فى أفريقيا يعرفونه جيدا ويقدمون له الشكر يوما بعد يوم.. فهو المنقذ وهو الذى حقق الحلم الأفريقى بالقضاء على الملاريا.. الدكتور محمود هاشم أستاذ الكيمياء الضوئية بجامعة القاهرة ورئيس الجامعة الألمانية وواحد من العلماء المعروفين على مستوى العالم.

الدكتور "هاشم" يعد أول عالم مصرى وعربى يتم انتخابه ضمن 7 علماء عالميين لإدارة الجمعية الأوروبية للبيولوجيا الضوئية، حصل على العديد من الأوسمة والجوائز داخل مصر وخارجها ومنذ شهور أصبح عضوا فى المجمع العلمى المصرى، استطاع بأبحاثه وجهده العلمى لأكثر من 40 سنة أن يتوصل إلى تقنية للقضاء على الأوبئة والفيروسات المسببة للبلهارسيا والملاريا والفلاريا للإنسان.

أما الجديد الذى يقدمه د. محمود هاشم فهو تقنية للقضاء على المرض الجديد «زيكا»، الذى أزعج العالم وسبب له الرعب.. والأهم هو مشاركته مع عدد من الباحثين العالميين فى علاج الأورام السرطانية بالعلاج الضوئى الديناميكى بديلا عن العلاج الكيماوى أو الإشعاعى أوالجراحى وبدون أى آثار جانبية وبجرعة واحدة.

طلبت لقاء الدكتور محمود فحدد الموعد.. لم يكن فى الجامعة أو قاعة المؤتمرات التى كان يحضر فيها مؤتمرا طبيا عن «البيولوجيا الضوئية لعلاج السرطان» لكنه حدده فى أحد محلات «الفول والطعمية» وعندما لاحظ دهشتى قال إنه يعد لى مفاجأة.

فى الموعد المحدد كنت أنتظر العالم الكبير الذى حضر وقدم لى المفاجأة.. واحداً من أهم العلماء فى مجال جراحة المخ والأعصاب على مستوى العالم وهو متخصص فى استخدام تقنية الضوء فى علاج الخلايا السرطانية.. بروفوسير هيرفنج كوسترن Prf : Herving kastron..

وقبل أن نبدأ الحوار قال لى البروفوسير النمساوى إنه عاشق لمصر وأن هذه هى المرة الثالثة التى يأتى فيها إليها.. ومن المرة الأولى عشق الأكلات المصرية وأدمن الكشرى والفول والطعمية ولأنه سيغادر القاهرة فى الصباح الباكر إلى النمسا فقد قرر أن يودعها بأكلة مصرية إلى ان يحضر إليها مرة أخرى مع فريق عمل من المهندسين.. ليبدأ فى إجراء الجراحات للمرضى.. وهنا سألته ما علاقة الفريق الهندسى بالطب وغرفة العمليات؟!
ضحك قائلا: أنا لا أحتاج سوى فريق من مهندسى الليزر لتحديد كمية الضوء المناسبة للقضاء على الخلية السرطانية.. وتدخل الدكتور محمود قائلا لقد دخلت فى صلب الموضوع مباشرة تعالوا نبدأ من البداية.

سألت د. محمود ماهى العلاقة بين علاج الملاريا والذى استخدمته فى أفريقيا وعلاج زيكا الذى سبب الرعب للعالم وعلاج الخلايا السرطانية وهل يصلح الضوء لعلاج كل هذه الامراض؟

قال: التقنية مختلفة ولكن الضوء واحد تعالى نتحدث عن زيكا أولا فهوأحدث الفيروسات المرعبة التى تجتاح دول أمريكا الجنوبية والبرازيل وهومرض لا يوجد له أدوية طبية معروفة ولا لقاحات للوقاية منه لكن بنفس تقنية القضاء على المسببات من المنبع تمكنت مع فريقى البحثى من القضاء على البعوضة الناقلة للمرض.

