النايل سات» أن هذه القنوات لا تبث على النايل سات ولا يمكن لنا منعها لأننا لا نملك السيطرة عليها وإنما تبث على الاقمار الصناعية الأخرى خاصة القمر الصناعى الفرنسى المجاور للنايل سات ولذا فإن من يملك حق منعها هى الحكومة الفرنسية ويمكن للناس أن يقدموا شكاوى للمجلس السمعى البصرى الفرنسى للتضرر من هذه القنوات وبغير ذلك لا يمكن علاج المشكلة.