قد يتعجب البعض من هدوء شريف اسماعيل، وقد يرى البعض الآخر بطء الايقاع، وأن القضايا الملحة لم تأخذ مكانها، وقد يرى البعض الآخر العكس، وهكذا إذا تركنا أنفسنا للانطباعات والأحكام السريعة فإننا قد نوجه الرأى العام الى اتجاهات غير موضوعية.

ترتيبا على ذلك فان الأرقام لا تكذب، ولا تتجمل.. والبحث العلمى لا ينافق ولا يداهن.. ونحن من خلال الأرقام والبحث العلمى الموضوعى نضع تحليلاً لبيان الحكومة أمام مجلس النواب.. الأرقام تشير إلى أن عدد كلمات البيان الأساسية 10270 كلمة، جاءت فى 78 صفحة، وألقاها رئيس الوزراء فى 80 دقيقة تقريباً، بمعدل 128 كلمة فى الدقيقة، وهو مؤشر جيد، إذ أنه «الوسط الحسابى» المميز الذى اتفق أساتذة الإلقاء على أنه يمثل السرعة المناسبة للإلقاء فى اللغة العربية (120-140 كلمة فىالدقيقة).. الطريقة الهادئة لرئيس الوزراء فى إلقاء البيان صاحبها استخدام للأرقام والإحصائيات بشكل أكثر تميزاً.. إذ ورد فى الخطاب 297 رقم وإحصاء، بمعدل رقم وإحصاء لكل 34 كلمة ..

هدفنا فى هذه الدراسة هو تقديم تحليل علمى كمى كيفى لبيان الحكومة، معتمدين على أسلوب التحليل اللغوى والأسلوبى.. وهو أسلوب علمى جرى استخدامه فى كثير من الدراسات العلمية للبحث فيما وراء الكلمات، والبحث عن «رؤى» علمية تكمن وراء استخدام الكلمات بشكل مرسل.. نحاول أن نصل إلى استخلاصات قائمة على التحليل العلمى بعيداً عن الانطباعات الذاتية، وبعيداً عن التوجهات الشخصية.. إذن، فالتحليل ونتائجه هوالأساس الذى يمكن أن نبنى عليه موقفنا من البيان، والتحليل ونتائجه هو نقطة البداية فى الحكم على البيان ومخرجاته..

فى هذه الدراسة اعتمدنا على «الكلمة» كوحدة للعد والتسجيل فى بعض الأسئلة التى طرحناها ، ووحدة الفكرة فى بعض الأسئلة.. وهما (الكلمة ، الفكرة) يتكاملان معاً فى تقديم الصورة العامة لمضمون البيان الذى يمكن عرض مخرجاته فى المحاورالتالية:


أولاً : اللغة الإنشائية فى مقابل الأساليب الخبرية :

تشير نتائج الدراسة التحليلية لبيان الحكومة إلى أن غلبة الطابع الإنشائى على البيان .. 63% من الجمل والتراكيب المستخدمة فى البيان هى جمل وتراكيب إنشائية.. فى مقابل 37% هى جمل وتراكيب خبرية.. فى اللغة، يشير اللغويون إلى أن لغة الإنشاء هى ما لا تحتمل الصدق أو الكذب فى ذاتها.. لا نستطيع تصديقها، لا نستطيع إثباتها، هى جمل عامة... فى بيان الحكومة كثير من الإنشاء، « فالتحديات جلية، والصعاب كثيرة، والمشاكل عميقة» على إطلاق التعبيرات.. وفى بيان الحكومة «إننا جادون فى عملية الإصلاح» دون تحديد لمعيار الجدية.. وفى بيان الحكومة «التحديات كبيرة وضخمة» دون تعريف لمفهوم الضخامة ومؤشرات كونها كبيرة .. وفى بيان الحكومة «لن نتهاون مع الفساد» دون إشارة إلى الإجراءات المؤدية إلى ذلك.. وفى بيان الحكومة «سيكون علينا اتخاذ عديد من القرارات الصعبة» دون تحديد لمفهوم «عدد»، ولا مفهوم «قرارات صعبة» ولا تحديد لطبيعتها..