مواجهة زيكا

وهل هذا هو السبب فى استدعاء البرازيل لفريقك البحثى وهى أكثر الدول المنكوبة بـ »زيكا»؟

نعم وزارة الصحة فى البرازيل طلبت الإستعانة بالابتكار المصرى لمكافحة فيروس «زيكا» وسافر د.وليد عبد العزيز ود.طارق الطيب الاستاذان بجامعة القاهرة لمقابلة وزيرة الصحة هناك لعرض آليات تنفيذ الابتكار المصرى لديهم، حيث يتم نقل العدوى من خلال البعوضة المسببة للمرض ويطلقون عليها «المصرية الزاعجة» والمتسببة فى نقل العديد من الفيروسات الأخرى الخطيرة لأنها كالحمى الصفراء وحمى الضنك التى تسبب الوفاة، حيث إن لدغة واحدة من هذه البعوضة كفيلة بنقل الفيروس ولكن تمتد فترة الحضانة منذ لسعة البعوضة إلى ظهور أعراض المرض إلى عدة أيام، لم يثبت حتى الآن النقل المباشر للمرض من شخص لآخر سواء عن طريق الدم أوالاتصال الجسدى إلا حالات نادرة.

هل هى موجودة فى مصر وأين أماكن تواجدها؟
ــ موجودة فى المنيا وأسيوط .. ونحن لسنا بعيدين عن التهديد والخطر،لذلك الوقاية خير من العلاج بالتخلص من المسببات من المنبع.

ما هى فكرة الابتكار؟
تتلخص الفكرة فى القضاء على البعوضة من المنبع، بقطع دورة حياتها بالتخلص من اليرقات التى تعيش فى المياه الراكدة باستخدام تكنولوجيا الطاقة الضوئية، ويتم ذلك عن طريق أشعة الشمس المباشرة ومادة الكلوروفيل المستخلصة من النباتات «مثل نبات ورد النيل أوالمخلفات الزراعية»، حيث يتم رش المستنقعات بمادة الكلوروفيل التى تتغذى عليها يرقات البعوض، وعن طريق أشعة الشمس يحدث تفاعل كيميائى ضوئى يحول الأوكسجين داخل أنسجة اليرقات إلى أوكسجين ذرى نشط يفتك بها، وقد أثبتت النتائج أنه فى خلال ساعتين فقط يتم القضاء تماما على يرقات البعوض بنسبة نجاح مابين 95 إلى 100%، والجديد فى هذه الطريقة أنها تعتمد على مستخلصات نباتية آمنة وأشعة الشمس الموجودة فى كل دول العالم التى بها هذا البعوض.

طريقة آمنة

ما هى مميزات هذه الطريقة وهل هى آمنة ؟
- ــلها أكثر من ميزة فهى مستخلص نباتى أونستطيع ان نقول انها مكمل غذائى وقد تم اعتماده من مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» وهو رخيص الثمن بما يتناسب مع البلدان الفقيرة، حيث الكيلوجرام من هذا المنتج SAFE سعره 19 دولارا وهذا يكفى لمساحة تقدر 250م2 من المستنقعات وربما يكفى لتغطية قرية صغيرة ويتمتع بدرجة أمان عالية جدا، فهو يتحلل بأشعة الشمس وليس له أى آثار بيئية ضارة بل باستخلاصه من نبات ورد النيل نتخلص من مشكلة بيئية تؤرقنا وكذلك يمكن استخلاصه من النفايات الزراعية.

