تسبق يوم الجمعة الأول من شهر ابريل كل عام دعوات للاحتفال بيوم اليتيم ، وذلك بإقامة حفلات للترفيه عنه أو الحث على التبرعات للإنفاق عليه أو مناشدة بفكرة «اكفل يتيما فى بيتك» للتخفيف عن كاهل دور الأيتام.

فما واجب المسلم وواجب المجتمع نحو اليتيم وما موقف الدين من الدعوة لكفالة ا ليتيم فى البيت؟

يتم النبي

يقول د. أحمد عمر هاشم من علماء الأزهر: ورد ذكر اليتيم فى القرآن الكريم فى ثلاثة وعشرين موضعا منها قوله تعالى «كلا بل لا تكرمون اليتيم» وقوله «قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل» وقد قص علينا القرآن الكريم يتم النبي ورعاية الله له والذى كان رفعة لقدره وإعلاء لشأنه فى قوله تعالى «ألم يجدك يتيما فآوى» فأسند الإيواء إليه سبحانه وتعالى ومن آواه الله لا يضل. وقد تلاحقت النعم على حليمة مرضعته وهذه مرحلة بعد إيواء جده له بعد موت أمه. ثم تأتى مرحلة رعاية عمه الذى فضله على ولده واصطحبه فى رحله وترحاله مستأنسا به متبركا متقربا. ولذا كان النبى صلى الله عليه وسلم آية رحمة باليتامى ويظهر ذلك عندما جعل كفالة اليتيم طريقا لنيل عظيم الدرجات وكافل اليتيم رفيق النبي فى الجنة حيث قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة» وأشار باصبعيه السبابة والوسطى.

تصور خاطئ

ويضيف د. أحمد عمر: أن كفالة اليتيم لا تتوقف عند شهر أو مناسبة إنما هى منهاج إصلاح كامل لحياته فى كل شئونه المادية والعلمية والتربوية والأخلاقية انطلاقا لقوله تعالى «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خيرا فالإصلاح كلمة جامعة لكل ما يحتاج إليه اليتيم سواء أكان فقيرا يحتاج إلى الرعاية المادية والاجتماعية أم غنيا يحتاج إلى حفظ ماله ليصبح كل منهما عضوا صالحا فى وطنه.. لذا لا يقبل تصور بعض الناس أن الكفالة عبارة عن مبلغ من المال يدفع شهريا لليتيم أو حتى زيارة له فى بعض المناسبات والأحوال فهذا هو القصور فى فهم القصد الذى شرعه الله.

فالواجب لليتيم حتى تتحقق له الكفالة بكل معانيها أو لقضاء حوائجه قال رسول الله «الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله»، وأيضا تنشئته تنشئة صالحة سواء كان غنيا أو فقيرا وهذا المعنى لم يغب عن السلف الصالح أبدا حتى ان المرأة التى كانت تحتاج إلى الزواج ما كانت لتنسى واجب الكفالة لليتيم بل كانت تقدمه على كل رغباتها فعن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال: قدمت أمى المدينة فخطبها الناس فقالت لا أتزوج إلا برجل يكفل هذا اليتيم فتزوجها رجل من الأنصار وكانت النتيجة ان هذه التربية الصالحة أفرزت سمرة البطل الذى قدم نفسه للرسول ليلحقه النبي بركب المجاهدين.

مكانة اليتيم

وقد وصل الاهتمام والعناية بأمر اليتامى ان جعل الله له قدرا من الفىء قال تعالى «ما أفاء على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين» وأيضا جعل له نصيبا من الغنيمة، بل جعل الله سبحانه وتعالى الإحسان إلى اليتامى يبقى إلى الذرية نفعا وصلاحا وخيرا وبرا.

ولابد أن تمتد الرعاية إلى اليتيم الغنى الذى قد يترك له والداه أموالا فهذا لا يترك لأنه لا يحسن تدبير شأنه ولا تصريف أموره بما يعود عليه بالنفع وقد ركز القرآن على ذلك فى قوله تعالى «وآتوا اليتامى أموالهم».

وللعالم الجليل د. على جمعة رأى يقول فيه: أى أمة لا يعلو قدرها إلا برحمة الضعفاء فيها. ورب قائل لماذا لم يذكروا اليتيم ضمن مصارف الزكاة، والجواب لأن اليتيم قد يكون غنيا فهو معط للزكاة وإذا كان غير ذلك فهو من الفقراء والمساكين فيعطى على صفته بصفة منفردة.

مراقبة وخدمة

وحول ملاحظات عن مظاهر الاحتفال بيوم اليتيم يقول الشيخ أحمد ترك من علماء وزارة الأوقاف إنه يجب ألا يقتصر الاحتفال على الايتام فى الملاجيء والمؤسسات ولكن علينا النظر الى اطفال الشوارع واطفال الشهداء الذين مات أباؤهم دفاعا عن الوطن فحقهم علينا أن يحظوا بالرعاية المنظمة وأن يضع القائمون على الاحتفالات باليتيم فى اعتبارهم الأول أن اكرام اليتيم ألا نشعره أنه يتيم واستنكر الحفلات الصاخبة التى تجمع الاطفال وتشعرهم بحالة اليتم وبالتالى تفقد الهدف من اقامتها وهو الترفيه عنهم كما يروج البعض لأنها تشدد على حالة الحرمان وتشعرهم بالبؤس على حالهم.. وحول الخدمة التى تقدم للأيتام فى أماكن رعايتهم يشير الشيخ ترك الى أن بعض المؤسسات التى تكفل الأيتام لاتتلاءم خدماتها مع الحملات الاعلامية التى يروجون لها بهدف جمع التبرعات وبعض الجمعيات تقسو على الايتام ولاتقدم لهم المناسب من طعام وتعليم وعلاج والآيات الكريمة التى تتحدث عن اليتيم تمنع حتى نهره أو الحديث معه بقسوة قال تعالي: «فأما اليتيم فلاتقهر»، ولذلك يطالب بوقفة صارمة من الدولة لمراقبة هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية وتتبع نتائج عملها بصفة دورية.

الكفالة الواجبة

وحول دعوة بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية الى فكرة «اكفل يتيما فى بيتك» يوضح د.مصطفى عرجاوى استاذ القانون بجامعة الأزهر أن كفالة اليتيم أمر مشروع ولكن ينبغى أن تتم على النحو الشرعى بمعنى أن هذا اليتيم أجنبى عن الأسرة التى تقوم بكفالته إن كان ذكرا أو أنثى ولذلك اذا كان طفلا رضيعا أو طفلة رضيعة وقامت الزوجة الكافلة بارضاعه صارت بمنزلة أم له وصار زوجها بمثابة أب له قال الرسول �: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» دون الحق فى الميراث أو الانتساب لمن قامت بالارضاع أو الى زوجها فعندئذ يمكن رعايته فى بيتهما.