ثانياً : الإشارة إلى خطط تفصيلية محددة فى مقابل خطط عامة :

تشير نتائج الدراسة إلى أن هناك 116 إشارة تفصيلية إلى مشروعات محددة وخطط تفصيلية، فى مقابل 229 إشارة إلى خطط عامة غير مرتبطة بسياسات وإجراءات محددة.. من أمثلة الخطط العامة غير المحددة، الحديث فى البيان عن «تطوير منظومة الأمن والارتقاء بالأداء الشرطى»، و«مواجهة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل»، و«تمكين المجتمع المحلى»، و«تهيئة المناخ المناسب لإجراء الانتخابات المحلية»، و«تطوير منظومة العدالة والتشريعات وتحديثها بما يحقق العدالة الناجزة»، و«رفع تنافسية الصادرات من السلع والخدمات»، و«الاستثمار فى رأس المال البشرى» و«جذب رءوس الأموال الأجنبية المباشرة وغير المباشرة».. وغيرها من الخطط التى تم ذكرها بدون تفاصيل أو شرح لكيفية تحقيقها وتنفيذها..



ثالثاً: الإشارات إلى جداول زمنية محددة لمحاور الخطة الاقتصادية :

تشير نتائج الدراسة إلى أنه قد وردت 29 إشارة زمنية مرتبطة بتنفيذ خطط الحكومة.. 7 من هذه الإشارات وردت فيما يتعلق بالمحور الثالث الخاص بالرؤية والبرنامج الاقتصادى للحكومة ، و5 منها وردت فى المحور الرابع، الخاص بالعدالة الاجتماعية وخدمات المواطنين.. و 16 إشارة وردت فى المحور الخامس الخاص بالتنمية القطاعية.. وإشارة زمنية واحدة وردت فى المحور الثانى المتعلق بترسيخ البنية الديمقراطية وتدعيمها.. بينما لم يرد أى إشارة زمنية مرتبطة بالخطط المقدمة فى المحور الأول المتعلق بالحفاظ على الأمن القومى المصرى، والمحور السادس الخاص بالإصلاح الإدارى وتحقيق المزيد من آليات الشفافية والنزاهة، والمحور السابع الخاص بالدور المصرى على الصعيدين الإقليمى والدولى..


رابعاً
: المدى الزمنى للخطط المقدمة فى برنامج الحكومة :

تتباين وجهات النظر فى نوعية الخطط التى يجب على الحكومة الحالية تبنيها وتقديمها إلى الشعب ونوابه لإقرارها.. البعض يشير إلى أن الحكومة الحالية يجب أن تركز على الخطط قصيرة المدى التى تخفف من شدة المشكلات التى يعانى منها أفراد الشعب حالياً، مثل ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه فى مقابل الدولار، والبطالة.. والبعض يشير إلى أولوية الخطط المتوسطة والطويلة المدى، باعتبارها السبيل للقضاء على المشكلات الاقتصادية المزمنة فى مصر.. تشير الدراسة إلى أن 82% من الخطط التى تم تقديمها فى البيان ستنتهى فى عام 2018.. أى بعد عامين من الآن .. و12% هى مشروعات ترتبط بخطة مصر 2030، أى أنها ترتبط بمدى زمنى طويل.. و6% ترتبط بمدى زمنى قصير خلال العام الحالى 2016.


خامساً : توزيع الخطط على الشرائح المجتمعية الرئيسية المستهدفة منها :

تشير نتائج الدراسة إلى أن 71% من الإشارات إلى المشروعات والخطط هى خطط ومشروعات تستهدف الجمهور العام والشعب المصرى بصفة عامة.. فى مقابل 29% هى خطط ومشروعات تستهدف بعض الفئات النوعية.. ويأتى الشباب على رأس هذه الفئات النوعية (9%) ، ثم المزارعين (6%)، ثم الموظفين والعاملين فى الدولة (4%)، ثم العمال (3%)، والقطاع الخاص (3%)، وكبار السن (2%)، والمصريون فى الخارج (2%)..