وهو فقط يؤثر على يرقات البعوض دون تأثيره على أى كائنات حية أخرى، حيث يتم إضافة مواد جاذبة فقط ليرقات البعوض تتغذى عليها لقد سجلت تسع براءات اختراع لهذا العلاج فى المنظمة الدولية لحقوق الملكية الفكرية WIPO وفى أكاديمية البحث العلمى وهذه البراءة هى خلاصة أكثر من بحث وتم نشر هذا الإبتكار بعد تحكيمه وتقييمه من قبل أكبر العلماء فى الإحتفالية العلمية العالمية التى نظمتها جامعة هانوفر بألمانيا، وكانت منافسة عالمية لاختيار أهم وأحدث الأفكار الجديدة للألفية الثالثة Expo 2000 وذلك فى مجموعة المؤتمرات التى سميت تشكيل المستقبلShaping the Future وتم تسجيلها فى 170دولة منذ عام 2009 وتم تسجيل منتج SAFE فى الهيئة القومية للأدوية التى تقع تحت تبعيتها وزارة الصحة بدولة أوغندا كمبيد ليرقات البعوض.. أيضا اعترفت به منظمة الصحة العالمية بجينيف بعد دراسة لأكثر من عام ثم تمت دعوة المخترعين لمناقشة خبراءWHO حوالى 25 خبيرا لمكافحة الملاريا بالمنظمة الدولية وكان هذا فى 16 نوفمبر 2014.

البعوض الناقل

وهل تم تطبيق هذا العلاج فى مصر خاصة اننا نعانى من البعوض الذى ينتشر فى كل مكان ؟
- أناشد ووزارة الصحة والتعليم العالى والبحث العلمى و التنمية المحلية أن يتولوا مشروعا قوميا للتخلص من البعوض الناقل للأمراض الخطيرة وذلك بتطبيق الابتكار المصرى للقضاء على انتشار المرض فى قرى ونجوع مصر، ضد ثلاثة أنواع مختلفة من يرقات البعوض وهى بعوضة الأبيدس المسببة لفيروس زيكا وحمى الضنك وبعوضة الأنوفيليس المسببة لمرض الملاريا وبعوضة كيولكس المسببة لمرض الفيلة أوالفلاريا.

هل تستخدم نفس التقنية فى القضاء على «زيكا»؟
ـ ـنعم نفس التقنية فزيكا لا يوجد له علاج أومصل وأحسن طريقة هى التخلص من البعوض والقضاء على المرض من المنبع.

ما علاقة المخ والاعصاب وتقنية العلاج الضوئى الديناميكى ؟
ــ هنا يتدخل بروفسيور هيرفنج قائلا : جراحات المخ عادة فى حالات الأورام تكون غير مضمونة العواقب مائة بالمائة ..واحيانا كثيرة لا نستطيع تحديد الحافة الآمنة عند الاستئصال فى خلايا المخ وقد يصاب المريض بعجز حركى بعد الجراحة لان الطبيب لايستطيع استئصال الجزء المصاب اوالاورام بشكل كامل جراحيا ويتبقى حوالى ٦٠٪ من الورم داخل المخ.

ويعرض د. هيرفنج سيديهات لبعض الحالات المصابة بالاورام قبل وبعد العلاج بالPDT « العلاج الضوئي» ..والفرق بينه وبين الأنواع الأخرى من العلاجات..حيث يتم حقن المريض بمادة صبغية يمتصها الجزء المصاب ويتحول الى جزء منير ومميز عن باقى الخلايا السليمة وبتسليط ضوء الليزر عليها يتحول الأكسجين داخلها إلى اكسجين ذرى نشط وينفجر كقنبلة ذرية وتحترق اوتموت الخلايا المصابة ولا يوجد له أى اثار جانبية على المريض وطبعا الآثار الجانبية للعلاج الكيماوى والعلاج الاشعاعى معروفة.

ويقدم د. هيرفنج نماذج أخرى لمرضى أورام جلدية وكذلك مرضى القدم السكرى فبإمكانه تفادى الاستئصال الذى يحدث فى معظم الحالات.