سادساً : الإشارة إلى رئيس الجمهورية والسياقات المتعلقة بها :

تشير نتائج الدراسة إلى أن ذكر السيد رئيس الجمهورية قد ورد فى بيان الحكومة ثمانى (8) مرات.. بمعدل مرة واحدة فى كل محور من محاور البيان.. فى المرة الأولى إشارة إلى أن «رئيس الجمهورية يقود ويوجه ويتابع» برنامج الحكومة، وفى المرة الثانية إشارة إلى أن هناك «جهودا ضخمة يقودها رئيس الجمهورية لحماية أمن مصر القومى»، وفى المرة الثالثة، تمت الإشارة إلى «رؤية مصر 2030 التى أطلقها رئيس الجمهورية»، وفى المرة الرابعة تمت الإشارة إلى «المشروعات القومية التى يتابعها رئيس الجمهورية»، وفى المرة الخامسة تمت الإشارة إلى أن «عام 2016 هو عام الشباب تحت رعاية السيد الرئيس» ، وفى المرة السادسة تمت الإشارة إلى «مبادرة رئيس الجمهورية لتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة»، وفى المرة السابعة تمت الإشارة إلى «مبادرة رئيس الجمهورية للارتقاء بأداء المعلم»، والمرة الثامنة والأخيرة تمت الإشارة فيها إلى «مبادرة رئيس الجمهورية لتمويل مشروعات الشباب».. وهكذا، تم تصدير اسم الرئيس فى كل محور وبرنامج.. تجدر الإشارة إلى عدم تسمية الرئيس فى أى من الإشارات الثمانية والاكتفاء بوظيفته..


سابعاً: استخدام كلمات وحروف التسويف فى مقابل الأفعال التقريرية :

تشير نتائج الدراسة إلى انخفاض استخدام حرف «س» و«سوف» فى بيان الحكومة، حيث ورد حرف «س» المستقبلى، وكلمة «سوف» 17 مرة فقط فى الخطاب، 8 منها مرتبطة بكلمة عمل (سنعمل)، والباقى مرتبط بكلمات مثل: سنعالج، ستحظى، سنقف، ستتطلب، سوف نتعاون، سوف نعمل، سوف ننسق.. فى المقابل، تم استخدام الإشارات الدالة على الفعل التقريرى فى 226 مرة بنسبة 93%.. وهو مؤشر إيجابى فى طريقة الكتابة وفى التفكير أيضاً..



ثامناً: استخدام الإحصائيات والأرقام فى بيان الحكومة :

تشير نتائج الدراسة إلى أنه تم استخدام 297 رقما وإحصاء فى بيان الحكومة، تركزت فى اربعة محاور فقط، ولم يتم استخدام أى أرقام فى خمسة محاور على الإطلاق.. فقد تم استخدام 34% من الأرقام فى المحور الخامس المتعلق بالتنمية القطاعية، وتم استخدام 31% من الأرقام فى إطار عرض المحور الرابع المتعلق بالعدالة الاجتماعية وخدمات المواطنين، وتم استخدام 13% فى إطار عرض المحور الثالث المتعلق بالبرنامج الاقتصادى للحكومة، وتم استخدام 18% فى إطار عرض التحديات العامة التى تواجه الحكومة ومصر حالياً..

فى المقابل، لم يتم استخدام أى إحصاء أو أرقام فى محاور مثل: المحور الأول المتعلق بالأمن القومى، والمحور الثانى المتعلق بترسيخ البنية الديمقراطية، والمحور السادس المتعلق بالإصلاح الإدارى، والمحور السابع المتعلق بالدور الإقليمى والدولى ..



تاسعاً : توزيع كلمات البيان على المحاور والموضوعات :

تشير نتائج الدراسة إلى أن عدد كلمات البيان هى 10270 كلمة، تم توزيعها على محاور الدراسة على النحو التالى، تم استخدام 8% منها فى كل من المقدمة والخاتمة بالتساوى.. ومثلها (8%) فى شرح التحديات التى تواجه مصر حالياً، و9% فى عرض الأهداف العامة لبرنامج الحكومة.. و1% فى عرض آليات الحفاظ على الأمن القومى، و3% فى عرض الخطط الخاصة بترسيخ البنية الديمقراطية وتدعيمها.. و11% فى عرض البرنامج والرؤية الاقتصادية للحكومة، و31% فى عرض الخطط الخاصة بالعدالة الاجتماعية وخدمات المواطنين، و23% فى عرض خطة الحكومة فى مجال التنمية القطاعية، و4% فى عرض خطط الإصلاح الإدارى وتحقيق المزيد من آليات الشفافية والنزاهة، وأخيراً 2% فى عرض الدور المصرى الإقليمى والدولى .