منذ متى وهذه التقنية يتم استخدامها وأين وماهى نسب الشفاء ؟
ــ هذا العلاج يتم استخدامه منذ السبعينات وفى عام 1999 حصل على أول اعتراف من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية وعام 2000 بدأ استخدامه فى علاج أورام المخ ومنذ عشر سنوات يستخدم فى علاج الأورام الجلدية.. أما أنا فأعمل عليه منذ عام 1985 وكنت أول طبيب فى أوروبا كلها يستخدم تلك التقنية فى أورام المخ .. وهذا العلاج يطبق فى كثير من دول أوروبا بالإضافة لليابان وروسيا والبرازيل والأرجنتين والهند والصين وأمريكا.. ونسبة نجاحه فى الاورام الجلدية حوالى 93%..اما فى أورام المخ فهى تتراوح مابين 70 و75% مع ملاحظة ان العلاج يؤخذ مرة واحدة دون آثار جانبية أما فى الأنواع الأخرى فهويحصل على 30 كورسا إشعاعياً أو12 شهرا كيماويا بالإضافة طبعا لأضرارهم فيما بعد .فالصبغة والضوء لن تؤذى الخلايا السليمة عكس العلاج الإشعاعى والكيماوى الذى يؤثر على كل الخلايا المصابة والسليمة

حسابات الشركات

ولماذا لا يعمم استخدامه بدلا من العلاجات الأخرى؟
ـ ـالأرباح والمكاسب .. فشركات الأدوية العالمية لديها حسابات أخرى فهذا علاج غير مكلف ومكاسبه مهما كانت لن توازى المكاسب من العلاجات الأخرى فعلاج لمرة واحدة يفرق كثيرا عن علاج متكرر ! فحتى لو دفع 10 الاف يورومثلا فى جرعة واحدة بالpdt سنجد أنها نفس تكلفة جرعة واحدة من الكيماوى وهى تتكرر لمرات عديدة .

ماذا جرى فى ورشة العمل واللقاءات التى حضرتها فى مصر على مدار يومين ؟
ـ ـشعرت ان هناك رغبة حقيقية لتطبيق ذلك النوع من العلاج .. وكانت المناقشات جادة وليست مجرد دردشة وتجولت داخل حجرات العمليات فى بعض المستشفيات ووجدتها متقدمة جدا وصالحة لتطبيق التقنية العلاجية الجديدة.. لكن فقط سنضيف اليها بعض الأجهزة والتعديلات البسيطة الخاصة بالPDT وسأحضر فريق عمل من النمسا لتضبط بعض الامور الخاصة بالليزر والضوء المستخدم فى العمليات فالخلاصة فى هذه التقنية هو( to see- to treat)اى التشخيص والعلاج .. وفى نوفمبر القادم ( من 4 الى 11 نوفمبر) سنبدأ فعليا فى اجراء بعض العمليات لتشخيصها وعلاجها لأول مرة فى مصر.

توجهت بالسؤال للدكتور محمود هاشم:

هل سيتم تطبيق هذا العلاج أثناء زيارات الخبير الدولى فقط؟
ــ نأمل أن يستمر العلاج فى مصر .. فقد أسسنا جمعية خيرية كبيرة لإنشاء أول مركز طبى خيرى لتطبيق هذا العلاج (العلاج الضوئى الديناميكى)بديلا لعلاجات السرطان الأخرى وتضم الجمعية كوكبة كبيرة من الأسماء.. علماء ووزراء سابقين وأساتذة جامعة وسفراء.. كلهم أسماء معروفة وموثوق بها خاصة فى جراحات الأورام وكلهم آمنوا بالفكرة وقرروا المساهمة فى إنشاء المركز وسيكون مقره الاقصر بإذن الله .. ويهدف هذا المركز الذى أطلقنا عليه اسم مركز الضياء نسبة الى الضوء الذى يعتمد عليه هذا النوع من العلاج إلى تشخيص وعلاج الأورام الخبيثة للفئات الأقل حظا فى مصر وذلك بمستحثات ضوئية جديدة ورخيصة الثمن وثانيا لتدريب المتخصصين من أطباء وفنيين لممارسة تكنولوجيا الليزر فى هذا المجال وثالثا إجراء الأبحاث العلمية الإكلينيكية لتطويرها والاستعانة بالخبرات والعلماء من أوربا وأمريكا واليابان.